للمرة الثانية في 8 سنوات يتدخل الملك لإعادة بعث المشروع الوطني للسكك الحديدية .. الخطاب الملكي ينفض الغبار عن طموح إحداث منظومة صناعية حول القطارات على غرار منظومة السيارات

 

بدأ الحديث في المغرب عن “منظومة للصناعات السككية”، شبيهة بمنظومة صناعة السيارات، في سنة 2011. وكان الهدف هو وضع أسس منظومة صناعية واعدة تتمحور حول صناعيين دوليين كبار، تلعب فيها مجموعتا «ألستوم» الفرنسية و»بومبارديي» الكندية من خلال فرعيهما الصناعيين في المغرب نفس الدورالذي لعبته «رونو» و»بوجو» بالنسبة لمنظومة صناعة السيارات، التي تمكنت في ظرف سنين معدودة من التحول إلى أول قطاع مصدر في البلاد.
غير أن المشروع الطموح دخل الثلاجة بعد انتخابات 2011. وبعد أربع سنوات من السبات، تدخل جلالة الملك بقوة في خطاب 6 نونبر 2015، ليعيد المشروع إلى الواجهة، مذكرا في خطابه بأن “لدينا حلم ببناء خط للسكة الحديدية، من طنجة إلى لكويرة، لربط المغرب بإفريقيا. وإننا نرجو الله تعالى أن يعيننا على توفير الموارد المالية، التي تنقصنا اليوم، لاستكمال الخط بين مراكش ولكويرة”.
تلقى مهنيو القطاع الإشارة القوية للملك بحماس، وتحركت المياه الراكدة ليعلن عن إنشاء التجمع المغربي للصناعات السككية. وفي غضون ذلك طرح كمشروع وطني ضحم للسكك الحديدية في أفق 2040، والذي يستهدف استثمار نحو 375 مليار درهم خلال هذه الفترة بهدف ربط 43 مدينة بالسكك الحديدية، عوض 23 حاليا، ومن خلال ذلك إيصال القطاع إلى 87 في المئة من السكان عوض 51 في المئة. كما يهدف المشروع إلى ربط 12 ميناء و15 مطارا بشبكة السكك الحديدية بدل 6 موانئ ومطار واحد حاليا. وفي هذا السياق أطلق مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة وطنجة، بمبادرة ملكية، ليشكل رافعة لهذا المشروع الصناعي الطموح وإبراز المغرب في رادارات الصناعات السككية العالمية كوجهة للاستثمار.
خلال العقدين السابقين كان المغرب قد اكتسب خبرة قوية في تنمية المنظومات الصناعية انطلاقا من تشكيل نواة مقاولاتية محلية حول هدف تلبية الحاجيات الذاتية، وترقيتها عبر سياسة إرادية لتتحول إلى قوة تصديرية. ففي قطاع الكهرباء، مكن البرنامج الوطني للكهربة القروية من تطوير نسيج من المقاولات الصغرى والمتوسطة التي دخلت حاليا مرحلة تدويل النشاط عبر تصدير مهاراتها الصناعية إلى إفريقيا. وقطاع السيارات بدأ مع “فيات” و”سوماكا” خلال التسعينيات بهدف تعويض جزء من الواردات بسيارات مصنعة محليا، ليصبح اليوم أول قطاع مصدر في البلاد.
كان الهدف في 2016 إطلاق ديناميكية مشابهة بالنسبة للصناعات السككية. وبالإضافة إلى إشارة الخطاب الملكي، أعطى جلالة الملك دفعة عملية للمشروع عبر توقيع اتفاقية تتعلق ببناء خط مراكش أكادير مع هيئة السكك الحديدية للصين، خلال الزيارة الملكية لبيكين في مايو 2016. وفي الشهر الموالي حلت بعثة صناعية صينية بالرباط لاستكشاف المشروع، لتتوالى زياراتها قبل أن تتلاشى، كما تلاشى الحديث عن توقيع الاتفاقية المتعلقة بالمنظومة الصناعية للسكك الحديدية عدة مرات خلال 2017 و2018 قبل أن يدخل المشروع مرة أخرى إلى الثلاجة.
وبعد أربع سنوات من الانتظار تدخل عاهل البلاد للمرة الثانية في ثماني سنوات، بهدف استنهاض الهمم، وإعادة المشروع الطموح والمتشعب إلى الواجهة، دعيا في خطاب المسيرة 2019 “للتفكير، بكل جدية، في ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية؛ في انتظار توسيعه إلى باقي الجهات الجنوبية، ودعم شبكة الطرق، التي نعمل على تعزيزها بالطريق السريع، بين أكادير والداخلة”. وأضاف مبرزا تعدد غايات هذا المشروع وتشعبها
“وسيساهم هذا الخط في فك العزلة عن هذه المناطق، وفي النهوض بالتنمية، وتحريك الاقتصاد، لاسيما في مجال نقل الأشخاص والبضائع، ودعم التصدير والسياحة، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية”.
فالأهمية الاستراتيجية في مد خط السكك الحديدية باتجاه أكادير ثم الداخلة لا تقتصر فقط على ربط شمال البلاد بجنوبها، وإنما أيضا في ربط أوروبا بغرب إفريقيا. فمن شأن هذا المشروع عند اكتماله أن يعيد للواجهة مشروع الربط السككي بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق. كما أن المنظومة الصناعية الوطنية للسكك الحديدية ستكون قد راكمت من الخبرة والتجربة والاستثمارات ما يمكنها من مواكبة توسيع الشبكة السككية في إفريقيا.


الكاتب : مواسي لحسن

  

بتاريخ : 09/11/2019

أخبار مرتبطة

  يهدف لدعم تكييف التكوين والبحث الزراعي المغربي مع تحديات الانتقال الإيكولوجي     وقع المغرب و الاتحاد الأوروبي، أمس

عبرت جمهورية سيراليون، الثلاثاء بالرباط، عن دعمها الكامل للوحدة الترابية للمملكة مؤكدة أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب

إفريقيا لا تعبئ سوى 11.4 مليار دولار سنويا من أصل 580 مليارا تحتاجها للتمويل انعقد أول أمس على هامش الملتقى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *