كيف تصبح كاتبًا؟ 7- آيان ماك إيوان: فن الرواية إلى زوال لولا جمهوره من القارئات

تم تصنيف الكاتب البريطاني، آيان ماك إيوان، من قبل صحيفة التايمز البريطانية واحدًا من أفضل خمسين كاتب بريطاني منذ عام 1945. والذي استحوذت رواياته على اهتمام شريحة واسعة من القراء حول العالم. كان من بينها رواية (أمستردام) الحائزة على جائزة مان بوكر لعام 1998، و رواية (الكفارة) الصادرة في عام 2001، والتي تم تحويلها إلى فيلم حاز على جائزة الأوسكار في 2007.

–  ثمة عدد كبير من القراء ممن يستخدمون كلمة واحدة لوصف أعمالك، ألا وهي “محطِّمة” فهل تظن أن بإمكان هذه الكلمة أن تصف القصص التي تكتبها بدقة؟ وهل تحاول، متعمداً، ترك ذلك الأثر العاطفي العميق في نفوس قرائك؟
– لا أنوي تحطيم قلوب قرائي بالضرورة. بيد أنني آمل أن يقعوا تحت تأثير ذلك السحر الذي يوقد لديهم فضولاً تجاه النص. ذلك لأن فعل قراءة الرواية التي تخلو من ذلك الإحساس بالترقب، هو فعل باهت يفتقر لأي معنى. يمكن لهذا الإحساس أن يكون ترقباً فكرياً أو عاطفياً، أو مزيجاً منهما معاً. هو شيء يحثك على متابعة القراءة. إذ يرى الكاتب البريطاني (هنري جيمس) أن الوظيفة الأولى للروائي هي أن يحقق المتعة للقارئ. وربما أعي تماماً ما يعنيه بذلك. أما بالنسبة لي، فلا شك أنني سأضع الرواية جانباً، إذا لم تُثر فضولي. أود أن أُحدث شيئاً ما. ولا يجب أن يتعلق ذلك الشيء بتلك الأدوات التي أشتهر بها. آمل، فقط، أن يشعر قرائي بصعوبة ترك الرواية دون الرغبة بالعودة لقراءتها مجدداً.
– في روايتك الجديدة (قشرة الجوزة) كيف اخترت صوت الراوي؟ و ما الذي جعلك تحاكي “هاملت“؟
– لقد أتى ذلك من اتجاهات مختلفة. فبينما كنت أحضر اجتماعاً مملاً، تبادر إلى ذهني السطر الأول من الرواية، والذي يقول: «هأنذا، أقف رأساً على عقب داخل جسد امرأة « حيث قمت بتدوين بعض الملاحظات. ثم غادرت ذلك الاجتماع.

– حين يتعلق الأمر بكتابة الرواية، غالباً ما تتسم البدايات بالبطء. فأية فكرة يمكن أن تبدو فكرة رائعة في يوم بعينه، بيد أنها قد تصبح بخلاف ذلك، بمجرد مضي شهرين من الزمن .
–  في تلك الأثناء، كنت أشاهد مسرحية (هاملت) إذ بدأت الفكرتان بالتناغم مع أفكاري. وبمجرد أن يأخذ صوت الراوي مكانه المناسب، كما هو حال الخطة التي رسمتها لسير أحداث الرواية، والتي تركز على حث القارئ على التخلي عن شكه، فإن كل الأحداث، بعد ذلك، تسير وفقاً لتسلسلها المنطقي .
تكمن الصعوبة الحقيقية في بداية الرواية. أي في اختيار الأسلوب المتبع في قص الحكاية، على وجه التحديد. وبما أن القصة كانت مرحة، فلا عجب أن أختار أسلوباً مرحاً لسرد أحداثها بلغة شعرية تغلب عليها قافية التفعيلة الخماسية التي كانت بمثابة اعتراف بكون (شكسبير) المصدر الأول لإلهامنا. فلغتنا متشبعة بكلمات ذلك المبدع. فلم يؤثر بنا (شكسبير) بآلاف الأمثلة، والشخوص، والأفكار التي تبناها فقط، بل وصل تأثير كلماته إلى أولئك الذين يرددونها دون معرفتهم به. فحين يرددون العبارة التالية: “كن كل شيء، أو لا شيء” هم يقتبسون عبارة (شكسبير) الشهيرة دون علمهم بذلك. (شكسبير) هو المصدر الذي أعاود اللجوء إليه باستمرار. وهذا نوع من الإجلال للخط الذي سار عليه ذلك المبدع.

– كيف يبدو يوم الكاتب (إيان ماك إيوان)؟ وهل بإمكانك الخروج دون أن يتعرف عليك المارة؟ وكيف يتصرف الناس عند معرفة هويتك؟
– نعيش أنا وزوجتي في الريف، حيث لا يوجد أحد. إن شهرة الأديب تختلف كل الاختلاف عن شهرة مشاهير الغناء، أو الرياضة، أو التلفاز. فلن تصادف معجباً يحاول أن يشد قميصك، على سبيل المثال. فالقارئ الشغوف بنتاجي الأدبي، إن حدث وتعرف علي، فربما لن يحرك ساكناً. ولعله سيكتفي بالاقتراب مني بكل احترام، وبالقول: “تعجبني تلك الرواية” ومن ثم ينصرف بكل هدوء. حياتي تسير كحياة باقي البشر. قد يختلس المارة النظر إلي في الشارع أحياناً. بيد أن ذلك لا يحدث سوى في الفترات التي أصدر فيها رواية جديدة.

–  ما الذي تعنيه لك فرصة اللقاء بقرائك، والتفاعل معهم؟
– عندما تلتقي بقرائك، فإنك تقابل مجموعة من الناس انتقيتها بنفسك. حذارِ أن يخطر ببالك أن العالم كله يقرأ كتاباتك، وأن الجميع معجب بك. إن لقاء القراء تجربة ممتعة للغاية. لقد صادفت قراءً بأعمار متفاوتة، بدءًا من عمر السابعة عشر، وحتى عمر الثمانين سنة، أو حتى التسعين، ممن قرأوا أعمالي طوال حياتهم. حين زرت حديقة ذات يوم، برفقة ابني، في وسط لندن – حيث كنا نسكن – كان الناس يتنزهون في وقت الغداء. جلبت رزمة من الكتب التي كان من بينها كتبي، وأخرى لكتاب آخرين. ثم قمت بتوزيعها على المارة. كانت كل امرأة تطلب مني ثلاث كتب، في حين كان الرجال يردون بالقول: “لا، شكراً لك” أيقنت حينها صدق شعوري بأن «فن الرواية سيؤول للتلاشي، لولا جمهوره من القارئات».


الكاتب : أجرى الحوار: لاين روزن / ترجمة سعيـد بوخليـط

  

بتاريخ : 01/06/2020