لماذا تجذب كينيا الشباب من جميع أنحاء العالم؟

تجذب العاصمة الكينية نيروبي المغتربين من جميع أنحاء العالم، فما هي الدوافع التي تحرك هؤلاء للانتقال من أجل العيش والعمل في هذا البلد الأفريقي؟
تمتلك نيروبي أكثر تكنولوجيا متطورة في شرقي أفريقيا، وهي بذلك تنافس مراكز مثل كيب تاون، ولاوس، والقاهرة. وهذا جعلها اختياراً استراتيجياً ذكياً للعديد من الشباب من جيل الألفية. في صيف 2006، حزم تيمبو درايسون حقائبه، وودع جامعة أوكسفورد لكي يحصل على وظيفة في شركة غوغل في الولايات المتحدة. لكن بحلول عام 2010، ترك درايسون العمل في غوغل وانتقل إلى العاصمة الكينية نيروبي. وفي غضون عام، شارك درايسون في تأسيس شركة «OkHi»، التي تعمل على تزويد كل شخص في كينيا بعنوانه الإلكتروني الخاص. يقول درايسون: «خلال وجودي في غوغل، كنت أعمل من أجل بناء تقنية متطورة تستخدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد استمتعت بذلك العمل حقاً، ولهذا قررت أن آخذ وقتاً للتفرغ أستغله في السفر إلى شرقي وغربي أفريقيا في جولة تكنولوجية. وأثناء تلك الجولة حفزتني وأشعلت خيالي المشاكل الكبيرة التي تحتاج إلى حلول تكنولوجية في هذه المنطقة من العالم».ا»رغم ذلك، تبقى نيروبي لغزاً بالنسبة لأغلب الناس في العالم. وقد تشمل الأسئلة التي يتلقاها الوافدون الأجانب من أفراد عائلاتهم حول كينيا «أليست بلدة خطيرة؟» و «هل يعيش الناس هناك في أكواخ طينية؟»ويندهش هؤلاء إذا علموا أن نيروبي إحدى أسرع المدن نمواً في أفريقيا، بعدد سكان يبلغ ثلاثة ملايين نسمة. فقد تحولت خلال ثماني سنوات إلى مركز متنوع الأعراق يجتذب الشبان من أنحاء أفريقيا، والآن من الهند والصين. وتوجد بها ناطحات سحاب، ومراكز تسوق، وفنادق، وبنايات سكنية، ودور سينما، ومقاه وبارات، ومطاعم، وحتى صالات للتزلج على الجليد. منذ عام 2008، ظهرت مجموعة متنوعة من مؤسسات تمويل المشروعات، وتسهيل تنفيذها، مما مكن الكثير من الشركات الناشئة من تحقيق أرباح جيدة. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، حصلت شركة «سيندي» لخدمات توصيل الطلبات عبر الإنترنت على ما كانت تصبو إليه من تمويل بقيمة مليوني دولار، بدعم من صندوق «سافاريكوم سبارك» وصندوق «أكسل أفريكا أكسيلاريتير»، اللذين يمولهما البنك الدولي. في العالم، بعد مدينة كلكتا في الهند. ويبلغ متوسط الوقت الذي يقضيه سكان نيروبي في المواصلات 62.44 دقيقةويُظهر تقرير لمؤسسة «ديسرابت أفريكا» أن شركات التكنولوجيا الناشئة في كينيا حققت ما يزيد على 129 مليون دولار عام 2016، بزيادة قدرها 17 في المئة عن العام الذي سبقه، وأن كينيا تجتذب ثاني أكبر عدد من الاستثمارات بعد جنوب أفريقيا.
ومن بين المشروعات التي تستفيد من هذه الأجواء المشجعة، مدرسة «مورينغا»، وهي مدرسة متخصصة في التكنولوجيا الرقمية وصياغة الأكواد، وتعمل على تطوير المواهب التكنولوجية الأفريقية. و تمكنت هذه المدرسة من التوسع على صعيد عالمي بفضل هذا الدعم المالي المتوفر، لتفتتح مقرات لها في كل من هونغ كونغ، وغانا، وباكستان، منذ عام 2014. ومع ذلك، هناك جوانب سلبية وعوامل ثقافية أخرى تشكل تحدياً للأجانب هنا، منها على سبيل المثال أن المثلية الجنسية في كينيا مازالت محظورة قانوناً. كما تعد الجريمة مصدر قلق. ففي حين أن التجول في المدينة نهاراً لا يمثل مشكلة، فإن استكشاف المدينة ليلاً على الأقدام أمر لا يُنصح به. ويمكن للنساء التنقل في المدينة بمفردهن، ولهن الحرية في ارتداء ما يردن من الثياب، لكن توصى النساء عموما بالملابس المحتشمة في بعض المناطق الواقعة خارج حدود المدينة. وتبرز أحياناً التوترات القبلية والسياسية، وتتسبب في وقوع أحداث عنف، خصوصاً مع اقتراب فترات الانتخابات. لكن معظم الناس في المدينة يعتبرون أنفسهم نيروبيين أولاً، وهم سعداء للحديث عن تاريخ بلادهم، وعن قبائلهم، وعن نظرتهم إلى ما يجري في العالم. وتحتل نيروبي المرتبة 186 في تصنيف ميرسر لجودة المعيشة في المدن لعام 2017، والذي يسلط الضوء على أمور مثل الاختناق المروري، وسوء جودة المواصلات العامة، ومستويات الجريمة، ومشكلة السكن، وإمكانية الالتحاق بالمدارس الجيدة، وإمدادات الكهرباء، التي تتوفر في العاصمة بشكل متقطع.
ومع زيادة النمو السكاني، وكثرة السيارات المستعملة، والقمامة المحترقة، والأفران التي تستخدم الحطب، بات تلوث الهواء في نيروبي مشكلة حقيقية. لكن تيا بينغ، البالغة من العمر 30 عاماً، تعتقد أن مزيجاً من توافر الفرص، والطقس الجيد، وطيبة الناس، هو ما يجعل نيروبي جذابة حقا. فقد انتقلت إلى نيروبي قادمة من مقاطعة غوانغدونغ الصينية لتعمل لصالح شركة شينزين رايت تيك، للتجارة عبر الإنترنت، وبيع السلع الصينية لأفريقيا والسلع الأفريقية للصين. وتضيف بينغ: «أخطط للبقاء في نيروبي لمدة طويلة، على الأقل لخمس سنوات. فالمدينة جيدة، وأنا مغرمة بالطقس بشكل خاص، فالحرارة هنا تبلغ نحو 25 درجة، والشمس ساطعة طول العام، والناس طيبون».»إكسباتيسان دوت كوم» يقول إن تكلفة المعيشة في نيروبي أقل من جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا بنسبة 17 في المئةولما سئلت عن رأي عائلتها في انتقالها للعيش في كينيا، تقول بينغ: «تعتقد عائلتي أنه أمر جيد أن أحضر إلى كينيا من أجل تطوير مستقبلي المهني، حيث يعتقد الصينيون أن لأفريقيا مستقبل مشرق. وتوجد الكثير من الفرص للشباب، والرواتب هنا أعلى منها في الصين».ويتفق مع هذا الرأي أستاف مينستي، 32 عاماً، وهو وافد من الهند، ويعمل في شركة «فوكليب» لألعاب الموبايل في نيروبي.
وقد انتقل مينستي من مومباي في الهند للعيش هنا بسبب توفر الفرص أمامه، ويقول: «السوق في المكان الذي جئت منه (مومباي) تنافسي إلى حد كبير. وفي نيروبي نستطيع نحن الهنود أن نطبق المهارات والتكنولوجيا التي نستخدمها في بلادنا بسهولة أكبر. والسوق في كينيا أكثر استجابة، ويحب الكينيون التقنيات التي نحضرها إلى هنا».وهناك عوامل جذب أخرى، مثل الإنترنت فائق السرعة، والتمويل المقنع، ووجود العديد من مقرات المؤسسات الدولية، وكلها عوامل تجتذب المواهب التكنولوجية على وجه التحديد.
ويقول سمير إبراهيم، 29 عاماً، والمدير التنفيذي لشركة صن كالتشر التي توفر تقنيات الري بالطاقة الشمسية للمزارعين: «العقبات التي تحول دون دخول شركات جديدة للسوق محدودة، لأن كل شيء مركز في مكان واحد، فإذا كان لديك الناس، والمال اللازم في مكان واحد، فإن ذلك من شأنه أن يجعل الأمور أسهل بكثير».وكغيره من الكثيرين من جيل الألفية، يريد إبراهيم، وهو طالب سابق بجامعة نيويورك، مهنة ذات معنى، ويقول إن شركة تكنولوجيا ناشئة في كينيا تحقق ما يسعى إليه. توجه الأموال في كينيا نحو البنية التحتية، من شق طريق سريع يربط البلاد بأثيوبيا، إلى خط السكك الحديدية الرابط بين نيروبي ومومباسا على الساحل. يقول إبراهيم: «كينيا بلاد تتكلم اللغة الإنجليزية، وهي آمنة بشكل عام، والاستثمارات الغربية تأتي إلى البلاد منذ زمن طويل، وهي مركز سياحي مهم. وهذه مواصفات أساسية لمركز تجاري واستثماري جيد».
أين تذهب؟

يقع «مرآب نيروبي» للسيارات في الطابق الرابع من برج «بايدمونت بلازا» على طريق نغونغ، وهو مكان عمل يجتمع فيه رجال الأعمال والمستثمرين، وأصحاب شركات التكنولوجيا، والذي أصبح مكاناً مشهوراً للعمل. GETTY البرية، حيث تعيش الحيوانات في بيئاتها الطبيعية بأمانوتقول هانا كليفورد، 29 عاماً، التي تعمل مديرة في مرآب نيروبي: «يوجد عدد قليل من الأماكن الرئيسية يمكنك التوجه إليها، ولأن مجتمع العمالة الوافدة مغلق، فإنه عندما تصل حديثاً إلى البلاد، يقوم الوافدون الذين وصلوا قبلك بدعوتك إلى أشياء وأماكن معينة. ويبدو أن الأمور تسير بسهولة هنا، فالعقلية السائدة هي أنه ‘لا حدود للطموح إلا السماء›».وتعد منطقة «ويستلاندز» مكانا مرغوبا للسكن والترفيه بالنسبة للأجانب، نظراً لموقعها في وسط المدينة، وقربها من المتاجر والمطاعم، ومن غابة «كارورة» ذات المساحة الهائلة، والتي تضم طرقا للتنزه وسط البرية، ومطعم في الهواء الطلق. وتوجد هنا خيارات متعددة للسكن، من المباني المكونة من شقق إلى المنازل المنفردة للعائلات. وهناك أيضا مناطق مثل كيليماني، وكيليشاوا، ولافينغتون، وكلها أيضاً مرغوبة للسكن في ضواحي خضراء، ولكونها أيضاً على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من منطقة العمل المركزية بالمدينةوالبيوت التي يفضلها الوافدون هنا هي شقق المجمعات الحديثة، التي تتوفر فيها صالات التمارين الرياضية، وأحواض السباحة.
الرواتب وتكاليف المعيشة

الرواتب في قطاع التكنولوجيا في كينيا تختلف بشكل كبير من شركة إلى أخرى، ولا يوجد كثير من المعلومات المتوفرة للقياس عليها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تدفع إحدى الشركات الناشئة راتباً سنوياً قدره 40 ألف دولار لقائد مشروع تكنولوجي، لكن طبقاً لموقع «غلاس دور دوت كوم» يمكن أن تدفع شركات أخرى راتباً أقل بكثير يتراوح ما بين 15-20 ألف دولار. وبينما لا تعتبر الرواتب عالية مقارنة بكل من الولايات المتحدة أو بريطانيا، إلا أن دخلاً كهذا يكفي للعيش بارتياح في نيروبي. فالأطعمة الطازجة رخيصة الثمن، وأجرة السكن الشهرية لشقة غير مفروشة من غرفتين في كيليماني المفضلة لدى الوافدين، تبلغ تقريباً 874 دولاراً. ومتوسط سعر كأس البيرة في الحانة حوالي 1.9 دولار، بينما تبلغ التكلفة الشهرية لباقة الإنترنت 38 دولار. أما سلع الرفاهية لدى الوافدين مثل الأجبان، والنبيذ فثمنها مرتفع، لكن وفقاً لموقع «إكسباتيسان دوت كوم» فإن تكلفة المعيشة في نيروبي أقل بنسبة 17 في المئة من جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا. كان المجتمع المغلق للوافدين، والمشهد الاجتماعي عموما، والأنشطة في الأماكن العامة، هي ما جذب درايسون في زيارته الأولى لنيروبي. وتبدو نيروبي وكأنها مكان يمكن له أن يستمتع فيه بالحياة. يقول درايسون: «قررت أنني سأبدأ بعمل في بلد جديد لا أعرف فيه أحداً، لأنني أريد أن أكون سعيداً، وشعرت بأنه يمكنني أن أكون سعيداً هنا».ويضيف: «الحياة هنا تبعث على الارتياح، والناس لديهم حس عال للفكاهة. وكشخص بريطاني يجعلني ذلك أشعر بأنني في بلدي. كما أنني أحب أيضاً التخييم، والأنشطة خارج المنزل، وكينيا مناسبة جداً لذلك».