محمد الكواز بطل أكبر عملية نصب عقارية بالشمال….. قصة صعود وهبوط بسرعة الفورمولا 1

مسار أو بالأحرى قصة محمد الكواز تستحق أن تكون مادة دسمة لسيناريو فيلم طويل، تحكي قصة الصعود المفاجئ والسقوط نحو الهاوية….

بطل الفيلم الذي لا يتعدى تكوينه مستوى الإبتدائي، انطلق من عالم الميكانيك، حيث اشتغل بأوراش إصلاح أعطاب السيارات بمدينة طنجة، قاده طموحه وشغفه بركوب «سيارة الحياة» بأقسى سرعة إلى الاصطدام بأول منعرج وتحطيم آماله بتحقيق الثروة المشتهاة، بل وتحطيم أمل أكثر من 140 أسرة كانت تحلم بسكن ثانوي على شط البحر، ليجدوا أنفسهم على شط المحاكم أمام متهم رئيسي لا يتجاوز رصيده البنكي 10 آلاف درهم، ومتهمين آخرين قد تصيبهم سهام المحاكمة وقد لا تصيبهم.
باعتقال « محمد الكواز» الذي يعتبر بطل أكبر عملية نصب عقارية بالشمال، تكون المصالح الأمنية بولاية أمن تطوان قد وضعت يدها على صيد ثمين، لاستكمال البحث والتحقيق في ملف نصب راح ضحيته عشرات من الأشخاص، بعد النصب عليهم في عمليات بيع شقق بيعت أكثر من مرة، بكل من مرتيل وأمسا، قبل أن يفتضح أمره ويفر منذ سنتين، لتصدر في حقه أكثر من 15 مذكرة بحث واعتقال على الصعيد الوطني والدولي.
وهكذا تمكنت عناصر الشرطة القضائية بتطوان، يوم الجمعة 7يوليوز 2017، من اعتقال أحد أهم المطلوبين للعدالة بالمنطقة، بمقهى ليكسيس وسط مدينة العرائش ويتعلق الأمر ب»محمد الكواز»، منعش عقاري مطلوب في واحدة من أكبر عمليات النصب التي عرفتها تطوان والنواحي.
وبحلوله ليلة الجمعة بولاية أمن تطوان للتحقيق معه، بعد أن كان قد تمكن من الفرار لخارج المغرب، يوم 28ماي 2015، أي لحظات قليلة قبل انفجار الفضيحة، تاركا وراءه أكثر من 140 ضحية كانت تحلم بامتلاك سكن ثانوي أو رئيسي بأرقى منتجعات المنطقة الشمالية.
وتعود فصول قضية «الكواز» لشهر ماي من العام 2015 حينما اكتشف عدد من الأشخاص من مدن مختلفة، أنهم ضحايا عملية نصب بعد اقتنائهم لشقق بمركب سياحي بالقرب من كابو نيغرو وبمنطقة أمسا الشاطئية، إذ تبين أن كل شقة بيعت لثلاثة حتى أربعة أشخاص، تمكن بدهائه وبمساعدة أطراف ذكرها من تسجيل كل عقد من العقود مع ضحاياه لدى موثق مختلف حتى لا ينكشف نصبه، إلا أنه ومع بداية صيف 2015 وانتهاء الجزء الأكبر من الأشغال بالمركبين الاثنين، توجه أصحاب الحقوق لتسلم منازلهم وفق العقود المبدئية للبيع، لكنهم فوجئوا بوجود شركاء لهم في ذات الشقق، لتنشب معارك ضارية بين الضحايا أنفسهم في محاولة كل واحد منهم بالظفر بالشقة، بل منهم من استعمل البلطجية للسيطرة على الشقة المفترض ملكيته لها، واضطر إلى الإقامة بها، مستعملا منطق « اللي فاق بكري …. يستولي».
وبمجرد عرض ملفه على أنظار النيابة العامة المختصة، قررت تجزيء ملف الكواز، وذلك بمتابعته أمام المحكمة الابتدائية بتطوان في قضية الشيكات بدون رصيد، بتهمة عدم توفير مؤونة شيكات عند تقديمها للأداء طبقا للمادة 316 من مدونة التجارة، وأمام أنظار محكمة الاستئناف بتطوان في قضية النصب والاحتيال، حيث إنه من أصل أكثر من 140 ضحية مفترضة في قضية، أحد عشر مشتكيا فقط تقدموا أمام النيابة العامة بتطوان بشكايات تتعلق بإصدار شيكات بدون رصيد، إذ أنهم تفطنوا قبل فراره وحاصروه بالفضيحة ليقرر تصفية القضية وديا معهم عبر منحهم قيمة تسبيقاتهم بواسطة شيكات بدون رصيد. إذ أن الشيكات التي تقدم أصحابها بشكايات لدى السلطات القضائية بتطوان وصلت قيمتها 2.889.775 درهم، طالب أصحابها جميعا بإسترداد مستحقاتهم كما عبروا عن استعدادهم لتسوية وضعية شيكاتهم مع المشتكى به.
وصرح جميع المشتكين أنهم تسلموا من محمد الكواز وأخيه عبد الحفيظ تلك الشيكات بعدما كان قد وعدهم ببيع شقق منزلية غير أنهما لم يكملا معهم عملية البيع، بعدما سبق لهم أن قاموا بدفع أقساط لتلك الشقق، غير أنه تعذر عليهم استخلاص قيمة الشيكات في الوقت المحدد.
الشق الثاني من القضية والتي تكلفت به النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بتطوان، تتعلق بتهمة تكوين عصابة إجرامية في إطار اتفاق مشترك من أجل تزوير عقود رسمية وعرفية والنصب والاحتيال والتصرف في عقارات اضرارا بالسابق التعاقد معهم بشأنها والمشاركة، حيث ذات المحكمة كانت قد تابعت تسعة أشخاص على خلفية ذات الملف، غير أن اعتقاله من شأنه أن يعيد ملف المحاكمة إلى نقطة الصفر، خصوصا في ظل تصريحاته التي أدلى بها أمام المحققين، والتي كشف من خلالها عن معطيات دقيقة بشأن تلاعباته وتواطؤ جهات يفترض فيها حماية الجهة التي تتعامل معها من منطلقات مهنية وقانونية.
تصريحات الكواز أمام الضابطة القضائية، عرت وكشفت جبل الثلج العائم في القضية، حيث ذكر بالاسم خمسة موثقين بمدينة تطوان وخمسة عدول بذات المدينة وموظفين اثنين بإحدى المقاطعات التابعة لجماعة مرتيل، ومسؤولين إثنين ببلدية مرتيل ومستشار جماعي بذات الجماعة، هذا الى زوجة أحد الموثقين بالاضافة إلى أحد السماسرة بمدينة مرتيل.
فالكواز، الذي لا يتجاوز مستواه التعليمي الرابعة ابتدائي، والذي عمل في بداية مساره مكانيكيا بمدينة طنجة، هاجر إلى الديار الإسبانية سنة 2005 بعدما حصل على عقد عمل بإحدى الشركات المتخصصة في مجال البناء والأشغال العامة التي يمتلكها أحد أقاربه، لينتقل إلى مدينة تطوان سنة 2006 بعد الأزمة الاقتصادية التي عاشتها أوربا، حيث قام قريبه بنقل نشاط شركته إلى المغرب، لينطلق في تشييد مجموعة من البنايات والعمارات بالمنطقة، ويراكم تجربة ويكسب ثقة مجموعة من الزبناء.
جشع محمد الكواز، ورغبته في تسلق سلم النجاح واكتساب المال، جعلاه يشرع في نهج أسلوب الاحتيال وبيع شقق لأشخاص متعددين رغبة منه في سرعة الإنجاز وشراء عقارات بالمنطقة، خاصة وأن تلك الفترة كانت المنطقة تعرف تحولات جذرية على مستوى البنيات التحتية والتحديثات.
هذه البداية المتعثرة، جعلت شركاءه يتفطنون للأسلوب الاحتيالي لشريكهم بالمغرب، مما جعلهم يفضون الشراكة معهم ويعمدون إلى تصفية الشركات التي أسسوها بالمغرب، بعدما تحصلوا على جزء من مستحقاتهم، ليشرع الكواز في البحث عن شريك آخر أو بالأحرى عن ضحية آخر لتمويل مصاريف مشاريعه التي بدأت تنمو وتتكاثر.
هذا المسار الإجرامي الذي نهجه الكواز ما كان ليتعاظم ويكبر لولا التعاملات المشبوهة التي يسرت له الأمور، وفتحت له طريق النصب في المجال العقاري بالمنطقة، فمجال التعاملات التجارية في هذا المجال، يتم عبر مكاتب الموثقين والعدول وكذا بمباركة لمصالح الدولة منها على الخصوص الجماعات الترابية ومصالح المحافظة العقارية بالمنطقة.
وتصريحات المتهم الرئيسي في الفضيحة وإن لم يذكر منها بعض الأسماء خاصة بمصالح المحافظة العقارية بالمدينة، إلا أنها وجهت تهم التواطؤ والمشاركة في هذا الملف، خاصة تصريحاته المتعلقة بتفويت عمارة بحي أحريق الواد المالح بمارتيل ذات الرسم العقاري 8721/76 و عمارة أخرى بذات الحي ذات الرسم العقاري 44482/19 لزوجة أحد الموثقين بتطوان، والذي قام باستصدار شهادة التحفيظ بإسم زوجته في أقل من 48 ساعة بعد عملية البيع، وبيوم واحد قبل فراره من المغرب.
بل تصريحاته هاته، شددت أن عملية البيع تمت في الساعة الواحدة ليلا بمكتب الموثق وبدون حضور زوجة الموثق، وأشرف عليها عدلان بتطوان.
كما ذهب الكواز في أقواله إلى التأكيد أن معاملاته الاحتيالية والتدليسية مع زبنائه كانت بعلم الموثقين الذين ذكرهم بالإسم وسرد المشاريع الاستثمارية التي قاموا بالإشراف عليها، غير أنه في آخر المطاف استقر على التعامل مع الموثق الأخير والذي تردد اسمه كثيرا في محاضر التحقيق معه، بل اتهمه بسرقته 1.600000 درهم ، بعدما سلمه شيكين بينكيين بمبلغ 800000 درهم لكل واحد منهم، وتم التدليس عليه وتنصل من أداء قيمتهما .
معاملاته التدليسية هاته، لم تتوقف فقط مع الاشخاص بل تجاوزتها إلى مستوى المؤسسات، حيث إنه وخلال مساره في مجال البناء، تمكن من تأسيس خمس شركات، لم يسدد لفائدة الدولة ولو درهم واحد ولم يؤد الضرائب المترتبة عليها منذ 2014، على الرغم من أنه قام ببيع مجموعة من الشقق باسم الشركات لفائدة الاغيار.
لكن اللغز المحير في هذه القضية، يبقى هو اختفاء المبالغ المتحصل عليها في عملياته التدليسية الاحتيالية، خاصة وأنها تعد بالملايير بالنظر إلى عدد الضحايا في الملف، والتي لم يظهر لها أثر بعد حين، بالنظر إلى أن بطل الملف « محمد الكواز « أصبح مفلسا ولم يجد المحققون في رصيده البنكي سوى مليون سنتيم بإحدى وكالات البنك الشعبي بمدينة تطوان، ومبلغ ثلاثة ملايين سنتيم نقدا وجدت بحوزته لحظة اعتقاله بمدينة العرائش، بالإضافة إلى شقة بشارع الجيش الملكي والتي يقتسمها مناصفة مع زوجته، فأين تبخرت كل هذه الملايير ومن هي الجهة التي خططت لهذا الصعود والهبوط المفاجئ.
خطورة الملف و تداعياته، دفعت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف إلى  إحالة ملف «الكواز و من معه «على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق أكثر في مسار هذا الملف الذي شغل الرأي المحلي و الوطني منذ 2015 ،سيما بعد الكشف عن العديد من الأسماء «الغليظة»المتورطة فيه من خلال التحقيق الذي باشرته الشرطة القضائية بولاية تطوان، الذي أسفر عن وجود مسؤولين لهم ارتباط بالملف المذكور ،حيث ينتظر أن تميط التحقيقات التي ستجريها الفرقة الوطنية  اللثام عن أسماء اخرى لها ارتباطات بهذا الملف الشائك .


الكاتب : جواد الكلخة / ع المالك الحطري

  

بتاريخ : 17/07/2017