كنت في بلاد السعادة: عندما حكى السفير عن جاليتنا في مصر

لم يتردد سفير المغرب بمصر في لقائنا ببيتنا الدبلوماسي بمصر، وصلنا ذلك الصباح صحبة إحدى عضوات رابطة جاليتنا بهذا البلد الشقيق، لمسنا حسن الاستقبال، والتنظيم المؤسساتي، في جوانبه الثقافية والإعلامية والإدارية.
لم يقدم لنا السفير كأس شاي أو قهوة، ولكنه قدم لنا معلومات هامة عن عمله كدبلوماسي بمصر، وعن مختلف جوانب التعاون الهام، والعلاقات الاستراتيجية مع شعب مصر وقيادته.

 

 

لم يتردد سفير المغرب بمصر في لقائنا ببيتنا الدبلوماسي بمصر، وصلنا ذلك الصباح صحبة إحدى عضوات رابطة جاليتنا بهذا البلد الشقيق، لمسنا حسن الاستقبال، والتنظيم المؤسساتي، في جوانبه الثقافية والإعلامية والإدارية.
لم يقدم لنا السفير كأس شاي أو قهوة، ولكنه قدم لنا معلومات هامة عن عمله كدبلوماسي بمصر، وعن مختلف جوانب التعاون الهام، والعلاقات الاستراتيجية مع شعب مصر وقيادته.
كانت ثقافة الرجل العالية، تسعفه في تقديم كافة المعلومات المتاحة، في قالب فكري يعي فيه الرجل حجم التحولات التي وقعت في المنطقة، والتي تستدعي عملا دبلوماسيا مجددا لآلياته بين الأمس واليوم.
لا أخفيكم قرائي أني لمست صدقا كبيرا ينبع من تفسيرات الرجل، الذي أكد لي إحساسي وقدرتي على استخلاص معاني الكلمات ودلالاتها أن السفير يحمل في دواخله غيرة كبيرة على وطنه، حد الخوف من أي تجاوز بإمكانه أن يؤدي إلى منزلق ما، حتى في العلاقات مع مختلف المنظمات التي تقدم نفسها على أنها تمثل المغاربة في «المحروسة»، دون أن تصاحب تقديمها هذا بأوراق قانونية تثبت ذلك.
كما لا أخفيكم قرائي أني أتفق مع السفير في ذلك، إيمانا مني بالعمل المؤسساتي الذي يضع من بين شروطه الأساسية الاستناد إلى المساطر والقوانين، قبل أي شرط آخر يهم تحقيق فاعليته.
كما لا أخفيكم قرائي أني وقفت حائرة بين قناعاتي في العمل المؤسساتي، وبين هؤلاء النساء الفاعلات اللواتي وجدتهن إلى جانبنا، في كل مكان حللنا فيه، حاملات الوطن في كافة تحركاتهن والمغرب على لسانهن كلما تجاذبنا أطراف الحديث، ونحن نجالس كافة الجنسيات العربية التي جمعنا معها الفكر والثقافة والركح وأيضا القضية.
قلت أكيد أن هناك خللا ما، ولكن لا ينبغي أن أخوض في ملف دقيق، أحتاج فيه إلى الكثير من المعلومات للكتابة عنه، تنويرا وانسجاما مع دفاعنا عن وطننا، وعن تمثيلياتنا الدبلوماسية الرسمية والموازية في الخارج، وعن جالياتنا المغربية باعتبارها القلب الوطني النابض في دول الاستقبال، تلك التي، جمعنا حقائبنا، وشتات فكرنا، وذهبنا إليها، لنحط الرحال حيث هي، من أجل تواصل ثقافي يدافع عن الهوية الوطنية ويكرس عمقها في الأذهان التي هاجرت لاعتبارات كثيرة، لكنها اعتبارات تشكل بعدا تنمويا وامتدادا وطنيا حضاريا وثقافيا ومجتمعيا في مختلف اليابسات القريبة أوالتي تفصلنا معها بحار .
وليس سرا قرائي الأعزاء، إن قلت لكم ، إنه- أمام هذا التساؤل الذي أقلقني بالفعل لأني لم أستطع أن أفهم ما يحدث وسط جاليتنا التي بدت لي غير مستقرة في عمل مدني موحد ومؤسساتي واضح ومفهوم وعملي – تردد في ذهني إلحاح جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في أكثر من مناسبة، على ضرورة إيلاء العناية اللازمة لأفراد جاليتنا، وتوقفت عند نص أكاد أردده كلما تناولت موضوع جاليتنا بالخارج، يقول جلالته في إحدى خطابات عيد العرش :» …إن انشغالنا بقضايا المواطنين داخل المغرب، لايعاد له إلا العناية التي نوليها، لشؤون أفراد الجالية المقيمة بالخارج. فنحن نقدر مساهمتهم في تنمية بلدهم، وفي الدفاع عن مصالحه العليا.كما نعتز بارتباطهم بوطنهم، وبتزايد عدد الذين يحرصون، كل سنة، على صلة الرحم بأهلهم، رغم ما يتحملونه من تعب ومشاق السفر، وما يواجهونه من صعوبات.وإذا كنا نعيد ونؤكد، كل مرة، وفي كل مناسبة، شكرنا لهم، وعلى ضرورة الاهتمام بقضاياهم، سواء داخل الوطن، أو في بلدان الإقامة، فنحن لا نبالغ في ذلك، لأنهم في الواقع، يستحقون ذلك وأكثر…وقد سبق أن شددنا على ضرورة تحسين الخدمات، المقدمة لهم. ووقفنا على بعض النماذج، التي تم اعتمادها لهذا الغرض. ورغم الإصلاحات والتدابير، التي تم اتخاذها، إلا أنها تبقى غير كافية. وهو ما يقتضي جدية أكبر، والتزاما أقوى من طرف القناصلة والموظفين، في خدمة شؤون الجالية…».
كان سفيرنا ذلك اليوم حريصا على أن يحكي لنا عن نوعية الجالية المغربية الموجودة بمصر، قال السيد التازي إن الأغلبية الساحقة لجالياتنا في هذا البلد الشقيق هي من النساء، بمختلف الأوضاع الاجتماعية، وإن كانت نسبة اللواتي يتوفرن على وضع اجتماعي لائق بلغت ما يناهز الثلاثين بالمائة فإن النسبة الباقية توجد في أوضاع صعبة. ولم يخف السفير الجريء قول الحقيقة كاملة مستحضرا بعض الأوضاع القلقة في صفوف جالياتنا والتي تعاني فيها الكثير من النساء اللواتي فضلن الارتباط بعلاقات زواج غير محسوبة العواقب في الأبعاد الاجتماعية، الشيء الذي يستعصي على السفارة حله، أمام ملفات تحتاج إلى إعادة النظر في نقط منطلقاتها، لا في الأشكال النهائية لتعقيداتها.
توقف السفير كثيرا عند هذه النقط، وقال كل شيء بحس عال بحجم المسؤولية، لكن توقفه الذي يحمل العديد من الدلالات يصعب التوقف عندها، لم يثنِه على أن يقدم لنا مختلف التغييرات التي أضفت جمالا على بيت المغرب في القاهرة، وجعلته في حلة تحمل رمزية كبيرة للتمغربيت التي نتمنى أن نراها في مختلف سفاراتنا في الخارج.
ودعنا السفير، ابن مدينة فاس العالمة، بعد نقاش دام ثلاث ساعات، لم يقدم لنا فيها لا شاي ولا قهوة، حتى أني عندما غادرت المبنى قلت لفاطمة المنتمية إلى رابطة الجالية المغربية بمصر :» ذكريني يافاطمة أن أبعث لسفيرنا علب شاي رفيع المستوى من قلب صحرائنا المغربية، فيستعصي علي أنا المغربية التي احتسي الشاي في كافة جلساتي الفكرية والثقافية وحتى السياسية أن أناقش السفير لمدة ثلاث ساعات دون الإقدام على نفس فعل الاحتساء…التمغربيت في كل شيء حتى في كرم الضيافة ولو على حسابنا الشخصي..»

فوق نفق الميدان، نحو نفق السيدة زينب

لم أتنفس الصعداء في قاهرة المعتز، المواعيد الثقافية والسياسية تراكمت في أجندتي التي حرصت أن أحملها في محفطتي من المغرب، حتى أن بعض المواعيد التي اعتذرت فيها لمهامي بالمغرب، ظلت عالقة فيها، تذكرني بضيق الزمن عندما نختار التحرك في كل الاتجاهات بنكران كبير للذات. وهو النكران الذي التقطه أحد أصدقائي وإخواني، معبرا عن ذلك في صفحتي على الفايسبوك، بأني لست ملكا لأسرتي الصغيرة، بل أنا ملك لكل تلك الأصوات التي أعبر عنها داخل وطني كلما أحسست أن الحرف والكلمة والتحرك نضال من أجل التنبيه إلى أوضاع تحتاج مجهودات لتغييرها، تحقيقا لعدل نصبو إليه جميعا في مجتمعنا، وبقناعة أننا نستطيع ذلك إذا آمنا بالمسؤوليات المشتركة بيننا جميعا بنفس المواطنة الحقيقية التي ينبغي أن تكون.
بدأت موعدي الصباحي ذلك اليوم، بلقاء الصديق إيهاب سفير مصر السابق بالمملكة المغربية، كان لقاؤنا بالخارجية المصرية متميزا، استهل بالاستقبال والترحيب لشخصي المتواضع، انطلاقا من البوابة الأمنية لوزارة الخارجية المصرية، إلى حدود مكتب الصديق إيهاب، الذي وجدته في انتظاري .
احتسينا الشاي المصري معا، رغم أن الصديق إيهاب اقترح علي الشاي المغربي، الذي يحتفظ الرجل بطريقة إعداده، حتى في مكتبه بالقاهرة وسط قطاع الخارجية ببلاده، كما يحتفظ في مكتبه بلوحات تشكيلية مغربية زين بها كافة الأسوار، وكأن الرجل يحمل المغرب ليس في قلبه فقط بل حتى في فضاء اشتغاله الوطني.
كنت أسائله عن مصر، كان الصديق ايهاب يجيب بسخاء، لكن في كل جواب كان يسأل عن المغرب، وعن أصدقائه بالاسم، وعن الفضاءات التي علقت في ذهنه.
واصل الصديق محمد إيهاب جمال الدين، رحيله إلى وطني في حكي شد مسامعي، حتى اعتقدت أن الرجل مغربي، وأن مصر التي يجلس على كرسي دبلوماسي بها ، لن تحقق إشباعه إلا بجعل هذا الكرسي جسرا لتقوية علاقات مصرية مغربية نعتز اليوم بأفقها الواعد جدا في ظل التحولات القائمة.
وأنا أتابع هذا الرحيل، رن هاتف الصديق إيهاب، ليرد على رقم سفيرنا بالقاهرة، ودخل الطرفان في حديث حميمي، والتقطت مسامعي ورود اسمي في مسلسل تعبيراته. قال إيهاب ضاحكا، «أنا مع المغرب الآن، هناك سيدة من عندكم في مكتبي» رد سفيرنا :» …بديعة الراضي» فقال الصديق إيهاب:» لحقت تعرف..»، وبدوري لم أستغرب كما وقع للصديق إيهاب، لأني كنت قد أخبرت بالفعل سفيرنا في مصر خلال لقائي به ببيتنا الدبلوماسي، أن أجندتي في مصر تتضمن لقاء وديا داخل الخارجية المصرية.
كان الزمن يلاحقني، يركد ورائي، يريد أن يهزمني في مواصلة إنهاء مواعيدي التي حرصت على تدوينها في أجندتي، لكني كنت أهزمه رغم قصره المتبوع بليل طويل، نخوضه لمتابعة الأنشطة الثقافية والفنية، تلك التي تزخر بها مسارح وقاعات وفضاءات القاهرة، ورغم اكتظاظ شوارع المحروسة التي أتحايل عليها بركوب سيارات الأجرة إلى حدود الأنفاق التي تقفل من شدة ذلك، بالمشي قدما تحت هذه الأنفاق أو فوقها، تاركة سائق الطاكسي مشدودا إلى هذا الفعل الذي أنا مضطرة لاقترافه من أجل الوصول في الوقت، لا يهمني في ذلك الدخان الأسود، أو تلوث القاهرة الذي يغطي وجهي وشعري، لأصبح مثل ممثل في دور « شخص مطارد» في الأفلام السينمائية التي صورت فوق أنفاق الجيزة والست زينب والعتبة والميدان، وهو التلوث الذي لا أستطيع أن أزيله عن جسمي عندما أدلف إلى دوش الحمام المتواضع الذي يوجد داخل غرفتي في فندق بدون نجوم تذكر، حيث يستعصي نزول ماء كاف من الصنوبر، فأتحايل مرة أخرى لأبلل المنشفة التي تفقد بياضها طبعا، كلما مسحت بها وجهي وباقي جسدي كي أنظف بعضه، مفضلة في آخر المطاف أن أذهب إلى صالون عمي عبدو لأغسل شعري، كي يبدو شكلي لائقا أمام من ملأت أجندتي للقائهم ، أو ملأوا أجندتهم للقائي.
عدت في ذلك اليوم إلى الفندق لأجد عضوات رابطة كاتبات المغرب، فرع مصر ، في انتظاري، تأسفت عن التأخير، لأن منسقة الرابطة بمصر السيدة ربيعة أتت في صباح نفس اليوم من الإسكندرية، متحملة مشقة السفر عبر حافلة بطيئة، عبر الطريق الزراعي إلى القاهرة، وبعد ذلك اضطرت الكاتبة ربيعة لامتطاء سيارة من أجل إيصالها لمكان موعدنا، ويحسب لربيعة أنها رغم بعد المسافة، وصلت قبل عضوات الرابطة القاطنات في القاهرة، لكن هؤلاء النساء يقطن في جوار يمكن اعتباره مدينة أخرى، قياسا بالمسافة التي ستوصلهن إلى وسط البلد حيث يوجد الفندق المتواضع الذي أقيم فيه بحي الدقي والموجود بممر متفرع عن شارع التحرير ، المجاور لسينما التحرير تحديدا.
اجتمعت مع فرع رابطة كاتبات المغرب بمصر، تحدثنا طويلا في أبعاد التكتل النسائي وأهمية العمل المدني، كما تحدثنا في تواجد الكاتبة المغربية في مختلف دول العالم في بلدان الاستقبال، وأسسنا الفرع بمحضر وقعته كنائبة لرئيسة رابطة كاتبات المغرب، بتنسيق مع الكاتبة والرئيسة السيدة عزيزة عمر احضية، التي أتمنى لها الشفاء العاجل، وأن تجتاز محنتها الصحية كي تعود كما كانت نحلة متنقلة في كافة الاتجاهات من أجلنا جميعا.
لا أخفيكم قرائي أنه في هذا الجانب بالذات حول تأسيس عمل مدني ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي في دول الاستقبال لمغاربة العالم، أجد نفسي حريصة على تطبيق القانون من أجل حماية الحلم، وإنزاله على أرض الواقع ، كي يصب هذا العمل المدني في أهدافنا الاستراتيجية الكبرى التي نعي فيها التحديات، لكن نحرص على الدفاع عنها وعن شروط تطبيقها، ومن بين هذه الشروط أن يدافع المجتمع المدني في المهجر عن هويتنا الوطنية المغربية، وأن يتجند لخدمة «التمغربيت» التي تتعرض –مع الأسف- للتخريب من طرف من رؤوا في ركوب العمل المدني في دول الاستقبال بوابة للارتزاق أو تمريرا لأجندات أخرى غالبا ما يسقط ممتهنوها في خدمة غير مشروطة لدول أخرى لها أهدافها في اختراق الجاليات بصفة عامة ومنها الجالية المغربية. من هذا المنطلق نبهت العضوات الحاضرات إلى ضرورة تقنين الفرع وشرعنته بالتوجه الفوري بكافة الأوراق والمعطيات إلى مصالحنا الإدارية بالمحروسة من أجل الحصول على إيصال يمكنهن من العمل باسم الكاتبات المغربيات.


الكاتب : بديعة الراضي

  

بتاريخ : 08/12/2018