كيف تعتمد لوبان على التفريق بين يهود فرنسا والمسلمين؟

نشرت مجلة «ذا أتلانتك» مقالا للكاتب إيثان كاتز، حول زعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ومواقفها من المسلمين واليهود، ومحاولتها تأليب كل من المجتمعين ضد الآخر. 
ويشير الكاتب إلى أن لوبان أثارت ضجة كبيرة هذا الشهر، عندما أصرت على أن فرنسا غير مسؤولة عن 13 ألف يهودي تم اعتقالهم من الشرطة الفرنسية في يوليو 1942، وإرسالهم إلى أوشويتز، حيث صدمت تصريحاتها تلك الكثير من الناس، فلم يكن ذلك مناقضا لاتفاق المؤرخين فقط، لكنه يتعارض أيضا مع محاولاتها للحصول على أصوات المصوتين اليهود.

 

نشرت مجلة «ذا أتلانتك» مقالا للكاتب إيثان كاتز، حول زعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ومواقفها من المسلمين واليهود، ومحاولتها تأليب كل من المجتمعين ضد الآخر.
ويشير الكاتب إلى أن لوبان أثارت ضجة كبيرة هذا الشهر، عندما أصرت على أن فرنسا غير مسؤولة عن 13 ألف يهودي تم اعتقالهم من الشرطة الفرنسية في يوليو 1942، وإرسالهم إلى أوشويتز، حيث صدمت تصريحاتها تلك الكثير من الناس، فلم يكن ذلك مناقضا لاتفاق المؤرخين فقط، لكنه يتعارض أيضا مع محاولاتها للحصول على أصوات المصوتين اليهود.
ويستدرك كاتز في مقاله بأن «الغريب هو في الواقع ذكرها اليهود دون قرنهم بالمسلمين، فلطالما أوحت هي ومن سبقها في الحزب بأن اليهود والمسلمين مصدر خطر يعيش على هامش الشعب الفرنسي، وفي الوقت ذاته محاولة تأليب كل منهما ضد الآخر».
ويلفت الكاتب إلى أن «لوبان سعت منذ تسلمها قيادة الحزب عام 2011، إلى إعطاء الحزب صورة أفضل، محاولة تحرير الحزب من ظلال والدها، مؤسس الحزب ورئيسه لمدة 40 عاما، بالإضافة إلى أنها حاولت لعب موازنة صعبة، وهي أن تجعل حزبها، الذي طالما ارتبط بالتوجهات الفاشية، وكأنه واحد من الأحزاب الرئيسية التي تؤمن بالقيم الديمقراطية وقيم الجمهورية الفرنسية، والحفاظ في الوقت ذاته على قاعدة الحزب اليمينية المتطرفة».
ويبين كاتز أن «من الأشياء التي تقع في إطار الجهد الأول، هو إصرار لوبان على أنها تتبنى اليهود الفرنسيين، وترفض معاداة السامية، حيث قالت في يونيو 2014: (لا أتوقف عن القول لليهود الفرنسيين.. ليس فقط إن الجبهة الوطنية ليست عدوكم، لكنها دون شك أفضل درع لحمايتكم، إنها تقف إلى جانبكم للدفاع عن حريتنا في الفكر والدين ضد العدو الحقيقي الوحيد المتمثل في الأصولية الإسلامية)».
ويقول الكاتب: «لكن الشكليات لا يمكن أن توصل الشخص بعيدا، فعندما اقترحت لوبان حظر (شعارات التفاخر الدينية) في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2016، ثم في فبراير 2017، فإنها لم تكن تقصد فقط الحجاب الإسلامي، بل أيضا القبعة اليهودية، وعندما سئلت عن القبعة اليهودية ردت بالقول إنها متأكدة بأن اليهود الفرنسيين مستعدون لمثل هذه التضحية الصغيرة للصالح الأكبر، وهو هزيمة الإسلاموية».
ويضيف كاتز: «حديثا اقترحت لوبان أن على المواطنين الفرنسيين الذين يحملون جنسية أخرى غير أوروبية أن يتنازلوا عن واحدة منهما، وهذا بالتأكيد يستهدف المسلمين في فرنسا، حيث يحمل الكثير منهم جنسية دول شمال إفريقية بالإضافة إلى الجنسية الفرنسية، لكن عندما سئلت في المقابلات عن إسرائيل، فإنها قالت إن إسرائيل بالتأكيد ليست دولة أوروبية، أي إنها لن تقبل بفرنسي يحمل الجنسية الإسرائيلية».
ويستدرك الكاتب بأن «نظرة عابرة للتاريخ تبين أن نظرة لوبان الجديدة في الواقع ليست جديدة أبدا، فكما أوضحت في كتابي (ذي بيردنز أوف برذرهود)،  فإن اليمين المتطرف في فرنسا منذ ثلاثينيات القرن الماضي كان يذكر المسلمين واليهود في السياق ذاته، ويبين أنهما يختلفان عن بقية المجتمع، ويسعى في الوقت ذاته للإيقاع بينهما لاعتبارات استراتيجية».
وينوه كاتز إلى أنه «في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ووسط أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية، عادت معاداة السامية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر إلى الواجهة، أما المسلمون فكانوا من المهاجرين الفقراء من الجزائر بشكل رئيسي، وكان لهم أيضا تصنيفهم الخاص بالأجانب الذين يشكلون خطرا على البلد، بالإضافة إلى أن قيادات اليمين المتطرف ظلوا متأثرين بالفكرة التي راجت بين المفكرين العنصريين في أوروبا لعقود، وهي أن هناك قرابة بين المسلمين واليهود، وأنهم كلهم (ساميون)».
ويجد الكاتب أنه «في هذا السياق، فإن التجمع اليميني (كرويكس دي فيو) صاغ نشرة في منتصف الثلاثينيات تشبه كثيرا ما قالته لوبان لليهود في 2014، لكن هنا قال التجمع للمسلمين إن عدوهم ليس الفرنسي بل اليهودي، وبالطريقة ذاتها التي زعمت فيها لوبان بأنها وحزبها غير معادين للمسلمين، فإن قائد التجمع اليميني الكولونيل فرانسوا دي لاروكيو، أصر أمام جمهور يهودي بأنه موجة لاسامية ستكون كارثية بالنسبة لفرنسا، وتم نقد هذين الموقفين المتناقضين في رسم كاريكاتوري عام 1936 شبه فيه لاروكيو بالإله الإغريقي ياونس ذي الوجهين، ويمكن إعادة منتجة الرسم ذاته ليمثل لوبان».
ويذكر كاتز أنه «في مرحلة نظام فيشي بقيادة الديكتاتور المارشال فيليبي بيتين، فرض اليمين المتطرف رؤيته لما يجب أن تكون عليه البلد، ولم يكن فقط الضغط النازي، بل بمبادرة من فيشي تم تصوير اليهود على أنهم هم (الآخر)، وتبع ذلك إبعاد لحوالي ربع اليهود وتم قتلهم، وتنافست حكومة فيشي والنازيون على خطب ود المسلمين، من خلال دعاية معادية للسامية، لكن لم يحقق نجاحا يذكر».
ويورد الكاتب أنه «في السنوات التي تبعت الحرب العالمية الثانية تمت إعادة خلط الأوراق، خاصة أن معاداة السامية هزمت وبدأت التساؤلات حول الاستعمار، وخاضت فرنسا حربا دامت 8 سنوات في منتصف الخمسينيات في الجزائر، هذه الحرب والحرب التي خاضتها إسرائيل جعلتا الكثير من اليمينيين المتطرفين يشعرون بتعاطف مع دولة إسرائيل الناشئة، وزاد هذا الشعور بعد حرب عام 1967، وشعر ما يزيد على المليون من مستوطني الجزائر بالخذلان من قرار الجنرال دي غول مغادرة الجزائر، ورأوا في إسرائيل مثالا على الدفاع عن المدنية ضد العرب الكفار الذين يسعون لغزوها».
ويفيد كاتز بأن «جان-ماري لوبان، الذي أسس الحزب (الجبهة الوطنية) عام 1972، من حزبيي الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وحصل حزبه على دعم الكثير من مؤيدي نظام فيشي، كان تركيزه حول المخاطر الناجمة عن الهجرة، خاصة المهاجرين المسلمين، وتصوير موقفه هذا على أنه دفاع عن الغرب» .
ويقول الكاتب: «وحتى لا نظن أن الجبهة الوطنية في 2017 تحولت عن (المسألة اليهودية) إلى مسألة المسلمين، فإن لوبان تذكرنا دائما أن على الحزب أن يبقي المجتمعين في الهدف»..
ويخلص كاتز إلى القول إن «تكرار لوبان لذكر اليهود في الوقت الذي تذكر فيه المسلمين، يحقق لها ثلاثة أهداف: الأول هو أنها تطمئن جمهورها التقليدي، الذي يتميز بمعاداة السامية، بأنه لم يتغير شيء، وثانيا بتضمين اليهود فإنها تقول إن المسألة ليست عداء للمسلمين، وأخيرا فهي تطالب بالتضحية من الجميع لمنع وقوع ما تتنبأ به من غزو الإسلاميين لفرنسا الأوروبية المسيحية» .

وصفة لوبين لتحديد العدو

دعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبين (اليمين المتطرف) في فرنسا إلى «الابتعاد عن السعودية وقطر» والاقتراب من روسيا وإيران إذا ما أرادت أن تبدي جدية في محاربة تنظيم الدولة.
وقالت أمام النواب الأوروبيين في ستراسبورغ، الأربعاء، خلال نقاش خصص لعواقب الهجمات الأخيرة في باريس. إنه بعد الاعتداءات التي وقعت في باريس الجمعة 13 نوفمبر الماضي، من الضروري «تحديد العدو» أي «التطرف الإسلامي»، وعلى فرنسا تغيير تحالفاتها كأولوية في علاقاتها الخارجية.
وأضافت رئيسة الجبهة الوطنية أن «تحديد العدو يفرض إعادة النظر في صداقات عدة على الصعيد الدولي، ويرغم على طرح سؤال عما إذا كان في إمكاننا أن نبقى حلفاء للسعودية وقطر، وطرح تساؤلات حول موقف تركيا من الأصولية الإسلامية».
وكانت مارين قد دعت قبل أيام إلى طرد المهاجرين، حيث طالبت بوقف فوري لاستقبال المهاجرين، بحسب ما نقله موقع «لوبسيرفاتور» الفرنسي.
وأضافت لوبين في بلاغ لحزبها: «مهاجر واحد على الأقل تواجد بين الإرهابيين، على فرنسا منع الفرنسيين من دخول أراضيها».
وكتبت مارين لوبين على حسابها الرسمي بـ»فيسبوك»: «الإرهاب الإسلامي: غضب بارد يملأ قلوبنا»، وهو ما جدد دعم الكثير من المعجبين بصفحتها لها، إذ طالبوا بانتخابها رئيسة لفرنسا في الانتخابات الرئاسية القادمة، لا سيما وأنها طالبت مند اندلاع أزمة اللاجئين السوريين، بإغلاق الحدود الفرنسية، وفق تعبيرات مسانديها.
ويأتي تصريح زعيمة حزب الجبهة الوطنية معروف بمواقفه المتطرفة وشعاراته المناهضة للمسلمين، بعد أياما من الهجمات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس.

الجلهة الوطنية

كان حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف الأحد قد حل في الطليعة في ست مناطق على الأقل من أصل 13 في الدورة الأولى من انتخابات المناطق الفرنسية، جامعا نسبة أصوات قياسية تتراوح بين 27,2 و30,8%، حسب تقديرات مؤسسات استطلاع للرأي.
وأشادت رئيسة الحزب مارين لوبين بـ»النتيجة الرائعة» التي حققها حزبها، مؤكدة أنها قادرة على «تحقيق الوحدة الوطنية» في البلاد إثر هذا النجاح التاريخي لحزبها. وأضافت: «لدينا القدرة على تحقيق الوحدة الوطنية».
وسارع زعيم المعارضة اليمينية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى رفض أي تحالف مع اليسار في الدورة الثانية من هذه الانتخابات الأحد المقبل لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف، ما قد يزيد من فرص حزب الجبهة الوطنية في تعزيز نتائجه في الدورة الثانية.
ورفض ساركوزي أي «اندماج» مع الاشتراكيين وأي «سحب» للوائح حزبه (الجمهوريون) الذي قال إنه يمثل «البديل الوحيد الممكن» في المناطق التي قد يفوز فيها حزب الجبهة الوطنية.
وأفادت مؤسسات استطلاع الرأي أن الجبهة الوطنية تقدمت بفارق كبير عن المعارضة اليمينية والحزب الاشتراكي الحاكم في ثلاث مناطق رئيسية، في الشمال في منطقة (نور-با-دي -كاليه-بيكاردي) حيث ترشحت رئيسة الجبهة مارين لوبين، وفي الجنوب الشرقي في منطقة بروفانس-الب-كوت-دازور حيث تقدمت ابنة أختها ماريون ماريشال لوبين، وفي الشرق في منطقة ألزاس-شامباني-أردان-لوران، حيث تقدم فلوريان فيليبو احد منظري الحزب.
وحصلت مارين لوبين في منطقتها على ما بين 40,3 و43% من الأصوات متقدمة على المعارضة اليمينية (24 إلى 25%) وعلى الاشتراكيين (18 إلى 18,4%) حسب تقديرات استطلاعات الرأي.
وجاءت نتائج ماريون ماريشال لوبين أفضل من نتائج خالتها رئيسة الحزب إذ جمعت ما بين 41,2 و41,9% في حين لم يجمع اليمين في منطقة ماريون سوى ما بين 24 و26%، والحزب الاشتراكي بين 15,8 و18,1%.
ودعي 44,6 مليون ناخب فرنسي مسجل للمشاركة في الانتخابات على أن تجري دورة ثانية في الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر.
وبلغت نسبة المشاركة نحو خمسين بالمئة أي أكثر من نسبة المشاركة التي سجلت في آخر انتخابات مناطق عام 2010.
وقال فلوريان فيليبو نائب رئيس الجبهة الوطنية: «يبدو أننا الحزب الأول في فرنسا بفارق كبير يبلغ نقاطا عدة على تحالف الجمهوريين مع الوسطيين».
وكان الحزب الاشتراكي الحاكم يسيطر حتى الآن على كامل المناطق تقريبا. ولا يبدو أنه سيكون قادرا على الحفاظ على أكثر من ثلاث أو أربع مناطق في الدورة الثانية.
وتوجه الناخبون الفرنسيون الذين لا يزالون تحت وقع صدمة اعتداءات باريس، الأحد، إلى مكاتب الاقتراع للمشاركة في انتخابات المناطق التي تشكل الاختبار الأخير قبل الاقتراع الرئاسي في 2017، وسط توقعات بتمكن اليمين المتطرف من تحقيق تقدم كبير.
وخاطب رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الـ 44,6 مليون ناخب مسجل قائلا: «ليس عليكم فعل أي شيء سوى التصويت»، معتبرا أن «ورقة التصويت سلاح» في مواجهة الإرهاب.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع الحزب الاشتراكي الحاكم في نوايا التصويت. وتمنحه الاستطلاعات ما بين 22 و23 بالمئة من الأصوات مقابل نوايا تصويت لليمين واليمين المتطرف اللذين تحتدم المنافسة بينهما بين 27 و30 بالمئة.
وتنظم الجولة الثانية من الاقتراع الأحد المقبل.
وبعد ثلاثة أسابيع من أسوأ اعتداءات شهدتها فرنسا (130 قتيلا ومئات الجرحى)، يجري الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة ودوريات لشرطيين وجنود مسلحين حول مراكز التصويت خصوصا في العاصمة، في ظل حالة الطوارئ.
وفي الحي الباريسي الذي شهد هجمات الإسلاميين المتطرفين، أبدى العديد من السكان رغبتهم في التصويت «لأن الحياة مستمرة».
وقال لوران دوبان (36 عاما): «إنه اقتراع لم يتم تفسيره جيدا» حيث «لا يعرف الناس جيدا لماذا يصوتون».
وتبقى صلاحيات مجالس المناطق مجهولة عند الكثيرين في فرنسا، وهي تراوح من إدارة الثانويات إلى مساعدة المؤسسات والإشراف على النقل العام.
وأدلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بصوته صباح الأحد في «تول»، المدينة الواقعة في وسط فرنسا، وكان رئيس بلديتها لفترة طويلة. وأدلى نيكولا ساركوزي زعيم حزب «الجمهوريين» اليميني المعارض بصوته في الدائرة 16 بباريس. ولم يدل أي منهما بتصريح.
وكان من المتوقع أن يفوز حزب «الجمهوريين» في أغلب المناطق، لكن نوايا التصويت له تراجعت بعد الاعتداءات واتجهت إلى اليمين المتطرف.
وبعد اختراقات كبيرة حققها في الانتخابات البلدية ثم الأوروبية، يبدو حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف قادرا على الفوز في منطقتين أو ثلاث من أصل 13 منطقة في المجموع، ما سيكون أمرا غير مسبوق في البلاد.
وتبدو زعيمة الحزب مارين لوبن الأوفر حظا للفوز في الشمال (نور با دي كاليه بيكاردي) حيث دعت «الوطنيين» إلى «التعبئة».
كما تتصدر ابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبين استطلاعات الرأي في منطقة بروفانس ألب-كوت دازور.

دورة ثانية محفوفة بالمخاطر

وقد تضاعفت الدعوات إلى «التعبئة العامة» في وسائل الإعلام والأوساط الاقتصادية والنقابات لإقناع الفرنسيين بقطع الطريق على الجبهة الوطنية.
وبلغت نسبة المشاركة في الساعة  16,00 ت غ 43,01 بالمئة بزيادة 4 % عن النسبة المسجلة في التوقيت ذاته في 2010 العام الذي شهد مشاركة فرنسي من اثنين في التصويت في انتخابات المناطق.
وإثر اعتداءات باريس، تعزز الخطاب القومي والمعادي للهجرة لحزب الجبهة الوطنية بعد الكشف عن أن اثنين من المهاجمين تسللا إلى فرنسا مع مهاجرين قدموا من اليونان.
وتضع آخر استطلاعات الرأي الجبهة الوطنية في الطليعة في ست مناطق، وتوقعت أن يتمكن هذا الحزب من الانتقال إلى الدورة الثانية تقريبا في كل المناطق.
في المقابل، لم يتمكن الاشتراكيون الحاكمون من الاستفادة حتى الآن من ارتفاع شعبية الرئيس فرنسوا هولاند الذي لقيت تحركاته على صعيد الأمن تأييدا واسعا من الرأي العام.
وتشير الاستطلاعات إلى أن الحزب الاشتراكي، الذي يتصدر كل المناطق منذ انتخابات 2010 باستثناء منطقة واحدة، قد يحتفظ بثلاث أو أربع مناطق. ويعاني الحزب الحاكم من إخفاق السلطة التنفيذية في الحد من البطالة التي ارتفعت إلى 10,2 بالمئة من السكان في تشرين الأول/أكتوبر، وهو أعلى مستوى لها منذ 1997.
كما يعاني من الضعف العام لليسار الذي يتقدم متفرقا في الدورة الأولى، لكنه يأمل في التجمع في الدورة الثانية.
وعلاوة على نسبة المشاركة، فإن نتيجة الاقتراع ستكون رهينة موقف الحزب الاشتراكي والجمهوريين في الجولة الثانية، والتحالفات التي ستعقد لقطع الطريق على الجبهة الوطنية.
وتفتح مكاتب الاقتراع أبوابها حتى الساعة 17,00 ت غ في معظم المدن وفي بعض المدن الكبرى حتى الساعة 19,00 ت غ.
وهذه الانتخابات هي الأخيرة المقررة في فرنسا قبل الاقتراع الرئاسي الذي سيجرى في 2017، وتشير استطلاعات الرأي إلى احتمال تقدم مارين لوبين في الدورة الأولى منه.

اليمين المتطرف

وقال المحلل السياسي امحمد مالكي «تَخترقُ المشهدَ السياسي الفرنسي توتراتٌ بالغةَ الأهمية بخصوص ما آلت إليه الحياة السياسية، والمستقبل الذي ينتظر مُكوناتها الحزبية،  بعد أن غدا الفرنسيون على أبواب الانتخابات الرئاسية، المقرر تنظيمها شهري أبريل ومايو المقبلين ) 2017(. أما  مصدرُ هذه  التوترات  فيكمن في التصاعد  المتزايد  لليمين المتطرف، أي  الجبهة  الوطنية»، بزعامة « مارين لوبين  Marine Le Pen، التي خلفت والدها، وتجهدُ منذ سنوات من أجل  الوصول بمناضلي حزبها وأنصارهم إلى « قصر الإليزيه». ففي آخر استطلاعات الرأي حصلت رئيسة « الجبهة الوطنية» على أكثر من 27% من أصوات المُقترِعين،  متقدمةً بشكل واضح عن كل مرشحي اليمين واليسار. والحقيقة أن منذ الانتخاب الرئاسي لعام 2012 ، ومُنحنى « اليمين المتطرف « في تصاعد مستمر، تأكد ذلك في الانتخابات البلدية، والجهوية، وفي الانتخابات الأوروبية، حيث  ظفرت « الجبهة الوطنية «، بشكل لافِت للانتباه، بما يفوق 24 مقعداً في البرلمان الأوروبي عام 2014».
وأضاف مالكي: «لذلك، تتجه توقعات الطبقة السياسية الفرنسية إلى الجزم بأن « اليمين المتطرف» سيكون له وقع عميق على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة، وأن فوزَه في الدور الأول أصبح من قبيل تحصيل حاصل، ما شكل ويشكل قلقاً للفرنسيين هو التساؤل عما سيُسفر عنه الدور الثاني، وكيف سيتصرف اليمين واليسار معا  حُيال الزحف المحقق ل « الجبهة الوطنية» في اتجاه « قصر الإليزيه»؟. ثم هل بإمكان أحزاب اليمين واليسار إعادة تجميع قوتها، ورفع قُدراتها، لاجتياز الاستحقاق الرئاسي المقبل دون فتح المجال لولوج « النزعة الشعبوية المتطرفة»  مؤسسةَ الرئاسة ، التي إن تحققت ستشكل واقعة لم يعرفها التاريخ السياسي الفرنسي على الإطلاق؟».
وقال المحلل: «أتساءل مع القارئ الكريم عن الحيثيات الدّاعِمة لإمكانية تصّدر « اليمين المتطرف» نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا. فمن جهة، هناك مشهد حزبي موسوم بالهشاشة والانقسام، سواء في بيت اليمين ووسط اليمين، أو في صفّ الاشتراكيين واليسار عامة. حسبُنا الإشارة إلى اتهامات الفساد التي أضعفت عائلة اليمين، وأرهقت مرشحها « فرانسوا فيون»، الذي لا يُعرف على وجه اليقين مدى قدرته على الاستمرار في الحملة الانتخابية، وما هي حظوظ فوزه في حالة عدم انسحابه من السباق. ومن جهة ثانية، يقدم الاشتراكيون واليسار عموماً صورة غير مُشجعة على التفاؤل بنجاحهم في الاقتراع الرئاسي القادم، حيث يتنافس ثلاثة من قادتهم، عزَّ عليهم حتى الآن  التقدم بشكل فعال وواضح في مشروع توحيد عائلتهم، والتوافق على الائتلاف، القادر على رصِّ صفهم، وضمان فوزهم في الرئاسيات المقبلة. لذلك، لا تبدو الصورة، كما أسلفنا الإشارة، واضحة بما يكفي لتوقع رجحان الكفة لغير صالح « اليمين المتطرف».
ومع أن أوضاع القوى المنافسة لليمين المتطرف، من يمين ووسط يمين ويسار، ليست مُشجعةً،    وحالُها على قدر كبير من الضعف  بما يخدم « الجبهة الوطنية»، يقول مالكي، فإن ثمة سياقاً أوروبياً ودولياً قد يمثل عامل دعم  لقادة اليمين المتطرف في  سباقهم الرئاسي المقبل. ففي فرنسا، سئم المواطنون خطاب النخب السياسية التقليدية، و لم يعودوا مكترثين بوعودهم الانتخابية، بعدما خبروا فشلهم في إعادة المناعة المطلوبة  للاقتصاد ، والشغل، والتعليم، والشروط العامة للعيش، سواء على عهد رئيس « الحزب الجمهوري» « نيكولا ساركوزي») 2007 ـ 2012( ، أو خلال حكم الاشتراكي  « فرانسوا هولاند» ) 2012 ـ  2017( . لذلك، يُتوقع أن يستفيد « اليمين المتطرف» من جزء من القاعدة الانتخابية الغاضِبة سواء على مرشح اليمين ووسط اليمين، أو على مرشح  الاشتراكيين واليسار.ثم إن السياق الأوروبي والدولي يشهد بدوره  تصاعدا  ل « الشعبوية» Populisme  بكافة صورها وألوانها، سواء في ما حصل من انتخابات في أقطار أوروبية أو ما هو قادم  في القريب من الشهور والأعوام. ثم إن صعود المرشح الجمهوري « دونالد ترامب» في أكبر دولة في العالم، أي الولايات المتحدة، أعطى لنزعة « الشعبوية» دفعة جديدة، ستستفيد منها، دون شك، الكثير من الأحزاب والتنظيمات ذات التوجه العَقَدي المشابه.
لا تكمن قوة « اليمين المتطرف» الفرنسي في قُدرته على الإقناع، أو الدفاع عن برنامج انتخابي جذاب وقابل للتطبيق، بقدر ما تتجسد في استغلال فجوات خصومه السياسيين، واستثمار ضغط الأحداث والوقائع الحاصلة على الأرض، وفي صدارتها تلك الخاصة بالأمن والأمان والاستقرار العام. ففي فرنسا على سبيل المثال، فشل اليمين واليسار في الحدّ من مسلسل التفقير الناجم عن الانخراط في العولمة، وبرامجها الاقتصادية والمالية والتجارية، حيث ظلت معدلات البطالة مرتفعة وجاثمة على فئات واسعة من الشعب الفرنسي، كما لم تتحقق العدالة الجبائية، وضعفت مكانة الطبقة الوسطى، وتراجعت قُدراتها المعيشية، كما أصيبت الفئات الصغيرة بضربات في أوضاعها المهنية والمعيشية، كما هو حال « المزارعين»، وأصحاب وحدات الإنتاج الصغيرة..ناهيك عن واقع التهميش وضعف الإدماج الاجتماعي في قلب الحواضر الفرنسية وضواحيها.. وكلها معطيات واقعية شكلت وقوداً لدعم تصاعد خطاب اليمين المتطرف. وللتدليل على منهجية « اليمين المتطرف»  الفرنسي في استغلال كل فجوات سياقه الداخلي والجهوي والدولي،  نشير إلى ضرب « الجبهة الوطنية» على وَتَر  التطرف والإرهاب بكل أشكاله، والدعوة إلى نوع من  الانطواء على الذات، وإغلاق الحدود أمام القادمين من كل الآفاق، مع الحرص على تبديد قيمة التعدد الثقافي والإثني الذي يسم الهوية الفرنسية.
ومع ذلك، هناك زحف واضح لليمين المتطرف في اتجاه أهم مؤسسة من مؤسسات السيادة الفرنسية، أي قصر الإليزيه.. هل سينجح في ذلك؟. لا تبدو  النتيجة مؤكدة وحتمية، لأن الفرنسيين وعلى الرغم من ضعفهم السياسي الراهن، وانقسامهم ، ما زال « اليمين المتطرف» خطاً أحمر بالنسبة إليهم، وكما فعلوا مع « جاك شيراك « حين التفوا حوله ودعموه  للفوز ضد « لوبين» الأب، سيقومون بالسلوك نفسه مع خليفته « مارين لوبين»، حيث سيتضامنون لقطع الطريق أمامها.. هذه هي فرنسا العميقة.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 24/04/2017

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *