مساجلات فكرية -21- لنتذكّر معاً بعض أبرز أفكار صادق جلال العظم 1

تعددت انشغالات ومواقف المفكر السوري صادق جلال العظم المولود عام 1934، عبر ثمانية عقود اقترن فيها اسمه بالدفاع عن الحرية والديمقراطية ومبادئ العلمانية.
وتنوّعت كتاباته التي اعتمدت المنطق العلمي التجريبي بين النقد السياسي والديني وفض الاشتباك بين الديني والدنيوي وقطع الحبل السري بينهما وتحريض الوعي العربي على التفكير وفحص كل يقينياته ومسلماته.
وكانت الماركسية هي الركن الأساسي في هويته الفكرية، ثم مضى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع تغيّر المناخات الأيديولوجية، يشتغل على ما هو فكري وثقافي معرفي أكثر منه سياسياً، لكنه لم يتراجع عن اعتماده التفكير العقلاني والمادية الجدلية في نقد الظواهر الثقافية المختلفة والتراث بأدوات علمية.
وقد خاض في كتابيه «نقد الفكر الديني» و»النقد الذاتي بعد الهزيمة»، الصادرين عقب هزيمة يونيو 1967، مواجهة جريئة ومبكرة في ممارسة النقد الذاتي سياسياً وثقافياً ومجتمعياً، تجاه الأنظمة السلطوية الأبوية، وعرّى التناقضات الموجودة في رحم الواقع العربي، والتي تنتج هجيناً مشوهاً غير قادر على التجديد وبناء واقع مغاير.
نقد ذهنية العرب
«إن عقلية ماكو أوامر وذهنية ما فيش تعليمات وعدم التصرف بدون موافقة ولي الأمر لا تتجلى في ميدان القتال فحسب وإنما هي جزء من نسيج المجتمع العربي وعاداته وطباعه التي تخضع لسلطان الأب ويبدو أنه من العبث أن نتوقع من ضباطنا في جحيم المعركة السلوك المرن والمبادرة الفردية السريعة وتحمل مسؤولية القرارات الحاسمة دون الرجوع إلى من هم أكبر منهم سناً ومنزلة ومرتبة».
يواجه هنا العظم، في كتابه النقد الذاتي بعد الهزيمة، الموروث الثقافي والسياسي واستبداده الماثل في بنية المجتمعات العربية المحكومة بركود مستمر تؤدي لزوماً إلى هزائم متكررة.
ويعمد إلى مكاشفة ظواهر أساسية في واقعنا اليومي تشير إلى جهل المواطن العربي بذاته وبالآخر تحت تأثير أوهام الأصالة وفضائل الخصوصية والانسحاق في أمجاد قديمة متوهمة تخرج العرب من التاريخ وتحيلهم إلى واقع جدير بالرثاء تنتصر فيه القبلية والعائلية والطائفية على حساب المصالح الوطنية.التصدّي للخرافة
قام العظم في كتابه نقد الفكر الديني بتوجيه أحد أسلحته العلمية ضد شيوع الخرافة والتلفيق لمحاولات دمج الدين مع الأطروحات العلمية والفكرية والسياسية الحديثة بشكل قسري، والذي غايته النهائية إيجاد نزعة إيمانية ذات قداسة وعصمة وتملك دفاعات تبريرية تحميها من النقد في حال ثبوت فشلها وهزيمتها.
واعتبر العظم أن إحدى المناورات التي استخدمتها الدولة الناصرية لتصفية آثار العدوان هي استغلال واقعة تجلي العذراء فوق إحدى كنائس ضاحية الزيتون وقد تبنتها وسائل الإعلام الرسمية والجهات السياسية والدينية وروّجت لها باعتبارها ذات مغزى كفاحي مؤيد للعرب. يقول في كتابه: «إن تصوير الأطياف الروحانية وربط تحرير القدس والصمود في وجه العدو بظهور العذراء تجيء على لسان أجهزة إعلام بلد يعتبر نفسه ثورياً اشتراكياً كان يجب أن يضع إمكاناته الإعلامية في خدمة الشعب بغية تثقيفه لا بغية تضليله والشطط في متاهات الهلوسات الدينية وتزيين الخرافات بمظهر الحقائق العلمية».
ويؤكد على ضرورة الفصل بين الديني والدنيوي وتصفية الأفكار الملتبسة حول وجود تصور ديني للكون ووجود مرجعية دينية للأفكار العلمية والفلسفية.
بل تجاسر على تحليل بعض القصص الدينية ووضعها في إطار ميثولوجي أعاد تقديمه بصورة مجازية. وانتقد موقف الشيخ نديم الجسر الذي يربط بين التقدم بمعرفة أمواج الضوء والإيمان بالجن والملائكة.
وأوضح في الكتاب ذاته: «نحن نجد مثل هذه الملاحظات البديهية جداً عن البرق والرعد والسحاب والليل والنهار في أساطير حضارة ما بين النهرين، ملحمة جلجامش مثلاً، وفي التوراة والإلياذة والكتب المقدسة الصينية والهندية كما نجدها في القرآن».


الكاتب : كريم شفيق

  

بتاريخ : 26/07/2017