مدخل لدراسة تاريخ الزعامات المحلية بالجنوب المغربي 15 : الولايــــــــــــــــــــة كشرط أساسي في الزعامات الدينية

 

تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي:

 

لعلها المقصد والغاية من كل مشاريع التصوف التي احتضنها سوس، فهي القلب النابض للتصوف؛ وقد شكلت رحى المختصين في مادة التصوف منذ إبن عربي، وماتزال كذلك، بحيث لا نجد بح أكاديميا إلا وقد تطرق لهذا المبحث ضمن فصوله، وبهذا يمكن الذهاب مع ميشيل شودكيفيتش ( M.Chodkiewiez) إلى حد القول أن : « التصوف والولاية أمران لا يفترقان، وبغير الولاية لا يوجد تصوف، إذ الولاية هي أصل التصوف ومنبعه وزاده الذي يحيا به ومنها يستمد دوره في بقاء الولاية واستمرارها». (شود كيفيتش ميشيل، خاتم الاولياء: النبوة والولاية في مذهب إبن عربي الفكري، ترجمة احمد الطيب، المشروع القومي للترجمة، القاهرة ، المجلس الاعلى للثقافة،2000، ص ص، 20- 21.) فإذا كان الأولياء حسب القرآن الكريم : « لا خوف عليهم ولاهم يحزنون «،( القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 257.) فإن الرسول (ص) هو الآخر عبر في أكثر من مقام بكون الأولياء : « يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجودهم نورا.»( رواه الترمذي في: سننه،»كتاب الزهد» باب53، وإبن حنبل في مسنده، ج5، ص 229- 239.) وعلى المستوى اللغوي فإن الولي يعني المتقرب و المتدني، وبالمعنى الدقيق هو القريب وقد يقصد به المدبر والنصير.( أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، (بيروت دار صادر،1375- 1956)المجلد 15،ص:407. انظر كذلك ، مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق علي يسري، بيروت ، دار الفكر،الجزء10،ص398.) ونجد مرادفا مغايرا للولاية لدى ابن عجيبة حيث يستبدل الولاية بـ»الأنس بالله»
بالنسبة لهذا المصطلح فلا نجد له ما يرادفه على مستوى المعنى في اللغات الأخرى، اللهم إذا ما استثنينا اللغة الفرنسية التي تقدم (Saint) مرادفا للولاية لاشتراكهما في المعنى.
يطرح مفهوم الولاية إشكالية كبرى لدى الباحثين المهتمين به كمحرك لعجلة التصوف، فمنهم من تحاشى الحديث عن الفرق بين الِولاية بكسر الواو، والوَلاية بفتحه، ومنهم من أماط اللثام عن هذه النقطة فأخذت من بحثه ما يزيد عن مئات الصفحات، فهنري كوغبان ( H.Corbin) استوقفه هذا الإشكال ورجح كون المتصوفة الذين استعملوا هذا المصطلح دون مراعاة الفرق بين المعنى الأول والثاني، إنما فهموا الأمر بشكل معكوس لا يكاد يخرج عن الفهم الصوفي لشيعة غامضة تستحي أن تعلن عن نفسها.لقد اختلفت التعاريف التي أعطيت للولاية باختلاف العلوم ومشاربها فهي : « قيام العبد بالحق عند الفناء عند نفسه، وذلك بتولي الحق إياه حتى يبلغه غاية مقام القرب والتمكين».( الكالشاني جمال الدين عبد الرزاق بن احمد، اصطلاحات صوفية، تحقيق تقديم وتعليق محمود عبد الخالق، دار المعارف ، 1984، مادة ولاية ص،76.) وهو التعريف الذي يتلاءم مع ما أشرنا إليه بخصوص تعريف المصطلح لغويا. وهو ما يعني أن الولاية تعني القرب، وقد تتداخل فيها كل من الرسالة والنبوة والولاية فالولي مهما اختلفت درجته (نبي – ولي ) فمهامه واضحة لا تخرج عن سياق إصلاح الخلق وإرجاعهم إلى الصواب،( عبد الوهاب محمد حلمي، ولاة واولياء السلطة والمتصوفة في إسلام العصر الوسيط، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،الطبعة الأولى،2009،بيروت، ص:79.) وهو ما يؤكده نموذج الحاج علي الإلغي الشيء الذي يجعل الولي : «منصورا من طرف الله، وناصرا للخلق وخليفة في الحكم باسمه وفق شريعته التي يمليها عليه».(نفسه)
إن الولي بهذا المعنى ليس بإنسان غريب عن منظومته الاجتماعية، ولا هو كائن يعيش على هامش الكون بل هو قريب من الكل (الله-العامةـ المخزن – القبيلة…). ومن ثم ففهمه كمؤسسة يستحيل دون ربطه بمؤسسات أخرى من قبيل المخزن المركزي والمخزن المحلي والعلماء والقبيلة والأعيان.


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 23/05/2019

أخبار مرتبطة

غدا، إن لم تعد تحكمنا دول ديمقراطية تضمن مبدأ كونية الحقوق، فثمة احتمال كبير لأن تحل القدرة الشرائية، التي هي

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

لا يمكن إلا أن نلحظ نوعا من بين الذات لدى نبوئيي وادي السيلكون. تابع «بتيرتيال» و»ايلون ماسك» دراستهما، معا، بجامعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *