مواطنون بدون وطن   : محمد بونوح، توم هانكس المغرب

“لم أكن أعتقد يوما أنني سأصبح مشردا .. أهيم في الطرقات .. أنام في العراء .. أبحث عن لقمة أسد بها رمقي في أي مكان”، إنها العبارات التي خاطبني بها محمد بونوح، وأنا أحاول تتبع أخباره ومعرفة إن كان هناك من حل يبدو في الأفق ينهي معاناته ومعاناة العديد من المواطنين المغاربة العالقين في المعبر الحدودي لمليلية المحتلة، لكنه أكد أنهم يعيشون اليوم هناك بدون أمل، مضيفا “أنا هنا صرت منفيا .. منسيا .. أعيش بدون وطن”.
بونوح، مواطن مغربي يبلغ من العمر 47 سنة، متزوج له 3 أبناء،  إطار للصحة العمومية، تقني أشعة بالمركز الاستشفائي الجهوي الغساني. حين تتابع قصته، وهو الذي أمضى إلى غاية أمس الخميس 14 يوما مبعدا عن أهله ووطنه، تتذكر قصة توم هانكس في المطار، وكأن الأفلام تم تصويرها لكي نعيشها، فبعد “كونتاجيون” الذي يسلط الضوء على الفيروس القادم من الصين ومعاناة العالم منه، ها هو  “تيرمينال” للممثل توم هانكس، يقدم لنا صورة تقريبية لما يعيشه بونوح وآخرون في مناطق مختلفة، بعضهم لاجئ في دول تبعد عنا مسافات كبيرة، تحتاج إلى الطيران جوا أو الإبحار بحرا للعودة إلى المغرب، لكن بونوح ومن معه، هم يطلون علينا عبر حدود وهمية برية، يمكن تجاوزها في رمشة عين.
بونوح لم يكن بحظ توم، فلا هو يمتلك حرفة تفيده في مثل هذه الظروف، لأنه ليس بنجار ولا بصباغ، وحتى لو كان كذلك فلمن سيسخر موهبته، فضلا عن أن النقطة الحدودية التي يتواجد فيها هي أرض عراء وليست بمطار، لكنه وكتوم في فيلم “تيرمينال” يريد العودة إلى حضن أسرته ووطنه بطريقة شرعية قانونية، ويرحب بأن يوضع في الحجر الصحي للتأكد من خلوه من المرض أو علاجه إذا ما تبين على أنه مصاب، لكنه لا يريد أن يدخل بطريقة سرية، يؤكد في تصريحه لـ “الاتحاد الاشتراكي”.
وضعية إنسانية مؤلمة، فإذا كان عدد من المغاربة في دول أخرى قد تم التكفل بهم من قبل سفارات المملكة ويبيتون في فنادق، ويتوفرون على أكل وشرب وظروف مبيت تحترم آدميتهم، فإن بونوح ومن معه، ومنهم نساء يُعلن أبنائهن، وجدوا أنفسهم إما في ملعب لكرة السلة، يواجهون البرد والأمطار، أو إلى جانب مشردين ممن لا مأوى لهم، عرضة لانتشار أكبر للعدوى، وحتى النقود التي يمكن أن يتوصلوا بها من المغرب عن طريق معارف لهم، فهي لم تفدهم في شيء، بما أن الفنادق مغلقة ولم تعد للمال قيمة في زمن الوباء.
خرج بونوح في 28 فبراير نحو إسبانيا، من أجل الاستفادة من تكوين له صلة بمجال عمله، رأى أنه سيكون مفيدا له في إطار التكوين المستمر، كي يبلور ما استفاد منه ويفيد به بدوره أبناء وبنات وطنه. أراد أن يكون مواطنا صالحا مفيدا لوطنه، وعندما انتهت مدة التكوين قفل راجعا يمني النفس بلقاء أبنائه وبأن يضمهم إلى حضنه، وأن يعانق أفراد أسرته، وأن يتوجه إلى مقر عمله لكي يكون جنديا ضمن جتود الجيش الأبيض المجندين لخدمة وطنهم في هذه المحنة الصحية، لكن كل شيء تبخر ولم يتحقق ما كان يأمله، وهو اليوم يعيش نفيا اضطراريا إلى أجل لاحق؟

الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 26/03/2020