محمد بن عبد القادر: ضرورة إدماج تكنولوجيا الاتصال والتواصل في عملنا الحزبي لتيسير الانخراط و التأطير والاستقطاب في ظل عالم تهيمن عليه اليوم الثورة الرقمية

أكد عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد بن عبد القادر، في مداخلته التي ألقاها بمقر الحزب بمدينة تارودانت، مساء يوم السبت 24 مارس2018، أن هناك مهاما حزبية نضالية جديدة ينبغي أن ننخرط فيها جميعا ونتعبأ لها تعبئة شاملة لأن المرحلة الحالية تستوجب ذلك.
وجاء في مداخلته حول موضوع»الاتحاد الاشتراكي وأسئلة المرحلة» أن طرح سؤال أية مهام للحزب في هذه المرحلة، يعبر بعمق عن قلق حزبي إيجابي، ربما لأن الاتحاديين اليوم غير راضين عن أوضاعهم التنظيمية والسياسية وعن أدائهم الحكومي، في الوقت الذي يعتبرون أنهم يستحقون وضعا مريحا وموقفا واضحا أفضل مما هو عليه الحزب اليوم من أجل أن يتمكن من تصريف برامجه وهو يشارك في تدبير الشأن العام.
لهذا اعتبر عضو المكتب السياسي طرح هذا السؤال في هذه المرحلة الراهنة عملا مشروعا ما دام أن لا شيء يمنع الأحزاب في مسارها التاريخي من أن تعيد طرح الأسئلة على ذاتها في كل مرحلة توجد فيها، خاصة إذا عاشت تلك الأحزاب هزات ورجات في مسيرتها السياسية، لذلك فطرح السؤال بهذه الكيفية مسألة منطقية وواقعية تنسجم مع منطق الأشياء ومنطق التاريخ وإلا سقط حزبنا الحي بأفكاره ومناضليه في تلك الدوغمائية السلبية والعدمية التي سقطت فيها، للأسف الشديد، العديد من الأحزاب المحسوبة على اليسار.
ومن ثمة، فإثارة السؤال من لدن الاتحاديين في هذه المرحلة بالذات هو الطموح الإيجابي الذي يجب التفاعل معه أيضا إيجابيا لأن الحزب الحي هو الذي يجدد أسئلته ويجدد برامجه ويضع خياراته الاستراتيجية والتنظيمية والسياسية وفق المرحلة التي يعيشها وإلا سيكون حزبا ميتا لا محالة وحزبا دوغمائيا جامدا يلفظه التاريخ ويرميه في سلة المهملات.
هذا وقبل أن يتطرق محمد بن عبد القادر إلى المهام المطروحة على حزبنا حاليا، عرج على مختلف الأزمات والهزات التي عرفتها الأحزاب السياسية عالميا اليسارية منها والليبرالية على حد سواء، بأوروبا وأمريكا اللاتينية، وهنا وقف عند الأزمات التي يعرفها الحزب الجمهوري الأمريكي في ظل حكم»ترامب»وحزب العمال الإسباني في ظل صعود قوى سياسية جديدة أفرزتها الاحتجاجات ضد الأزمة المالية العالمية، والأحزاب الفرنسية التقليدية الاشتراكية واليسارية والليبرالية التي اندحرت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على يد حزب فتي وجديد لم يمر على تأسيسه إلا بضعة أشهر، وقال بن عبد القادر في هذا الشأن:»لأول مرة يؤسس شخص حزبا في ثمانية أشهر، فيدخل به الانتخابات الرئاسية ثم بعدها إلى قصر الإيليزي».
وتحدث أيضا عما عاناه الحزب الإيطالي من أزمات أدت به إلى هزيمة قاسية في الانتخابات الأخيرة، ونفس الشيء وقع لحزب العمال بأمريكا اللاتينية وخاصة بالبرازيل على إثر فضائح المالية التي اتهمت بها الرئيسة السابقة والرئيس السابق، وأخيرا مآل حزب العمال البريطاني.
وأضاف أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب وطني كبير، وحزب معروف عالميا وله علاقات دولية كبيرة لكنه للأسف عرف ما عرفته جميع تلك الأحزاب العالمية التقليدية من أزمات.
وأشار إلى أن أزمة الاتحاد ينبغي أن نناقشها بهدوء تام وعقل بارد فالحزب الحي المنافس والمتصدر للمشهد السياسي، سواء في تدبيره للمعارضة أو تدبيره للشأن العام،لا بد أن يجد عراقيل عديدة ذاتية وموضوعية في مسيرته السياسية، ويجد صعوبة في تنزيل مشروعه السياسي وتطبيق برنامجه على أرض الواقع.
وأضاف عضو المكتب السياسي أن السياسة بصيغتها الإيجابية هي فن الممكن بامتياز، والبحث عن آفاق جديدة تستجيب لانتظارات جماهير المنخرطين والمتعاطفين، ومن ثمة كان لا خيار له إلا أن ينخرط في كل مرحلة تاريخية ويتفاعل مع انتظارات الشعب المغربي، وهذا حال جميع الأحزاب العالمية التي تعرضت لتقزيمات في ظل المرحلة الجديدة، مرحلة العولمة الكاسحة والمدمرة للبنيات الاجتماعية حتى كادت أن تزعزع في أحيان كثيرة مفهوم الدولة وخاصة بعد بروز الظاهرة الرقمية التي ألهت الناس ودخلت البيوت وخلخلت المفاهيم السابقة بل كادت أن تشكك في قيمنا وتمثلاتنا، إذ أن كل شيء تغير في ظل العولمة ومعها تقلص دور الأحزاب في ظل هذه الموجة العالمية الكاسحة التي أحدثت تأثيرا سلبيا على العمل السياسي النبيل والجاد وقلصت من العمل الحزبي، كما أن عددا من الأحزاب المغربية، ومنها الاتحاد، لم تستوعب بعد هذه الثورة الرقمية لأن هذه الأحزاب تأخرت عن استيعابها وتوظيف خدماتها في مشروعها التنظيمي والتأطيري والتثقيفي والسياسي عكس الأحزاب العالمية الأوروبية والأمريكية التي استفادت من خدمات العولمة في هذا المجال، «وهذه هي الطامة الكبرى، يقول عضو المكتب السياسي، بحيث بقي معظمنا يدبر العمل الحزبي والتنظيمي اليومي بطرق تقليدية متجاوزة في الوقت الذي قامت به الثورة «الفايسبوكية» بخلق عدة تجمعات افتراضية بأوروبا مثلا. حيث استطاعت تجميع 50 ألف شخص، في ساحة واحدة في مدة زمنية معدودة لا تتعدى بضع دقائق، وذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعية الجديدة(الفايسبوك،الواتساب،تويتر…)». وأكد أن الثورة الرقمية اليوم أكثر فعالية ونجاعة في التواصل، بل هي الطريقة المثلى التي تنسجم مع منطق العمل الحزبي الجديد الملائم لهذه المرحلة، خاصة أن الاتصال والتواصل عنصران أساسيان وحاسمان في النضال ولذلك لا يمكن أن نهمل هذه الثورة الفاعلة والمؤثرة التي لم نحسن للأسف استعمالها في عملنا السياسي والتنظيمي الجديد، بدليل، يقول بن عبد القادر، أن الأحزاب العالمية الأوروبية والأمريكية المستعملة لهذه الثورة الرقمية، أصبحت أكثر تواصلا وتفاعلا واتصالا بالمنخرطين، وأعطى أمثلة حية بأحزاب إسبانية وفرنسية وإنجليزية، أصبحت ترتكز على الانخراط الحزبي والتواصل مع المنخرطين عبر البوابات الإلكترونية، معطيا مثالا حيا بالحزب اليساري الإسباني الذي قام ببعث فكرة قديمة كانت معروفة عند اليونان وهي «الأكَورا» التي تعني الساحة، حيث تمكن من خلق ساحة افتراضية لكن على الأنترنيت، من خلال تشبيك الاتصالات مع المنخرطين والمتعاطفين عبر الفايسبوك والواتساب والتويتر…
«وهنا نستنج، يضيف بن عبد القادر، أن الثورة الرقمية قد ابتلعت الفضاءات والساحات العمومية، بل أصبح لها تأثير على أهم القرارات بالبلاد، مما يجعلنا اليوم كاتحاديين نطرح سؤالا وجيها: هل نوجد نحن في هذه الثورة الرقمية؟ وهل تفاعلنا مع بعضنا البعض عبر وسائل التواصل «الفايسبوك» و «الواتساب» و»التويتر»؟ وهل مازلنا نؤطر الرأي العام كما كنا قبل أربعة عقود من الزمن؟».
هذا وفي معرض حديثه عن المهام المنوطة بالاتحاديين في هذه المرحلة الدقيقة، تساءل عضو المكتب السياسي ما العمل إزاء هذه التطورات التي نعرفها اليوم، في ظل ثورة رقمية خطيرة ؟ هل سنجدد أدوات الاشتغال ونطور أداءنا على المستوى التنظيمي والسياسي أم نبقى نجتر تلك الأدوات البالية ونعمل بطرق تجاوزها العصر؟
لقد طرح هذه الأسئلة الراهنية بغاية تنبيه من بقي يجتر ويكرر عن قصد أو بدون قصد، خطاب التأزيم والفاشية والتيئيس وخطاب العدمية والأرض المحروقة لأن مثل هذه الخطابات التيئيسية لا تطور أبدا العمل السياسي، بل تجعل الناس ينفرون منه، لذلك حث محمد بن عبد القادر، المناضلين والمناضلات على الاشتغال بهندسة جديدة وبطرق تنظيمية وبمقاربة مغايرة أكثر فعالية خاصة أن الحزب ومنذ مؤتمره العاشر لم تعد فيه مشاكل تذكر.
وحدد المهام التي يجب أن ينخرط فيها الجميع في أمور أسياسية من أبرزها:1- العمل على ضخ دماء جديدة في الحزب، في الأجهزة والهياكل، من خلال استقطاب كفاءات وطاقات مجتمعية جديدة،لأن التوجه نحو المستقبل لن يتم إلا عبر تسطير برنامج نضالي على المدى البعيد مع طرح أسئلة حقيقية لاستشراف المرحلة السياسية المقبلة.
2 – تعزيز شرعية المؤتمر العاشر الذي نستند على مقرراته في تنزيل البرنامج وتفعيله وتطبيقه واستثمار ما يتوفر عليه الحزب حاليا من كفاءات على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني من أجل تحقيق هذا المشروع الطموح، لكن بطريقة جديدة تعتمد النجاعة في تدبير الموارد البشرية وتدبير مسارات المنخرطين بعقلانية ونجاعة.
3 – تجنب الصراعات الداخلية الهامشية التي كانت بسبب الزعامات الإقليمية والجهوية والوطنية، وذلك بتدبير الاختلاف بعقلانية والإنصات إلى جميع الأفكار، بما في ذلك الحركات التصحيحية للترفع عن الأشياء التافهة من أجل مصلحة الحزب وتطوره وبقائه قويا وحيا.
4 – اختيار قيادات إقليمية وجهوية داخل الأجهزة الحزبية ممن لها أثر حقيقي وملموس في المجتمع، ولها امتدادات جماهيرية مجتمعية لأن الرهان اليوم هو بالقواعد وليس بالأجهزة، بدليل أن العمل الحزبي الجاد هو في الميدان وداخل المجتمع .
5 – ضرورة تنمية العمل الحزبي على مستوى القاعدة بتوسيع الانخراط وتنوعه عبر إعداد مخطط تواصلي استراتيجي ناجع على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي يبدأ بتطوير المواقع الإلكترونية الحزبية وتدبير الموارد البشرية بدون إقصاء وإدماج تكنولوجيات الاتصال في عملنا الحزبي.
6 – تطوير الأداء الحزبي بتغيير الصورة النمطية عن الأجهزة الحزبية السابقة التي كان عملها منحصرا في تدبير لوائح المترشحين والمترشحات وتدبير المقرات الحزبية والاجتماعات، بل ينبغي أن تكون هذه الأجهزة واجهة سياسية لحركة اجتماعية وأن تكون متصدرة لكل المسيرات والمعارك وهذا يتطلب تقوية الأذرع الحزبية في جميع القطاعات الموازية نسائية أو شبيبية أوطلابية أوجمعوية أوثقافية لأن التغلغل في المجتمع لن يتم إلا بهذه الأذرع.
7- ضرورة بناء خلفية اجتماعية لترشيدها وعقلنتها و تأطيرها لأن المجتمع اليوم في حاجة ماسة إلى مدرسة الاتحاد، إلى قيمه وتأطيره واقتراحاته وإلى نخبه، ومن ثمة علينا الرجوع مرة أخرى إلى امتدادنا الجمعوي والسياسي والجامعي والإعلامي..لنكون في مستوى انتظارات الشعب المغربي في المرحلة الحالية.
هذا وكان اللقاء الحزبي التواصلي قد افتتح بكلمة الكاتب الإقليمي للحزب بإقليم تارودانت»محمد جبري»، أكد فيها أن اللقاء يدخل ضمن البرنامج الذي سطرته الكتابة الإقليمية من أجل عقد لقاءات تواصلية داخلية للفروع الحزبية حول موضوع»الاتحاد الاشتراكي ومهام المرحلة»، وذلك في أفق إطلاق عملية تجديد الفروع القديمة وتأسيس فروع جديدة وصولا إلى تجديد الكتابة الإقليمية، لذلك يعول الاتحاديون بالإقليم على محمد بن عبد القادر، بصفته مكلفا من طرف المكتب السياسي بجهة سوس ماسة إلى جانب أمينة الطالبي، من أجل إعطاء دفعة جديدة للتنظيم الحزبي بالجهة.
كما أشار كاتب فرع الحزب بتارودانت»مبارك لشكر» إلى أن موضوع اللقاء التواصلي هو الإجابة عن ماهية التنظيمات الجديدة التي ينبغي أن تواكب المرحلة الجديدة، والإجابة عن سؤال هل ما زلنا بنية اجتماعية تستجيب لتطلعات الجماهير والانفتاح على همومهم؟ ثم هل نحن في الحكومة أعضاء ائتلاف أم أعضاء تحالف كما هو متعارف عليه؟
هذا وتفاعل الاتحاديون ممثلو الفروع الحزبية بالإقليم مع مداخلة محمد بن عبد القادر، حيث ثمن الجميع هذه المبادرة وأيضا العمق في طرح الأسئلة والإجابة عنها، كما انصبت جل التدخلات التي بلغت إجمالا 15 تدخلا على طرح المزيد من الأسئلة وطلب التفسير والتوضيح بشأن كيفية الاشتغال بطريقة جديدة تعتمد على تقنيات التواصل الحديثة، وتدبير الموارد البشرية وكيفية إعداد مخطط مرحلي على مستوى التنظيم والاستقطاب وهو ما بينه عضو المكتب السياسي في رده النهائي على أسئلة المتدخلين.


الكاتب :  تارودانت: عبد اللطيف الكامل

  

بتاريخ : 27/03/2018