ما بين فرانكفورت، كولن وبون: مناخ الأرض، مزاج الحضارة…! وجدتني في ألمانيا أهتف بلادي بلادي…(1)

كان موعد الأرض مع مناخها مناسبة لكي استدرج الحكاية الألمانية إلى أعماقي، ما بين مدينة فرانكفورت، حيث حطت بنا الطائرة، ومدينة كولن(كولونيا)، حيث كانت أقامتنا في الفندق، ومدينة بون التي احتضنت العالم كله، ليطمئن على أحوال رئتيه، وبشرته، كانت ألمانيا تتراءى جديدة باهرة ومدرسة واسعة في الهواء الطلق..
كانت الطائرة تنزل من على الغمام المتراكم مثل موجات من قطن ودخان، كما لو أنها تتهيب الهبوط.
ذلك أن تحت الضباب كان هناك ضباب آخر قريب من الأرض. تقترب الأرض وهي متلفعة بضباب سميك، ضباب خلفه ضباب، ثم المطر، نتساءل، بشاعرية طارئة: لكن من أين جاء المطر، لقد كنا فوق السحاب ولم نره؟..
مطر، يتلوه مطر آخر.. تسير الطائرة، وسط المياه ونتذكر، رفقة عثمان الطرمونية، نائب الرئيس في جهة البيضاء – سطات ومهندس الرحلة بامتياز، بلادنا التي جئنا نحمل حلمها في المطر..
ربي قل للأمطار أن تذهب إلى الجنوب، والجنوب بلادي الصعبة بلادي الجنوب الذي كان عليه أن يحضر بقوة في مدينة بون ليقدم خدمته للبشرية، ويقدم خلاصة رئاسته للكوب 22… ويعلن في العالم ما الذي ينقصه لكي تصبح قرارات باريس حول المناخ مساطر عملية ومراسيم للتنفيذ..
في الطائرة تعرفنا، من جديد، على العامل المدير المساعد لشؤون الجماعات المحلية ، السي عبد الكبير حمزة، الذي كنا، عثمان وعبد ربه الضعيف لرحمته، قد عشنا معه أياما مناخية أخرى في مدينة نانت الفرنسية. وتعرفنا بواسطة ««البريفينغ»» الذي قدمه والسيدة المكلفة بالتواصل عن مسألة الأرض مع مزاجها..وكانت رفقته السيدة ليلى الحموشي، العاملة بوزارة الداخلية.. كما صافحنا السيدة الوزيرة الوافي نزهة..مطار فرانكفورت جاثم كمدينة بابل القديمة تحتضن البشر كله، وسوق البشرية بألحان عبد الوهاب الدكالي.. لم يحدث شيء ذو بال، لأن المطار هو البال كله، ضخم ، شرس، واسع ضاج بالبشريات الملونة..
لم نفلت من المطر الألماني، كلما صافحنا مغربيا إلا ودعونا لبلادنا بقليل من مطر الجرمانيين….
كان علينا أن ننتظر سائق الطاكسي، وصل الرجل ووصل الظلام معه، كان الليل قد بدأ يغطي البلاد إلى أن يكشفها لنا في اليوم الموالي..»أوطوروت» وسط الغابات.
كانت مفاجأتي الأولى أن الطريق السيار إلى فرانكفورت، على طول 180 كلم، مشجر إلى مداخل كولن، الغابات، وسط الظلمة والضباب، وسيتأكد في كل رحلة أخرى أن «الأوطوروت» ليست محاطة بالاسمنت والبنايات، التي تحولها، كما في الخط بين الرباط والبيضاء مثلا، إلى طريق وسط المدن!
التفسير الذي اجتهدنا فيه، عثمان وعبد ربه، هو أنه في ألمانيا لا توجد رخص استثنائية:d?rogations! التي تحول الطريق إلى زقاق مهما اتسعت.
الدهشة الثانية، أنه لا سقف للسرعة في ألمانيا، فالسائق كان ينتقل من 100 كلم في الساعة إلى 180 ، كلما سمحت له حركة المرور بذلك، ولا تحصيل مداخيل-بياج!
الدهشة الثالثة، هو أن البلاد الأكثر تصنعا في أوروبا، وإحدى الدول الأكثر ارتباطا بالصناعات الثقيلة، لا تحيط أحزمتها الخضراء بالمعامل والمصانع..!
بعد حوالي ساعة ونصف وصلنا بون ..
يوم السبت كان بالنا مع الفريق الوطني..
وكانت جحافل الكولونيين تمر أمامنا زرافات زرافات، بألبسة ملونة وأقنعة.
اعتقدت أول الأمر أن القضية «هالوين»، كما في الغرب المنتشي ببقايا الوثنيات القديمة،… وكانت الأغاني في الشوارع والساحات، وأمام الفندق وجدنا شعوبا ثملة، تتأرجح من فرط الشراب، والأغاني، نفسها تقريبا، إذا ما أسعفنا الإيقاع وحده، تتردد على نفس الألسنة..
ومن الصدف أننا كنا نتحدث عن المصادفات التي جعلت المغاربة يستبشرون خيرا من مباراة السبت 11
في شهر 11
بلاعبين 11
ويترجمونها إلى إصابتين لصالح المغرب..
كانت الصدفة تعد لنا المفاجأة الغريبة، والتي تجعل من المهرجان الذي كان أهل كولون يحتفلون به
مهرجان يوم 11
شهر 11
الساعة 11
الدقيقة 11
!!
كنا أمام الفندق، كان التعب قد نال منا .. ومع ذلك خرجنا بعد أن رتبنا شؤون المبيت وغيره.
أمام الفندق كان شعب ألمانيا يترنح، ذكورا وإناثا يقبلون بعضهم بفم ملبد بالجعة!
رجعنا بعد قليل، ووجدنا الفندق قد امتلأ بشعوب المهرجان: وجوه مصبوغة بالأصفر والبني وملابس بكل الألوان، لكن يطغى عليها الأحمر… ونحن نتابع المباراة ونهتز في غرفتينا.. بعد الإصابة الأولى قلت لعثمان:عل الله يزيدهم الثاني لكي نرتاح ولا نبقى تحت رحمة الضغط، بعدها بقليل هاتفني عثمان ليفرح ويقول لي:لو كان غير طلبت شي حاجة أخرى..
كنت أطلب المطر لبلادي التي قرب الشمس والصحراء
بلادي العطشانة بين بحرين..
ولا أذكر ليلتها أنني رأيت مناما
لا أذكر بتاتا أنني تحدثت إلى نفسي، إلا بما ارتسم في أعماقي من مشاهدات أولية:مطر، ليل ، ضباب مطر من جديد، وشعب يترنح على ضفاف الراين وأمام محلات الجعة، يحمل القناني ويكسر الكؤوس فرحة..
المهرجان:مهرجان كولن ، بمثابة الفصل الخامس، بمعنى أوضح في كولن هناك
الربيع
الصيف
الخريف
الشتاء
المهرجان… يبدأ رسميا يوم 11 نونبر وينتهي يوم أربعاء الرماد، يوم المهرجان يوم عمل وقد يذهب الناس بأقنعتهم وصباغاتهم وملابسهم المزركشة إلى أماكن العمل!
أحد الأسابيع يعرف أشياء عجيبة، منها حرص النساء على قطع ربطات العنق للرجال وتعفي الأعراف رجال الأمن من ارتداء الربطات «الكرافاتات» حتى لا يتم قصها: هيبة الأمن!
وفي نفس اليوم النساء يقبلن المارة على خدودهم..
يا الهي كيف ستكون كولن غدا الأحد والمهرجان في أول أيامه؟
لا أثر لصخب البارحة صبيحة يوم الأحد…
كانت بون تنتظرنا، على بعد حوالي ثلاثين كلم..
كان الأحد ينتظرنا بأول نشاط لنا في الكوب 23، والتي تترأسها جمهورية فيجي..في المحيط الهادئ:كما لو أن الأرض تنتقل من محيط إلى محيط
من الأطلسي
إلى الهادئ..
وعلمنا من بعد أن للمغرب يدا في احتضان فيجي للقمة الثالثة والعشرين للمناخ، التي يعد سكانها أول بحارة في تاريخ الإنسانية …لأن جمهورية فيدجي تضم 322 جزيرة.. ايييه نعام السي، ثلثها فقط آهل بالسكان!
وعلمنا أن ألمانيا مدت يد المساعدة لجزر فيجي لأنها وجدت صعوبة في احتضان القمة وأنها أقرضتها جزءا من الأرض..لذلك! والسبب واضح هو أن فيدجي لم يكن بإمكانها أن تحتضن القمة، أي حضور ما يقارب 20 ألف نسمة، في … مكان واحد!
الأحد 12 نونبر
كان أول نشاط نحضره، صبيحة الأحد ، وكان علينا أول ما وصلنا إلى مدنية بون – بون يا بون- أن نجد مقر الأنشطة: فضاءان أعدا لذلك : بون زون، وهي مفتوحة لكل من يحضر المؤتمر، وبولا زون، خاصة بالأمم المتحدة ..وضيوفها!
وقف بنا سائق الطاكسي أمام قصر المؤتمرات، بناية ضخمة لكنها متقشفة وبهية ببساطتها، كان علينا أن نسأل أحد الشباب الذي بدا من سحنته أنه عربي أو شرق -أوسطي.
أملنا في أن يكون مغربيا لكن…، دلنا على مقر الأمم المتحدة.
وجدنا موظفين أمميين أخبرونا بأن المقر، الخيمة «مصكرة» على حد قول رجل مشرقي..
وطلب منا العودة يوم الاثنين! لكنهم دلونا على مكان الحافلة، التي ستقلنا إلى المقر الآخر: توجهنا، عثمان وأنا ومعنا رفقة طيبة، إلى محطة وقوف الأوطوبيس، وجدنا الوفد المغربي، بعضهم التقيناه في المطار والبعض الآخر وجدناه أول مرة: أغلبهم رؤساء الجهات أو ممثلوها وبعضهم من الجماعات الترابية، إضافة إلى مسؤولين في وزارة الداخلية.
وصلنا إلى «زون بون»، وكان علينا أن نحصل على «البادج» الذي سيسمح لنا بالدخول إلى مقر المؤتمر…..
ودخلنا بالفعل، ومازلت أشعر إلى حد الساعة أننا كنا نشعر بالألفة في ألمانيا ولكننا شعرنا، في لحظة ما، بغير قليل من الغربة مع مسؤولين (كثر ) عن الحضور المغربي..
لا يهم ، ربما هو شعور فقط ، لأننا لم نكن نعتبر ضمن الوفد المغربي!!!!!
زرنا الرواق المغربي، كما يليق بمغربي في محفل إنساني كبير، وجدنا رفاق الكلمة وزملاء صحافيين، بعضهم لم نره منذ سنوات طوال.. وجدت رفيقا طالت غيبتنا عن بعض، الرفيق بليخانوف وزملاؤه في وزارة البيئة..صافحنا الآخرين من الوفد الذين سبقونا إلى المؤتمر بأيام..
التقطنا صورا للذكرى .. وتم إخبارنا بأننا سنتوجه إلى قاعة جانبية، حيث سيعقد المغرب، في شخص رئيس الكوب22، صلاح الدين مزوار ندوة عن المغرب والمناخ، عن مراكش وباريس وما بينهما من تحولات مناخية…..

في عدد الغد، أول نشاط :
ألمانيا تحقق المعجزة، و…تجعلنا نحب مزوار!


بتاريخ : 21/11/2017

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *