مخرج فيلم «Parasite» متحدثًا عن فن تصوير الصراع الطبقي

بونغ جون: فيلم «الطفيلي».. صراع  الضعفاء والمعدمون مع بعضهم البعض

 

يقول المخرج بونغ جون إن فكرة فيلمه الأخير «الطفيلي» (Parasite) راودته لسنوات طويلة واختمرت مع الوقت، يقول وهو يرفع خصلات شعره بلا انتباه «مثلها مثل الطفيلي، لا أعلم متى وكيف دخلت جسدي».يمثل فيلم «الطفيلي» ذروة سنام إبداع بونغ السينمائي، فهو فيلم إثارة وتشويق يصور ببراعة اليأس المقيت الذي يميز مجتمع الرأسمالية المتأخرة، ملفوفة في طبقة من الكوميديا السوداء.يتحدث الفيلم عن عائلات فاحشة الثراء وأخرى تغرق في الفقر المدقع، تتداخل حياتها وتتشابك حين يعمل الابن الأكبر لعائلة اعتادت سكنى الأقبية، مدرسًا للغة الانجليزية لدى أسرة فاحشة الثراء تسكن قصرًا رحبًا. هذا الجزء من القصة اختمر في ذهن المخرج لمدة طويلة إذ يقول «حين كنت طالبًا في الجامعة عملت مدرسًا خاصًا، كانت تجربة ممتعة وغريبة، أحسست وكأني أتجسس على هذه العائلة الغنية».بمثل هذا الحس الساخر صنع بونغ فيلمه «الطفيلي» وفيلميه الإنجليزيين الذين سبقاه وهما أوكجا في 2017 (يتناول الرأسمالية وارتباطها بحقوق الحيوان) وفيلم كسارة الجليد Snowpiercer لعام 2013 (يتناول الرأسمالية وتحويلها العالم كله إلى ديستوبيا لا تطاق). في هذا الحوار يتحدث بونغ عن سبب صنعه لهذا الفيلم الأخير بالكورية، وكيف صور عالمي الفقر والغنى، وكيف أُعد طبق النودل المميز في الفيلم.
يتناول فيلم الطفيلي موضوعًا مشابهًا لفيلم كسارة الجليد وأوكجا، لكنك صنعتهما باللغة الانجليزية، ما الضرورة التي دفعتك لصنع هذا الفيلم بالكورية؟

حدث الأمر على نحو تلقائي للغاية. لأنني أقيم في سيول، وأردت أن أروي قصة الناس من حولي الذين أصادفهم بشكل يومي. هنا حيث بدأت الفكرة. أردت التعمق أكثر في الوقائع المحيطة بي، كأنني أنظر عبر عدسة مكبرة، إلى شيء أصغر ولكن أعمق.
بدلًا من عودتي إلى كوريا، كان الأهم هو عودتي إلى صناعة أفلام بهذا الحجم، مثل الأم وذكريات جريمة القتل، لأن أوكجا وكسارة الجليد كانا فيلمين ذوا ميزانيات أكبر.
في أي مرحلة من عمرك بدأت تعي الفروق الطبقية؟ ومتى قررت أنك تريد إدخال هذه المواضيع في عملك؟

أعتقد أن كل المبدعين والفناين، بل وكل الناس، مهتمون على الدوام بالطبقة. لكان الأمر غريبًا لو لم نكن مهتمين. حين نرى الناس في قطارات الأنفاق أو في الشوارع، أناس غرباء عنا تمامًا، نتساءل عن مدى ثروتهم؟ أو الناس الذين نقابلهم في المطارات، هل سافروا في الدرجة الاقتصادية أم درجة رجال الأعمال؟ بونغ جونغ:
نتساءل دائمًا عن هذه الأمور، لأننا نعيش في حقبة رأسمالية. أعتقد أن لدينا جميعًا مستشعرات حساسة جدًا للطبقة، في العموم.
لدينا أفلام مثل Us للمخرج جوردن بيلي، وسارقوا المتاجر Shoplifters للمخرج هيروكازو، والاحتراق Burning للمخرج لي تشانغ دونغ، وكلها تتحدث عن الطبقة. نرى هذه الأفلام كثيرًا في الآونة الأخيرة. ليس وكأننا خططنا للأمر، لكنه حدث بتلقائية شديدة.

هناك طرق كثيرة يدلل بها الأغنياء على امتلاكهم للثروة. كيف اخترت الأعمال الفنية لهذه العائلة تحديدًا؟
تريد هذه العائلة أن تقول «نحن لدينا المال، لكننا راقون أيضًا. لسنا متفاخرين ولسنا محدثي نعمة». لهذا يعيشون في هذا البيت الذي صممه معماري مشهور. يريدون القول «إننا نعرف الفن، ولدينا ذوق فني». ويريدون التشديد في كل لحظة على أنهم ليسوا أغنياء مبتذلين.

لكن ما يريدونه حقًا، وهذا شيء يقوله السيد بارك صراحة في الفيلم، هو أن يرسموا خطًا يحيط بعالم الرقي ولا يريدون أن يتجاوزه أحد. هم غير مهتمين بالعالم الخارجي، وبالناس في قطارات ذوي روائح الأجساد الكريهة. يريدون دفع الجميع خارج هذا الخط ويريدون الأمان لأنفسهم بداخله.

الرائحة قوة محورية في الفيلم. أعرف أنها حاسة مستفزة ومثيرة، لكن هل هناك أسباب أخرى جعلتك تستخدمها محركاً للحبكة؟

الوظائف التي تعمل بها هذه الشخصيات وهي التدريس والتدبير المنزلي والقيادة، تمثل لحظات نادرة يجتمع فيها الأغنياء والفقراء في أماكن خاصة ومتقاربون للغاية لدرجة أنهم يستطيعون شم رائحة بعضهم البعض.

في فيلم المضيف The Host كانت هناك شخصية كانت مصنفة على المستوى الوطني في رياضة النبالة، وفي هذا الفيلم كانت الأم بطلة سابقة في رياضة دفع الجلة.

ما الذي يجذب اهتمامك في قصص الرياضيين هؤلاء، خصوصًا القادمين من الطبقة العاملة؟

في فيلم المستضيف، فازت المرأة بالميدالية البرونزية، والأم في فيلم الطفيلي، فازت بالميدالية الفضية التي نراها معلقة على الحوائط. لقد وضعتها في المشهد لأوصل شعورًا بأنه في حالة شجار الأب والأم، فإن الأب هو من قد يتعرض للضرب. الأب هو رأس الأسرة لكنه من النواحي الاجتماعية والاقتصادية عاجز تمامًا، فهو فاشل وضعيف جسديًا. أردت أو أوصل إحساسًا بعجز هذه الشخصية.

ما الذي يجعل من الأسرة الغنية هدفاً سهلاً على هذا النحو؟

الأم الغنية أكثر من أي شخص آخر، هي شخصية ساذجة. لكني لم أفكر أبدًا بأنها غبية أو حمقاء. بل هي ذكية. وعلى الأرجح كانت مجدة في دراستها. مشكلتها أنها تثق في الناس بسهولة لأنها لم تختبر أبدًا تجربة سيئة. فهي على الأرجح تزوجت في هذه العائلة الغنية في سن صغيرة للغاية، وعاشت حياة معزولة في كنف والديها، ولم تكافح يومًا كفاحًا حقيقيًا.
أعتقد أنك يجب أن تمر بتجارب سيئة لتنمو لديك غريزة الشك في الناس. لكنها في الحقيقة لم تمر بأي من هذه التجارب.

بنفس الطريقة التي صورت بها الأسرة الغنية من نواح جمالية معينة، وجدت ملامح الفقر بينة للغاية لدى الأسرة الفقيرة. ما نوع التجهيزات والدراسة التي أقدمت عليها لتبث الحياة في هذه الأنماط؟

عمل قسم الفن بجد كبير. لقد صنعنا المنازل الفقيرة والزقاق وكل منازل الحي. بنينا موقع التصوير هذا على خزان مياه. وقد زار قسم الفن أحياءً من المقرر هدمها وإعادة تطويرها. وقد زاروا منازل مهجورة لناس اعتادوا العيش فيها، ليأخذوا منها أشياء مثل الأبواب والنوافذ والأطباق ليستخدموها في بناء موقع التصوير. وهي بالفعل تتميز بملامح الأحياء الفقيرة.
أجل، لا أستطيع التوقف عن التفكير في مشهد مقعد دورة المياه الذي ينفجر دون سابق إنذار والأخت جالسة عليه تدخن السجائر. عمل فريق المؤثرات الخاصة كثيرًا لإعداد هذا المشهد حيث يُخرج المرحاض ماء الصرف. حتى إننا قسنا قوة اندفاع الماء من المرحاض.

قرأت في مكان ما أن مترجمك اخترع كلمة «رام دوم» لطبق النودل في الفيلم. ما هو الطبق الحقيقي الذي نراه في الفيلم؟

هو مزيج من نوعين من النودلز سريعة الإعداد، الأول هو الحبوب السوداء، والآخر بطعم فواكه البحر الحارة. ويحظى بشعبية كبيرة ليس لدى الطبقة العاملة وحسب، بل والطبقة المتوسطة كذلك. عادة ما يأكل الأغنياء طعامًا عضويًا باهظ الثمن، ولا يأكلون شيئًا كهذا. لكن الأطفال يحبونها، وأطفال الأغنياء يظلون أطفالًا في النهاية. ولديهم نفس حاسة التذوق. تضيف الأم شريحة من اللحم فوق هذا الطبق لتمنحه مظهرًا غنيًا. لكن لا أحد يأكل بهذه الطريقة في الحقيقة، بل هو من اختراعي. ولأن طبق jjapaguri الكوري، يجمع بين اسمين لعلامتين تجاريتين، كان من المستحيل ترجمته.

أحد الأشياء التي صدمتني في الفيلم هو غياب حس التآخي والمؤازرة بين أفراد الطبقة العاملة. ما الذي ألهمك تصوير العلاقات بينهم بهذه الطريقة؟

لقد أشرت إلى شيء مهم للغاية. في فيلم الأم Mother ترى المشاحنات والتخاصم والمنافسة فيهما بينهم، وفي فيلم المضيف The Host ترى المؤاخاة والتلاحم فيما بينهم، فهم ينقذون بعضهم والبعض ويوحدون قوتهم. ويمكنك القول إن فيلم الطفيلي أقرب إلى فيلم الأم، حيث يتصارع الضعفاء والمعدمون مع بعضهم البعض. وهذا أمر محزن، لكنه واقعي. وفي تلك اللحظات تبرز عناصر الحزن والكوميديا أيضًا.

هناك (أغنية « «in ginocchio da teعلى ركبتيك) الإيطالية تصدح في الخلفية في اللحظات المهمة في الفيلم وتمثل الموسيقى الرئيسية في الفيلم. لما هذه الأغنية تحديدًا؟

كان لدى والدي الكثير من المسرحيات الإيطالية، لذا كانت مألوفة لدي، لكني لم أعرف منها أغنية معينة.

هل لديك قريب إيطالي؟

أجل، والدي من إيطاليا. عندما عرض الفيلم في مهرجان كان، كان الموزع الإيطالي متحمسًا للغاية. لكن كما ترين، ففي هذا المشهد، يهددون بعضهم البعض، هذا مشهد مليء بالخبث والشر، لكني اعتقدت أنه ربما من الجميل أن نضع هذه النغمة المريحة لتذكرنا بشمس البحر الأبيض المتوسط. كما ترين فهذا مشهد عنيف للغاية، لذا اعتقدت أن التباين بينه وبين الموسيقى سيكون جميلًا.

تستخدم هذه الأغنية غالبًا في سياقات قصص الحب. بحثت عنها في يوتيوب، والمغني جياني موراندي، أدى دور البطولة في قصة رومانسية كوميدية حين كان شابًا يافعًا. مقطع الفيديو بالأبيض والأسود يصوره وهو يغني ويهرول للقاء حبيبته.

اسم الأغنية يعني «أركع أمامك»، وهو ما لم أكن أعرفه، ومن قبيل الصدفة المحضة أن يصور المشهد أبطال الفيلم راكعين والأغنية تصدح في الخلفية.

حين فزت بالسعفة الذهبية في كان، كيف كانت تلك اللحظة؟ ما الذي دار بخلدك حينها؟

كانت عملية محمومة وجنونية. حدث ذلك فجأة، ولا تدري ما الذي يحدث. لكن بعدها يكون الأمر رسميًا للغاية. عليك أن تفعل هذا وتقف هنا وتلتقط صورة مع الجائزة، وتنجرف مع الأمر، ثم تكون هناك حفلة والكثير من الشراب. ثم في الصباح التالي، حين تشرق الشمس على كان الهادئة وتخترق أشعتها غرفتك، تبدأ مشاعرك بالتدفق.


الكاتب : عصام حمزة

  

بتاريخ : 15/02/2020