كيف يواجه المغاربة فيروس كورونا في الشارع؟

في غمرة تداعيات فيروس كورونا بالمغرب، ارتأينا أن ننزل إلى الشارع لننصت لنبضه وتفاعلاته، لنقف على مدى ودرجات وعي وإدراك المواطنين المغاربة لخطورة الفيروس، وسبل تعاملهم.
كان أول سؤالنا لطائفة من الناس، هو:

 

آش تتْعرف على كورونا؟

كانت مجموعة من الإجابات نجملها في أن هذا الفيروس، معدٍ، وتتجلى إصابته في ظهور حرارة فوق 37 درجة وعطس وسعال وضيق في التنفس وآلام في الأعضاء والتهاب رئوي وفشل كلوي، وتظهر في أقل من يومين أو خلال أربعة عشر يوما بعد العدوى، وتؤدي إلى موت محقق، وأن الفيروس ظهر في وقت وجيز وانتقل كالنار في الهشيم، محولا مدنا إلى أشباح، ولذلك اعتبر أخطر الفيروسات التي مرت على البشرية على الإطلاق، ولايضاهيه سوى الطاعون.عطّل الحركة التجارية، ووقّف الحركة الإنتاجية، وأرعب شعوبا وأمما متطورة جدا على المستوى العلمي والتكنولوجي والاجتماعي، ولمّا لم يصل بعدُ إلى مرحلة الوباء الأكثر فتكا وحصدا للأرواح، والتي لن تكون إلا بعد أن تعلن المختبرات الصينية والأمريكية عجزها عن احتوائه.

كيفاش المغاربة تيتْعاملوا
مع كورونا؟

تركز أجوبة عينة من المواطنين على فضل الإعلام بكل أنواعه المسموع والمرئي والمكتوب..في التهدئة من روع المواطنين وتحسيسهم بوقع الفيروس الخطير وتوجيههم نحو سبل التعامل معه. ولقد شكل كورونا في مواقع الاتصال الاجتماعي، من واتساب وتويتر وأنستغرام وواتساب وفايسبوك مادة دسمة.وبالغ بعضها في التهويل والتنكيت والتعليقات المستفزة من أجل حصد أكبر عدد من اللايكات والزيارات، وطبعا لم يكن ممكنا أن تطلق حملات التحسيس من تلك المواقع لولا أن السلطات المعنية في المغرب، لم تُخلِ الساحة، وتتكتم عن المعلومة، وتتعثر في نشرها بدعوى أن الموقف يستدعي الروية في التعامل مع المستجد بكيفية لا تخلق بلبلة ولا تؤثر سلبا على حياة المواطنين.

مواطنون مذعورون

على إثر دخول كورونا المغرب، قام مواطنون باتخاذ إجراءات سريعة، تمثلت في:

سحب الأطفال

سحب بعض المواطنين جراء الخوف من الإصابة بكورونا من المدارس، ومن دور الحضانة، والمسارح، ودور الشبيبة، والمسابح، وقاعات الرياضة..وحدائق الألعاب.

العزوف عن الاختلاط

شرع مواطنون في العزوف عن دخول المحلات التجارية الكبرى والحمامات والأسواق الشعبية والأعراس والمآتم والمواسم والنوادي والملاهي الليلية من حانات وكباريهات ومراقص ومقاهي، بل حتى عن المساجد وزيارة الأهالي والمشافي ودور العجزة.

التهافت على اقتناء المواد المطهرة والمعقمة

تهافت مواطنون بشكل جنوني على اقتناء المواد المطهرة من جافيل والتيد و«ماء قاطع»، وكذا المواد المعطرة للجو والمواد المعقمة، لتعقيم أرضية المنازل والمراحيض والمصاعد وأزرارها ومقابض الأبواب والحنفيات..وألعاب الأطفال.

التهافت على محلات العطارة

أقبل مواطنون على شراء ما يعرف تقليديا ب»العشوب» من قبيل الشيح والزعتر والحرمل وعشبات لم يتعاملوا معها من قبل.وتطْلع علينا وسائل التواصل الاجتماعي مرة مرة بعشابين يدّعون القدرة على الشفاء من فيروس كورونا، مثل العشاب المغربي المدعو زين الدين، والذي يقسم بأغلظ الأيمان أنه يتوفر على عشبة يرفض ذكر اسمها، قادرة على القضاء على فيروس كورونا، وأنه سبق أن أجرى اختباراته العشبية على مجموعة من الفيروسات وكلها تكللت بالنجاح، وإمعانا في التحدي، طلب هذا الشاب العشاب المغربي من السلطات المختصة أن تحبسه مع حالة إصابة، أو أن يلقح نفسه – أمام أعينها – بداء كورونا، ليظهر أن «عشبته»تمنح مناعة يعجز الفيروس عن اختراقها.

غسل الأيدي

وفيما يشبه الوسواس القهري، أمسى غسل اليدين ضرورة ملحة وبشكل مبالغ فيه لدرجة ظهور ندوب جلدية،والاستحمام في البيت بكيفية مكرورة.

غسل المأكل والملبس

بخصوص الأطعمة، حرص بعض المواطنين أشد الحرص على غسل الخضر النيئة والفواكه والسمك واللحوم بالخل، وأضحوا يخللون الأطعمة بالبصل والثوم والعسل، وزيت الزيتون والزنجبيل، ويركزون على عصير البرتقال باعتقاد أنه يقوي المناعة،وينظفون الفرن والرفوف والثلاجة والأسِرة والأغطية والمواعين بالماء الساخن أو مواد خاصة ويعقمون البيت ويبالغون في ذلك بالمطبخ.
ولم يعد التحلق حول وجبات جماعية بمناسبة عيد ميلاد يحضره الأقارب والأباعد ضروريا، كما أصبح جاريا أن يخص كل فرد من أفراد الأسرة، بكأس شربه وإنائه وفرشاته وسكينه وغطائه ومخدته ..ولم تعد الوجبات التي يتجمع حولها الأهل مثل قصعة الكسكس والثريد والشيّ مرغوبا فيها.
وبخصوص الملبس، فإن الاستفادة من ملابس الأطفال التي دعت إليها جمعيات في المدارس أو في الشوارع أو مواقع معينة في إطار التكافل الاجتماعي، و«بالات» الملابس القادمة من أوروبا والتي تنتشر بالأسواق الشعبية، أصبحت تستدعي الحذر والتخوف.

زيارة الطبيب والصيدلي
أصبحت مكوكية

يزور المواطنون الطبيب شخصيا أو يتصلون به هاتفيا لإزعاجه بأسئلة متعبة وتافهة، كما يزورون الصيدلي باستشارة من الطبيب أو من دون وصفة منه لاقتناء أدوية نزلات البرد والحمى وآلام المفاصل، قد تثمر نتائج وخيمة على الصحة.. أو اقتناء آلة قياس الحرارة ..والكمامات.

واش الكمامات والقفازات
تتْحمي من كورونا؟

يتحدث بعض المواطنين عن أن الكمامات والمنادل والمناشف»كلينيكس» أصبحت ضرورة ملحة ، ولايسألون أو يساومون حول ثمنها الذي بولغ فيه بسبب الاحتكار والزيادة في الطلب، غير أن منها الجيد والردئ، وطريقة الاستفادة منها تتطلب استعمالا صحيحا ومعرفة التخلص منها بشكل سليم حتى لا تسهم في مزيد من انتشار العدوى، وشرع بعض المواطنات في ارتداء البرقع والقفازات.ولم يعد من العُجاب أن نرى فريقا كبيرا مثل الوداد البيضاوي تلبسُ عناصره كماماتٍ طبيةَ في مطار محمد الخامس قبل شد الرحال للقاء الفريق التونسي النجم الساحلي كإجراء وقائي ضد كورونا، أو شخصا معينا يصعد وسيلة نقل أو يجوب الشارع أو في مقرالعمل يكمم فمه وأنفه.

لامصافحة ولامعانقة
بعد انتشار كورونا

أصبح إلقاء السلام من بعيد، هو الحل الأفضل بالنسبة لمواطنين جاهدوا أنفسهم وأرغموها-رغم تجذر العادات- على عدم الشد على الأيدي أو عناق طفل أو قريب أو جار أو صديق أو معرفة في عرس أو ترقية أو نجاح أو مأتم.. في لقاء رسمي أوعابر.بل ومن المواطنين من ذهب إلى التفكير في اقتناء الدراجة الهوائية أو النارية لتفادي الإصابة، والصلاة الجماعية في البيت عبر التلفاز أو الانترنيت، وقراءة اللطيف..

مواطنون مستخفون بكورونا

بعض المواطنين لايلوون على شيئ.يقولون كورونا، فيروس مثله مثل باقي الفيروسات.سبقه فيروس ايبولا وميرس وسارس وزيكا وفلوانزا الطيور وفلوانزا الخنازير..وكلها فيروسات بثت هلعا، وبنفس السرعة التي دخلت بها بلادنا خرجت.ثم إن الأعمار بيد لله.ولا أحد يموت ناقص عمر.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره**تعددت الأسباب والموت واحد.
ورغم «الزيطة والزمبليطة» التي يحدثها فيروس كورونا، مازال الناس يشترون من «الفراشة» الذين بجوار المساجد، اللبنَ والزبدَ اللذين يضعهما في كيس بلستيكي مغلق يفتحه بالنفخ فيه،كما أن الناس مازالت تقلب الخبز لدى البقال يمنة ويسرة حتى تعثر على الخبزة التي تريد، ومازالت قصعات الكسكس توجه إلى المساجد، ويشترك عدد من المصلين والمتسولين في أكله من غير غسل اليدين، ولايتم تعقيم الماعون بعد ذلك، ومازالت اللحوم معلقة لدى الجزار، أومنشورة على رف رخامي لايعقم ولايغسل بالماء حتى، كذلك مازال الاسفنج يعد في الصباح الباكرعلى وقع رفس «الشفناج» للعجين وتحت عرقه..وإمعانا في الاستهتار ولامبالاة بعض المواطنين، يُروى أنه لما تأكدت إصابة أحدهم، تم الاتصال بالرقم الأخضر، وحضر الطاقم الصحي، فتهافت الناس على أخذ صور معه.وقيل إن شخصا حمل على وجه السرعة إلى مستشفى بن يوسف بالبيضاء، فزاره أهله والجيران، ولما عادوا، أعدوا الشاي وتحلقوا حول احتسائه غير مكترثين بإمكانية إصابة أحدهم.

مواطنون لا يعترفون بكورونا

مواطنون، يتحدثون عن أن فيروس كورونا، حظي بالنفخ والتهويل من قبل مواقع التواصل الاجتماعي.والواقع أنه ليس بتلك الخطورة، وقد لايعدو الأمر كونه زوبعة في فنجان. ويمثلون بكون الطاكسيات والطوبيسات و»الكيران»، مازالت لحد الساعة، تشهد اكتظاظا، بحيث لامجال للحديث عن مسافة الأمان، التي يتوجب أن يحترمها الناس في هاته الظرفية الحرجة، والتي تتراوح بين بمتر ومترين، كما أن السلام بقي هو هو، ولا يستسيغ أحد أكان متعلما أم غير متعلم أن يمد إليك يده للمصافحة أو المعانقة فتتبرم، ليسمعك كلاما جارحا، والأكل الجماعي لم يتغير، والمساجد مازالت تكتظ عن آخرها رغم التحذيرات.. و«سوق العيون» بالبيضاء، حيث يباع الكلاب والقطط والحمام والدجاج والفئران البيضاء، مازال على حاله، والحركة على قدم وساق.

مواطنون يتعاملون
بقدرية مع كورونا

يرى بعض المواطنين أن كورونا أمرُ لله وقضاءه، والمرء المومن من يعتقد في القضاء خيرِه وشره..و كورونا شر القضاء، أو أنه جند من جنود لله، (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، مثله مثل الجراد والقمل والبرص والجذام والإعصار والفيضان والقحط..، وما أنزل لله فيروس كورونا إلا لأن الأرض ملئت ظلما وعدوانا وتغيرت القلوب والنفوس، وابتعدنا عن (المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). والتداوي من كورونا، لايتأتى سوى بالقرآن والأدعية الشرعية والرقي والتعاويذ أو التداوي بالطب النبوي. قال رسول لله (ما أنزل لله داء إلا أنزل له شفاء).وقال أيضا (إن لله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا)، وقال (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن لله عز وجل) أي كان هذا الداء حسيا أو معنويا أو بدنيا. وخير ما يداوي من كورونا الحبةُ السوداء. قال رسول لله (إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء)، وكذلك العسل، قال عليه السلام من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر، لم يصبه عظيم البلاء). وقال كذلك (اللهم إني أعوذ بك من الجذام والبرص والجنون ومن سيئ الأسقام). ويذهب بعض المواطنين إلى أن ظهور كورونا بالصين، إنما هوعذاب سلطه لله على هذه البلاد التي تجبرت فعزلت ما يربو عن خمسة مليون من مسلمي الايغور في تركستان.

مواطنون تعاملوا بحس نقدي ووعي ومسؤولية مع كورونا

يتحدث بعض المواطنين عن الفيروس، وعن الظروف الباعثة على نشأته وعن الهدف من نشره، فيقولون: كورونا فيروس مصنع بشريا وله صلة وثقى بالاقتصاد والسياسة الدولية.ربما الفيروس يدخل في إطار حرب بيولوجية أمريكية ضد الصين البلد التجاري المتعنت وإيران التي تلوح بأسلحة الدمار الشامل.. لشغلهما وضرب اقتصادهما.. ويقول آخرون ربما كورونا تسرب من مختبرات صينية.ويقول آخرون كورونا هو من إنتاج شركات عالمية عابرة للقارات لايهمها سوى جني المال والتحكم في الدول ومصائر الشعوب.ويقول آخرون كورونا إنما تم اختراعه للتقليص من النمو الديمغرافي المتزايد على الكرة الارضية. وعلى كل، فالفيروس يتعين التعامل معه –عندنا- بحذر واتباع إرشادات وزارة الصحة ووسائل الإعلام.ويحكى-في هذا المضمار- أن زوجة اتصلت بأخيها ضمن الجالية المقيمة في شمال ايطاليا تسأله متى يعود، فأخبرها أنه لايفكر في العودة، وأنه إذا ثبت أنه يحمل الفيروس، فلن يغادر إيطاليا، وبعدها إما يدخل الوطن معافى أو يدخل رفاته فقط.
وأرادت سيدة أن تبعث من فرنسا رزمة من الملابس كعادتها، لكن أختها في المغرب طلبت منها ألا تفعل حتى ولو تعلق الأمر بالذهب.ومع ذلك أرسلت (الكُلية)، وتم استيلامها فحرقها في الحال.

آشنو هي الإجراءات الاحترازية للدولة؟

اعْتقد كثير من المواطنين بلاغات الحكومة مطمئنة.فهذا رئيسها يقول إن المغاربة بإيطاليا مرحب بهم في وطنهم ربما بناء على تطمينات القنصليات المغربية في عدد من مدن ايطاليا التي شكلت خلية أزمة للتواصل مع الجالية المغربية في البلاد الأوروبية، ويردف أن ثمة إجراءات وقائية وتجهيزات متطورة ورقابة طبية مشددة،فلاخوف ولاقلق.بل هناك سهر على سلامة المواطنين، ومع ذلك كان اختراق للفيروس، وظهرت حالة واحدة فحالتان فثلاث فأربع فخمس ولله يحد الباس، ولو أن المعابر الجوية والبرية والبحرية أقفلت قبل دخول الفيروس ، لما كان المغرب اليوم تحت رحمته.
وفي إطار الإجراءات الحاسمة الواجب اتخاذها، على الجهات المعنية أن تطالب القائمين على المساجد بغسل وتشميس السجاد الذي يتعرض لعطس وسعال المصلين أثناء السجود بين الفينة والأخرى، كذلك ومثال بالنسبة للدوجوات (قاعات الرياضة) التي تفتقر للتهوية وتتوفر على تاطامي (سجاد بلاستيكي)، ربما مر على إلصاقه بالأرضية أكثر من عشرين سنة، ويتعرض باستمرار لعرق المنخرطين وأوساخ أقدامهم، وبلزوم تعقيم الطوبيسات والطاكسيات وحافلات الركاب قبل الانطلاق وعند المحطة النهائية، وتعقيم البالوعات والحاويات والشوارع والعملة قبل تداولها بين المواطنين، وتوظيف طائرات «الدرون» في السلامة الصحية، واستثمار التمويلات المخصصة لصندوق الكوارث الذي أحدث بالمغرب.


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 14/03/2020