كنت في تونس الجديدة 4 : بنعلي.. رجع

في اليوم الأول لوصولنا إلى تونس، كنا جد ممتنين، كوفد مسرحي، بدعم الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الجالية، لنا، في إطار برنامج استراتيجي هام في الدفاع عن هويتنا الثقافية، كمغاربة، على المستوى الخارجي.
وهو البرنامج الذي تبناه الوزير الاتحادي عبد الكريم بنعتيق لجعله لقاء ثقافيا بين مجموعة من الفرق المسرحية العاملة باللغتين العربية والأمازيغية، وبين جاليتنا في دول الاستقبال وكافة الذين يحجون، حضورا، للمشاهدة والمتابعة من هذه الدول كانت عربية أو أجنبية.

في اليوم الأول لوصولنا إلى تونس، كنا جد ممتنين، كوفد مسرحي، بدعم الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الجالية، لنا، في إطار برنامج استراتيجي هام في الدفاع عن هويتنا الثقافية، كمغاربة، على المستوى الخارجي.

وهو البرنامج الذي تبناه الوزير الاتحادي عبد الكريم بنعتيق لجعله لقاء ثقافيا بين مجموعة من الفرق المسرحية العاملة باللغتين العربية والأمازيغية، وبين جاليتنا في دول الاستقبال وكافة الذين يحجون، حضورا، للمشاهدة والمتابعة من هذه الدول كانت عربية أو أجنبية.
دخلنا المدينة العتيقة ليلا وتحديدا «المركز الثقافي الدولي، الربط»، مستثمرين في ذلك، علاقاتنا مع المشهد الجمعوي الثقافي التونسي، كي نجعل لمهمتنا الثقافية الدبلوماسية جسرا آخر، في تونس الشقيقة، التي لم يدخر شركاؤنا المسرحيون والمثقفون فيها، جهدا، في استقبالنا والحرص على ضيافتنا.
كانت المدينة العتيقة هادئة جدا،بعض الشباب فيها اختار العزف على أوتار ليلها الدافئ، شعرا ومسرحا، أو دندنة، جعلتني أحس منذ الوهلة الأولى أن هذا الشعب المحب للحياة ، سينهض من تحت الرماد،أو هكذا قال إحساسي، أنا المواطنة المغربية التي طالما دافعت من كافة مواقعي، عن مغاربيتنا،كشعب واحد من الرباط إلى طرابلس، ووجدت عوائق الفهم تواجهني، كلما كررت الحلم في أكثر من فضاء سياسي وثقافي، لكني كنت أرحل عن بعض النقاش السوفسطائي الذي يطاردني- والمربوط بمواقف المرحلة التي تتغير كلما استدعى الزمن الكرونولوجي ذلك- لأذهب بحلمي إلى المستقبل، باحثة في كافة القراءات المستقبلية التي تعلمنا تجاوز كل التعثرات المرحلية فيها، والتي غالبا ما كانت التقوقعات حول الذات من أهم أسبابها، نحو المستقبل التشاركي الذي يضع الإنسان سيدا في محيطه الإقليمي والجهوي على الأقل، ومنه فضاءنا المغاربي.
في مكان استضافتنا الموجود في دروب المدينة العتيقة والذي يسمى «dar ya»، دخلت غرفتي، المشتركة مع شبيهتي» ماجدة زبيطة»، لاحظت أن التعب تسلل إلى ملامحها، لتقول لي بأدب اعتدته فيها كفنانة راقية:»تصبحين على خير».
غادر النوم جفوني، ولم يستطع هدوء الإقامة أن يدعوني إلى الإستسلام. وأذهبتني ذاكرتي إلى الزمن الذي كان، يوم أشعل البوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على «حكرة»، أذهب اليوم إلى تونس لأعرضها حروفا، ويقدمها باسم المشهد المسرحي إخراجا محمد الزيات وتمثيلا الرائعة زبيطة وفي المجموعة الفنان الراقي « سعيد غزالة» والمتميز «جمعة كيار»، أجسد فيها بلغتي وبلغة المخرج والممثلة، احتجاج البوعزيزي على صفعه من قبل شرطية، ليصبح المشهد الذي يمكن أن يحدث في أي بلد متخلف، بداية ثورة عمت الأرض واقتلعت البعض من الظلم، لتغرس ظلما أكبر بعنوان وردة الياسمين، والحال أن لا ورود انتشرت ولا ياسمين، وحده الخراب حط بالبلد باسم الكرامة والحرية والعدالة، التي تغنى بها عزمي بشارة وطائفته، على أنها «كرة الثلج التي تدحرجت في دول الربيع العربي كله لتقتلع أنظمة، وتفشل في مواجهة أنظمة أخرى».
استحضرت كل تلك الأحداث عندما تم اسقاط نظام زين العابدين بنعلي، كما استحضرت مشاهد من الشاشات الكبرى التي أتت بالنخب المهيأة من أجل إلقاء الخطب الرنانة، وكأن تونس تطأ مقدمة بساط يؤدي إلى الجنة، الكل قال كلاما كبيرا، وبعض المثقفين تنبأوا في مشهد غريب قيام دولة الديمقراطية والحرية والكرامة في الجنوب المهترئ، غادرت عقول هؤلاء كل المعطيات المجالية في المنطقة، وظل في ذهنهم معطى واحدٌ أن نظام بنعلي يسد كل منافذ الهواء على الشعب التونسي، وغنى الشباب معهم «ثورة العصر والنصر»، وحافظ آخرون على هدوئهم، واختار البعض الترقب لجمع معطيات عن الذي يحدث، غير آبهين بالذي كررت صوته القنوات المعلومة: «بنعلي هرب بنعلي هرب»، حتى كدنا ننام ونصحى والصوت يتردد في أذهاننا من كثرة حفظه وترديده في كافة الأزقة والدروب ووسائل النقل، وحتى في دروس الذين أوهموننا أنهم عارفون بالمنطقة.
وحدهم الحالمون ببناء وطن بديل، ظلوا في الشارع يرددون أن تونس تولد من جديد، لم يتركهم حلمهم، يفكرون في طريقة الولادة، المهم عندهم أن « بنعلي هرب» ، وأن الكاميرا التي نقلت ثروته من قلب قصره كانت كافية لإعلان تونس الجديدة.
وخلف الستار كانت تونس ترحل إلى القرون الوسطى، وصارعت أيادي الرحيل إلى الخلف، كل الأيادي التي تشابكت لتتوجه إلى المستقبل، ليعم الظلام العاصمة، وهو الظلام الذي استعمل زهرة الياسمين نفسها، وكافة الزهور التي هاج رحيقها حتى اصطدم بالمستنقع الكبير، الذي أجبر عشاق الحرية على الصمت في البدء، بطعم « انتخاب المفكر والمعارض التونسي البارز الدكتور المنصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للبلاد «في ديسمبر 2011 من قبل المجلس الوطني التأسيسي، الذي انتخبه التونسيون بعد الخريف العربي الذي حل ياسمينا، ليتحول إلى رصاصات في رؤوس وصدور رفاقنا، بعدما جعل اللاعبون خلف الستار المرزوقي يحصل على أغلبية أصوات المجلس» ليكون رئيس تونس الجريحة.
وهم اللاعبون الذين، أعطوا للتونسيين الدرس في كيفية ربط الحلم بواقع مختلف،هو الواقع الذي غطى المشهد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي، وأدخل الرعب إلى البلد الآمن، وفتح المجال لتجار الممنوعات في السلاح والمخدرات، وتجار الدين، كما تجار الأوطان، واستدعى الارهاب في حلة الحرية الملثمة بالفوضى، وأذهب العقول وفتح أبواب الجنون، حتى سمعنا في الدروب مجانين مابعد ثورة الخريف العربي، يصيحون في كافة الاتجاهات:» استيقظوا أيها التونسيون، وأعلنوا العيد، واجلبوا الياسمين من جواركم في الشمال المنتصب، فبنعلي قد رجع، وهاهو يدخل قصره من جديد، ليؤمنكم، ويؤمن اقتصادكم، وينشر الدفء في بيوتكم، فاتركوها مفتوحة إن شئتم، أو اغلقوها بقفل عاد، فهذا «الزين» قفلكم ومفتاحكم، غنوا من جديد، «بنعلي رجع، بنعلي رجع، وهروبه كان وهما، وكان سيناريو لدرس تحتاجونه، في فهم عميق للثورة التي ينبغي أن تكون، في البدائل الممكنة وفي المستحيل، بمحيط إقليمي وجهوي معقد، حالم بثورة فرنسا التي أذهبت العقول، والحقيقة أن لا تراب لها في هذه القارة التي تئن وسط عالم متوحش يظل فيه الشمال شمالا والجنوب جنوبا».


الكاتب : بديعة الراضي

  

بتاريخ : 10/11/2018

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *