متابعات : قراءة سوسيونصية للمجموعة القصصية «في الطريق إليك»

 

في إطار فعاليات المعرض الإقليمي للكتاب والقراءة، الذي تنظمه المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والشباب والرياضة، بمعية شركائها، احتضنت قاعة المعرض بعد زوال يومه الأربعاء 04 دجنبر 2019، حفل توقيع كتابين، الأول «عش حياتك بطاعة وتفاؤل» لخديجة البركي، والمجموعة القصصية «في الطريق إليك» لابراهيم الأفغاني. بتسيير من الأستاذ محمد أمداح الذي أثنى على الملتقى والمنظمين وشركائهم، مثلما عرف بالمتدخلين.
في تقديمه للكتاب الأول، قدم الأستاذ إبراهيم الأفغاني قراءة في العنوان وإيحاءاته، ثم تناول تردد أفعال الأمر في النص، ودلالاتها في تحفيز الناس على الثقة في أنفسهم، والإقبال على التغيير الإيجابي…
في حين قدم الدكتور عبد الرحيم الخلادي ورقة نقدية تحت عنوان (قراءة سوسيونصية في المجموعة القصصية «في الطريق إليك»). حيث افتتح بشكر مديرية الثقافة، والجهات الشريكة، والحضور والمشاركين. وقد انطلق من تبرير اختياره لهذا الموضوع، بكونه كفيلا بتقديم مشاهد من الكتاب إلى المتلقي، وذلك نظرا للعمق الاجتماعي والثقافي للنص الذي أنتجه الكاتب ضمن لغة قومه وثقافتهم وانطلاقا من المتخيل الجمعي والقيم المشتركة، ثم قام بعملية تحويل وبنقل سردي واع وغير متعال عن الواقع، بحيث يتمفصل النص السردي بين الحكاية والخطاب.
على مستوى الفضاء المكاني: تتعدد الفضاءات المكانية في النص، بين زاكورة، وأساكي، وتاليوين، وهوارة، وأكادير، وتوبقال، وإكيدي، وتغازوت، والبيضاء، وطنجة، والصويرة… وهي فضاءات نظر إليها الكاتب بعين الحب والجمال، مع انجذاب واضح إلى مدن الجنوب وقراه… حيث اقتنص العديد من اللقطات كقوله في نص «لوحدي»: (جوار البلدية – بتاليوين – نساء جالسات يتجاذبن أطراف الحديث، وأطفال يتراقصون في انسجام تام مقلدين فرق أحواش التي تنبض رقيا وعراقة، وعجوز من فرط الإعجاب جعات تصفق بيديها فرحا بهذه اللحظة السعيدة). حيث يصف المشهد بحركيته في إطار ما يسميه الناقد جابر عصفور بتوثيق اللحظة.
على مستوى النقد الاجتماعي: رصد الكاتب العديد من الظواهر الاجتماعية، ناقدا إياها، بشكل أو بآخر، كنقد تأثيرات الفايسبوك في حياة الناس، وجعلها مظهرا للتباهي، والتباين الطبقي… في نص «لوحدي»، إضافة إلى نقد بعض السلوكات الاجتماعية على الشاطئ، في نص «شاطئ أكادير». وفي نص «وتلك الأيام» قال: «ألقيت النظرة الأخيرة على (أساكي) ومقاهيها، كانت نظرة مودع يشك في العودة، فركوب الحافلة ببلدي أشبه ما يكون بفيلم رعب، لا ينتهي إلا عندما تنزل منها سالما معافى»… بالإضافة إلى أمثلة أخرى…
على مستوى التربية والتعليم: لهذا الموضوع حضور قوي بحكم انتماء الكاتب إلى أسرة التعليم، ومن ضمن ما ورد في نص «مرحبا بالأستاذ»، سرد مشاهد استقبال الأستاذ الجديد من طرف أهل الدوار، حيث يلتف المجتمع بالمدرسة في مشهد نادر. وقد صور الكاتب أيضا مظاهر الحية التي يعيشها الأستاذ، والأسئلة التي تؤرقه وهو متجه إلى مقر عله لأول مرة، حيث المدرسة بعيدة، ووسائل النقل نادرة، والسكنية مهترئة، والفراغ القاتل… وفي ثنايا هذا التتبع، صور اندماجه من أول يوم مع أهل القرية الذين استقبلوه بحفاوة في مجلس بالليل، بحيث تبين أنه يتقاسم معهم نفس القيم والمرجعيات: «أحسست بألم شديد في ركبتي، أردت مد رجلي قليلا إلى الأمام، لكن الكل ضام رجليه إليه، ولا أريد أن أشكل الاستثناء».
على مستوى الخطاب الساخر: تلعب السخرية دورا بارزا في تكسير رتابة السرد وإضفاء جمالية على النص السردي… وقد استعان بها الكاتب في مواضع عدة، منها نص «في الليل» حيث حرمته الكلاب من النوم وهي على باب السكنية، حيث قال «اللهم شتت شمل الكلاب». وفي نص «سن الغزال»، استرجع مشاهد من طفولته، حيث الثقافة الشعبية تؤمن بصيغة للحصول على سن الغزال، إذ قال الكاتب: «ياشمس هاك سن الحمار، وأعطني سن الغزال. كنت أنطق بالكلمات وأنا حائر كيف أمكنني حمل سن حمار طوال هذه المدة؟ ومن أين جاءتنا أسنان الحمار ونحن صغار؟».
وقبل الختام تناول الناقد، بعض النصوص المغرقة في الخيال، مبينا محتواها ووظائفها، إلى جوار باقي الخصائص الفنية التي جعلته يحكم بأن نص «في الطريق إليك» تتوافر فيه حدود من الشعرية على حد تعبير جاكبسون، لأنها ليست تصويرا للوقائع في حد ذاتها، بل تحفها رؤية الكاتب.
وبناء عليه، يقول الناقد بأن صاحب النص قام بالجمع بين المسرودات باعتبارها أفعالا وقوى فاعلة وفضاءات زمانية ومكانية، وبين تشخيص السارد الذي ينطلق من رؤية فنية يمد بها قنوات التواصل مع المتلقي، عبر خلق عالم لغوي تنتفي فيه العلاقة بين الأدبي والواقعي، وبين الحقيقي والمتخيل، حيث تبنى استراتيجية تنفتح على القارئ برؤى متنوعة. هذا القارئ يشعر بانتماء النص إليه، بحيث يجد نفسه في صلب التشاكلات الاجتماعية والتاريخية والثقافية والنفسية…


الكاتب : عبد الجليل بتريش

  

بتاريخ : 12/12/2019