كيف يرى العالم الأزرق الحب في السينما؟

كيف تشاهد فنانة أو نجمة سينمائية فيلما يؤرخ لفترة جامحة من حياتها وذلك بمنزلها رفقة ابنها الطبيب أو المهندس؟ ما هو شعورها بعد تقدم العمر، وهي تشاهد نفسها تتقلب بين أحضان نجم سينمائي ذات نزوة خالدة؟ وهل يتفاقم هذا الشعور سلبيا عندما تتكرر نفس مشاهد الفنانة مع وجوه نجوم سينمائية مختلفة ومتعددة؟ متى يمكن اعتبار القبلة العميقة والتفاعل الحميم للفنان أو الفنانة في مشاهد سينمائية أمام الجمهور الواسع جرما أخلاقيا ؟ كيف نصور مشاعر المحيط الأسري لنجمة إغراء في السينما العربية؟ ما سيكولوجيا هؤلاء خاصة من أبناء وحفدة نجوم السينما والفن الذين اشتهروا بأفلام الإثارة الجنسية في شبابهم اليوم في المؤسسات التعليمية ذات الطابع المحافظ؟ هل ترجمة الحب إلى مشاهد ساخنة مثيرة من قبل بعض المخرجين والمخرجات وتقديمها للجمهور قيمة نبيلة؟ إلى أي حد يمكن لمشاهد الإغراء الفاضحة واللقطات الملهبة أن تضر بحياة الفنان وبالتالي هل يؤثر”سيناريو السرير”على روبيرتوار الفنانة ومستقبلها فيما يتعلق ببناء أسرة يسودها التوازن النفسي والاجتماعي من منظور أخلاقي؟ إلى أي حد يصبح مشهد “عري فاضح ومشهد ساخن في شريط سينمائي مؤشرا قويا على فقدان الفنانة أو الفنان احترام أبنائه ومحيطه العائلي وحب جمهوره والناس؟ إلى أي حد يمكن لدور سينمائي داعر أن يفكك أسرة؟ هل نعثر في السينما المصرية اليوم على فنانات وفنانين خسروا احترام الناس بسبب مشاهد.. ولحظات جنسية عابرة وأبدية في غرفة حمراء أو ليلة فنية مصورة أو قبلات عاشقة؟ هل كل العلاقات الحميمة في السينما يمكن ترجمتها تجريبا إلى حياة أسرية حقيقية ناجحة؟ كم فيلم في السينما المصرية كان لحظة حقيقية لبناء أسرة؟ وكم لتفككها ولتدميرها؟ من ناحية ثانية هل يتقاضى الفنان ة أجورا خاصة مقابل هذا الانزياح العاطفي؟ إلى أي حد يمكن لإغراء الشهرة أن يصنع الانحراف؟ أخيرا هل يوفر التلفزيون المغربي بجميع قنواته مجتمعة برامج حية مباشرة تنبش في مثل هذه القضايا وتستمزج آراء الناس فيها وتستخلص العبر؟
أسئلة وغيرها كثير.. طرحتها الجريدة لتستقي آراء الناس وكيف يتم تصريفها في الفضاء الأزرق ضمن عولمة لا تعترف بالحظر والمنع، ووسط حرية تعبيربلا ضفاف، لكن الذهول سرعان ما سيتعاظم، فمواقف الناس العالم الأزرق تتفاوت، تتناقض، تتنافر، تتأرجح رغم أنها من مصادر واحدة، لكنها في نهاية المطاف تقدم صورة مهزوزة ومرتبكة عن واقع قيمي قواسمه مشتركة، وقيم نبيلة مفروض الامتثال لمضمونها، والانضباط لمنطوقها الحكمي. فأن تستمزج الناس بشأن القيم الإنسانية النبيلة في كل الشرائع والأديان والتي يقرون أنها توفر الحد الأدنى الكافي لتوازن نفسي وحياة سالمة آمنة ومطمئنة لبني البشر. وتقف عند سموها لدى البعض وتدنيها لدى الجانب الآخر نظريا فذلك لا يعني سوى لحظة الانهيار وأفول الأمل .
قيم بدت لدى البعض بديهية، ولدى البعض الآخر منطقية، وعلى الجانب الآخر ثمة إقرار بعقلانية هذه المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة التي يتقاسمها الإنسان في أفق تحقيق الحياة والحرية والأمن لكل فرد، لكن يبدو أن انفجارا وقع في هذا الجسم القيمي وأن والأبحاث جارية اليوم في محيط الانفجار لتجميع الشظايا وتحليل الرماد لمعرفة أسباب الانفجار وملابساته وظروف حدوثه والأطراف التي لها مصلحة في ذلك .
الأكاديمي عبد الحق الرايس ينسجم عميقا مع موضوع الجدل، فيكتب عن الحب بوصفه عاطفة نبيلة تسمو بالإنسان ويقدمه كاستحضار راق في الأشرطة والمسلسلات الرومانسية، أيام كان لها وقعها في تهذيب الغريزة، والارتقاء بالسلوك الإنساني. حاضراً وباسم الواقعية وانسياقاً مع الرغبة في الإثارة، يضيف ذ الرايس، وضمان رفع نسبة المشاهدة، وما قد توفره من ربح سريع، استُبيح كل شيء، فخُدِشالحياء، وانتفتالحشمة، وابتُذِلت العاطفة، وصار الإسفافُ في القول والفعل سيد الميدان. ويخلص رئيس المنتدى الوطني للمبادرات البيئية متسائلا “ما ذَا كانت النتيجة؟اجتراء على الخيانة والاغتصاب، وترخيص لرابطة الزواج، إلى حد الاحتفال بالطلاق ولو أن المسؤولين عن الإعلام جربوا لسنة الكف عن بث المسلسلات المدبلجة، وأشرطة الإباحية والابتذال، وعوضوها بإحياء عهد الرومانسية، والمسلسلات التاريخية وسير العظماء ورواد العلم وصانعي البطولات والأمجاد.
مبتسما يقول ذ مادة التربية الإسلامية “نعم قد يكون حب الفن بصورة جنونية سببا حقيقيا في افتقاد نجوم السينما والتلفزيون حب الناس وتعاطف الجمهور، وفي أحيان كثيرة، قد يحدث أن تكون بعض الأدوار السينمائية ذات الطابع الجنسي التي يقدمها هذا الفنان أو تلك الفنانة نقطة تحول في تغيير نظرة الوسط الأسري والأبناء إليهما؟ وهذا ما يسميه الفقهاء بتحصيل الحاصل ”
لكن ناشطا فايسبوكيا سيقاطعه معتبرا “الرغبة في الشهرة من خلال إظهار المفاتن حافز قوي يشجع على حب الدور الإباحي والتفاعل معه دون إدراك للعواقب؟ والنتيجة أمامنا ..مجتمع متفكك الأوصال وبلا هدف أخلاقي نبيل يسعى إليه ..”
ذ عثمان حطربوش باحث في سلك الدكتوراه بجامعة فاس يعتبر الأدوار الإباحية التي يتقمصها الفنانون والفنانات في بعض الوضعيات التمثيلية، ظاهرة تواصلية لا تزال تناقش التمثيل عنصرا من عناصر التنشئة الاجتماعية من جهة، ووسيطا لتعرية الواقع الاجتماعي قصد فهمه وإدراك نسق السلوك الاجتماعي من جهة أخرى”ويزيد محللا أن لهذه الواقعة المهنية”سؤال يناقض اختيارات الفنان مع مشروعه التربوي الأسري” وأن ذلك جاء ليبين برأيه أن الفنان يجسد الحياة الاجتماعية في شتى مناحيها، ولكي يتم تجنب الإفراط في الأحكام المسبقة، فإن فعل تمثيل وضعيات إباحية على سبيل المثال يعد مناسبة للتعريف بالحقيقة الاجتماعية بالأسلوب المهني الفني، بحياد تام عن تلبية الممثل لرغباته النزوية. ويخلص الباحث في تحليله معتبرا الفعل الفني كباقي المهن، تتحكم فيه مواثيق السلوك، حيث يلتزم الممثل في هذه الحالة بالكشف عن طابوهات.. وتقريب تلك العلائق العاطفية التي ترتب نتائج اجتماعية بشكل يساعد الأجيال على فهم بعض المسببات الخفية للرابط الاجتماعي، مضيفا أن الفنان مثل الأستاذ أو الفقيه أوكباقي عناصر التنشئة الاجتماعية، يتوفر على مجال ديونطولوجي تمليه عليه مهنيته لتمرير المعرفة، وتلك الأساليب التربوية الأخرى التي تفتقدها مؤسسات التربية”.
أما الأستاذة شيرين زكي من مصر الشقيقة فتدلي بدلوها قائلة “نفس الأسئلة خطرت ببالي”وأكدت رأيها في الحوار قائلة ” إنها توصلت إلى إجابة قد تكون صائبة، وهى أن هؤلاء الفنانين ليس لديهم رواسخ أخلاقية أو قيم إنسانيه مثل تلك التي قد يؤمن بها غالبية الناس. فهم مختلفون، ولذلك لن يشغل بالهم كثيرا ما قد يعتبره الآخرون خرقا للأخلاق. حتى أبناؤهم- تضيف ذة شيرين- وفي كثير من الأحيان يكونوا فخورين بهم وبمسيرتهم الفنية الحافلة، وكثيرا ما ينتهجون نفس النهج.”
الصحفي ومديرة جريدة بفاس محمد بوهلال، يرى أن هذه الأسئلة في الصميم، لكن ما أثار انتباهه مؤخرا، وهو يشاهد برنامجا فنيا، أهل الفن أدارته الفنانة فيفي عبده في أحد القنوات المصرية استضافت فيه الراقصة دينا والفنان سعيد الصغير والمطرب محمد عباس، وقد تم طرح مجموعة من الأسئلة على دينا وسعيد ومن بينها العلاقة بين أبنائهم وشعور هؤلاء نحوهم، سيما وأن نجل دينا شاب عشريني يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أكد سعيد أن نجلته ولجت التعليم الثانوي وابنه يدرس في الجامعة، وأكد كل من سعيد الصغير ودينا أن علاقتهما بأبنائهم علاقة جيدة جدا وأن أبناءهم يفتخرون بهم كفنانين، وأن الفن رسالة سامية تقدم للشعب المصري.”
ذة لطيفة دبيش، من جهتها كمهتمة بالشأن التواصلي، ترى أن الفن السينمائي هواية مارسها مجموعة من الفنانين بكل تلويناتهم” نحن استمتعنا صراحة مع الفن المصري في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ولازلت إلى يومنا هذا أعود للفرجة في السينما الكلاسيكية المصرية، فهناك من الفنانين كانوا ولازالوا في القمة رغم كل ما ذكرت، فالبعض يعتبر ما قام به دور سينمائي وانتهى، والبعض الآخر أتركه يقول ما يشاء وفي النهاية يبقى فن…”
زميلنا أحمد يونسو من سوريا يتحدث تفاعلا مع الأسئلة قائلا “الفنون بشكل عام تلعب دوراّ مهما في تغيير طباع وسلوك الناس”. ويستشهد ذ يونسو بمقولة لأحد المفكرين”أترك “بتسكين الكاف” لي كتابة ونشر فنون الشعوب، ولا آبالي بمن يشرع لها الدساتير والقوانين”. ولكن لكل ظاهرة نقيضها، يضيف الناشط التواصلي وعضو تحرير مجلة الفلسفة والثقافة الشاملة، “الفنون المعاصرة بما فيها السينما والمسرح تتحرك بمحورين القديم بقيمه وأخلاقه، والجديد وكذلك المجتمع في باريس، هناك الحي اللاتيني ونوادي الرعاة، وهناك كنائس تغص بروادها وبعض الأحياء شاهدتها تعيش سلوكيات محافظة وروتينية تشعر بأنك تعيش في الشوارع والحارات الشعبية في الدارالبيضاء أو دمشق أو القاهرة…”
ويقتحم النقاش الدائر متواصل فايسبوكي ويعبر عن رأيه بنبرة ساخرة “هناك أيضاً أدوار اغتصاب، وترى الزوج يتابع الفيلم وزوجته وتؤدي دور المغتصبة، وهو في غاية السرور. أو الابن وأمه تؤدي نفس الدور أو الأب وهو يتابع دور ابنته أو الأخ.. وكلهم يفتخرون بالدور الذي يعتبرون أحسن دور في الفيلم. ” ويختم المتدخل رأيه في غضب”يكفي هذا.”
ويعتبر الصحفي عبد الإله بسكمار ذ الثانوي التأهيلي بتازة قائلا “الأمر طبيعيا وينسجم مع التمثلات السيكو حضارية للمجتمع بقوله “غالبا يعتبر الفنانون (خاصة في الغرب) اللقطات الشبقية مشاهد فيلمية وسينمائية عادية مثل باقي المشاهد الأخرى، هذا ما أفهمه على الأقل من طريقة اشتغالهم وأداء المخرج وطبيعة السيناريو ثم سلوكهم في الحياة اليومية والله أعلم”
لكن عبد الكريم الموخي سيتدخل مقدما نموذجا صارخا للتناقض الحاصل في سلوك بعض الرواد، فقد أورد ما قاله النجم عادل إمام ردا عن سؤال”هل يقبل أن تمثل ابنته أدوار للقطات حميمية ساخنة مثل ما كان يحدث بينه وبين يسرا وآخريات…. فكان جوابه صاعقا” إنه يرفض ذلك مما أثار حفيظة الفنانة يسرا. ”
بين الفن المبني أساسا على الخيال، والواقع الذي نشاهده على الشاشة برزخ لا يبغيان. يقول أحد المشاركين ويضيف آخر”وحينما يختار الفنان أن ينتمي وأن يعيش في ضفة الخيال فلا يمكن أبدا أن يرجع يوما للعيش بين أناس واقعيين.
القبلات والمشاهد الساخنة في السينما مجرد تمثيل لأدوار السيناريو والذي يمثل أدوار السفاح والقاتل المتسلسل قاتل فعلا، الفن لاحدود له،”
يأبى خالد يعقوب الطايح من الأردن أن يضع بصمته بحيث يرى في المسألة انحدار قيمي فيعلق قائلا “هبوط أخلاقي وقتل للقيم الإنسانية واحترام الذات”.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 18/09/2017

أخبار مرتبطة

يخلد 21 أبريل من كل سنة يوم الإعلام العربي بموجب القرار الصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب، وذلك

أكثر من 87 % يرون أن المحتوى التافه يحظى بأكبر قدر من الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي     كشف

يخلد 21 أبريل من كل سنة يوم الإعلام العربي بموجب القرار الصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب، وذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *