لنتحدث قليلا عن هذا العنف : لماذا تنقطع الفتيات بالعالم القروي عن الدراسة؟!

تعيش بلادنا هذه الايام على وقع الحملة الوطنية لوقف العنف ضد النساء، والتي تتجند لها الوزارة المعنية وجمعيات المجتمع المدني ،خاصة المهتمة بالشأن النسائي من أجل مناهضة الظاهرة والتحسيس بها .
و في هذا الاطار ،نود لفت الانتباه الى نوع خاص من العنف، لم ترد الاحصائيات بشأنه في تقرير وزارة التضامن ،وهو الانقطاع الاضطراري عن الدراسة بالنسبة للفتيات في القرى والجبال والمداشر والبوادي النائية . والذي يعتبر عنفا مركبا يتداخل فيه الاجتماعي بالاقتصادي بالمجالي … تنجم عنه ظواهر اجتماعية شائكة كالبطالة والأمية، الزواج المبكر او زواج القاصرات الطلاق وتبعاته السلبية ،في ظل أوساط ينخرها العوز.
قد لا تصدق التقارير التي تصدر عن وزارة التربية الوطنية بداية كل موسم دراسي عن ارتفاع عدد المتمدرسات في العالم القروي ،في سنوات الدراسة الاولى ، فالامر لايعدو أن يكون رغبة الاباء في الاستفادة من منحة برنامج «تيسير» الذي وضعته الدولة لتشجيع تمدرس ابناء القرى خاصة الفتيات. فسرعان ما تختفي هذه الحماسة ويأخذ العدد في التقلص عند الانتقال الى السلك الاعدادي ثم السلك الثانوي، لتصل الى الباكلوريا أعداد قليلة جدا من الاناث القرويات،يكون الفضل في وصولهن الى دور الطالبات التي لعبت بالفعل دورا كبيرا في ولوجهن مسالك الجامعات.
لكن المشكل دوما يظل قائما وشائكا وتظل معه نسبة كبيرة جدا من فتيات بلادنا في الجبال والمداشر والقرى النائية، محرومات لايزلن من التمدرس او متابعتها ،مكرهات يتركن مقاعد الدراسة لجلب الماء والحطب والرعي او الزواج المبكر.
لماذا لم تنجح برامج تمدرس الفتاة القروية رغم كل هذه المخططات الوزارية؟ لماذا فشلت المدارس الجماعاتية في تحقيق اهداف نشأتها في تعميم التمدرس في العالم القروي وتمدرس الفتيات، وهل تصدق «رؤية» المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في النهوض بواقع التعليم في العالم القروي إسوة بالتعليم في المدن وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع؟هل من المعقول أن ينجح مخطط الاصلاح بشكل عمودي في بلادنا دون مراعاة الظروف المجالية والاجتماعية والبيئية ..فما يصلح لتلاميذ المدن بالتأكيد لا يصلح لقاطني الجبال والقرى بقساوة ظروفهم ولهجاتهم المختلفة .
ومن أجل إيجاد حل لهذه الظاهرة ،يجب اولا تشريحا للوقوف على المثبطات والعوائق والبحث عن بدائل ،ومن بين هذه العوائق نرصد:

عوامل اقتصادية:

فمن بين الاسباب القوية التي تكره الفتيات القرويات على مغادرة الدراسة الفقر، الذي يعد من بين الحواجز الرئيسية، لأن الآباء في القرى لايستطيعون تحمل مصاريف الدراسة لمجموعة من الأطفال في آن واحد، فيضطرون إلى الاختيار الذي غالبا ما يكون على حساب الفتيات، إذ ترى الأسر فيهن يدا عاملة تساعدها في تحمل أعباء الحياة والقيام بالأعمال المنزلية وتربية المواشي، بل ترى فيهن مصدر رزق لأسرهن، وتفضل إرسالهن للعمل في المدن كخادمات في البيوت.لأن طبيعة الابناء في القرى هم ابناء منتجين يساهمون مبكرا في الدخل المادي للأسرة.. ففي الوقت الذي يُشكل فيه الابناء في الأسرة الحضرية عبئا ماديا على الأسرة ، يبدأ دور الفتى او الفتاة القروية مبكرا في المساهمة في الأنشطة الفلاحية و الرعي و هذا النشاط  يشكل مورد رزق أساسي للاسر، و عادة ما يقوم به الأطفال ابتداء من سن الخامسة حيث يأخذ منهم حيزا زمنيا كبيرا في اليوم من شروق الشمس إلى الزوال أو حتى المغيب، مع ما يستدعيه ذلك من مجهود بدني وانتباه ذهني .  كما أن ضعف التجهيز و البنيات الأساسية في العالم القروي و خاصة التزود بالمياه الصالحة للشرب، يتحمل أعباءه الأطفال في سن التمدرس خاصة الفتيات ،اللواتي يتحملن عناء إحضار المياه من مصادر قد تبعد لمسافات عن مساكنهم  حملا  بالأيدي في أواني بلاستيكية أو في صهاريج على ظهور الدواب ..

عوامل ثقافية :

يغلب على المناطق القروية الثقافة و العادات المحافظة، التي لا ترى في تمدرس الفتاة فائدة أو ضرورة ،بل قد تعتبره شيئا محظورا يساهم في تفسخ المجتمع و انحلال القيم .. وقد ترجع هذه المواقف إلى الأفكار المسبقة عن المدرسة أو إلى طبيعة المهام المسندة للفتاة القروية و التي قد لا تستطيع أن تقوم بها إن التحقت بمقاعد المدرسة : فعادة الفتاة القروية تقوم برعاية إخوتها الصغار و الحرص على حمايتهم حين تخرج الأم لمزاولة أعمالها الفلاحية في الحقول بعيدا عن منزل الأسرة.
أيضا حرص الأسر على سلامة الفتاة القروية، فهذه الأخيرة تُعتبر عُرضة للأخطار خلال طريقها إلى المدرسة : اعتداءات الغرباء .. انقطاع الطريق بفعل العوامل المناخية كالمطر و فيضان الأودية أو انهيارات التربة وحتى هجوم الحيوانات الضارية كالكلاب و العقارب و الأفاعي ..

عدم المساواة داخل الأسر بين الذكور و الإناث، فيتجه كل الاهتمام و الحرص للاخوة الذكورن في حين يتم إقصاء الإناث : فمثلا عند إكمال الابن و البنت للمرحلة الابتدائية تضطر الأسرة ترشيدا للنفقات إرسال الابن وحده إلى المدرسة الإعدادية و إنهاء تدريس الفتاة القروية عند نهاية المرحلة الابتدائية و توجيه الفتاة المنقطعة عن المدرسة إلى مزاولة الأشغال داخل المنزل و في الحقول الفلاحية ..
الزواج المبكر يحرم الفتاة من إكمال دراستها : فتزويج الفتاة أو حرمانها مبكرا من الذهاب إلى المدرسة كمرحلة إعدادية نحو تحويلها إلى زوجة و أُم ..

عوامل دراسية

افتقار المدارس في العالم القروي إلى التجهيزات الضرورية كالسور حول المدرسة و المرافق الصحية كالمراحيض، فالتلميذة القروية هي أول ضحايا عدم وجود المراحيض في مدارس العالم القروي مما يشكل حرجا كبير اللفتيات يكبر كلما كبرت الفتاة و غالبا ما تنقطع الفتاة القروية لهذا السبب الذي قد يظنه الكثيرون سببا بسيطا ..
عدم اندماج المدرسة القروية في محيطها الثقافي و خاصة أوقات الدراسة مع احتياجات و أنشطة الساكنة القروية .. كالذهاب إلى السوق الأسبوعي و المواسم و أيام الحرث و الزرع و الجني و الحصاد , حيث تكون الأسر القروية في امس الحاجة إلى تجنيد كل أفرادها في هذه الأنشطة الضرورية، بينما المدرسة القروية تعمل باستعمالات زمن صارمة و مصممة للأوساط الحضرية و مسقطة على العالم القروي دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصياته و اختلافاته .
عدم وجود أقسام داخلية كافية و مساكن للتلميذات اللاتي أكملن المرحلة الابتدائية و يردن الالتحاق بالمرحلة الإعدادية ..
قد يفيد العمل على تجاوز هذه المعيقات التي تقف أمام تمدرس الفتاة القروية و تشكل همًا حقيقيا لها مفتاحا يساهم في التحاق أعداد كبيرة من فتيات و تلميذات العالم القروي بالمدرسة و التعلم مثل أقرانهم الذكور و أيضا مثل أقرانهم في العالم الحضري ..كما يجب على المسؤولين على وضع مخططات اصلاح التعليم ببلادنا ان يأخذوا بعين الاعتبار العامل المجالي وطبيعة العالم القروي واكراهاته ،حتى يتسنى تجاوز هذه المثبطات التي تعمق أزمة تعليم الفتاة بالوسط القروي المركبة. وقبل هذا كله يجب النهوض بتنمية العالم القروي تنمية شاملة في جميع المجالات .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 05/12/2019