مسافات تتذكر

 

من الفضاء
حيث الغيم أجنحة
والمدى إمكان للمستحيل
أرى ذاكرة تخلط الأمس بالغد
أرى شوقا لا يبرح الحلم
فأختار صمت المسافات
وكلام العُمر
أرى كل الأمكنة التي رجعت إليها
تعود إليَّ كصغار القطط
أرى كل الظلال التي تركتها هنا
تتشبث بي وتحكي
فوجدتني في العتبات
وجدتني في الوشم على الهواء
كل شيء على حصير حضوري
يفرش الآه والتمني
فآمل كالحمام الزاجل
الوصول إليكِ

في البيضاء
كانت الساعة التاسعة صباحا
أكثر حبا
أجمل وحيا
حين التقى الراكب بصهوته
حين مشى إليه
فجمع المكانُ مسافاته
وانصهر في ضمة اشتياق
كل شيء توقف
ظَلَّ الوجه ينظر إلى الوجه
القبلةُ تُحاور القبلة وتتنغم
اليد اليمنى تعانق اليد اليمنى
واليسرى تسِرُّ للظهر الشوق
أصبحت تذكرة الطراموي
الذي ركبناه ذاك المساء كعصفورين
أصبحت في يدينا شهادة عشق
سكة حنين
وحين سكتت الشفاه
انتفضت الأعين
النظرات قالت أشياء
فرد النبض نبضا
واحتلت المسامُ المسامَ
كانت التاسعة في البيضاء
كل شيء
وكل شيء
فنام الصباح وسهر الليل..

في مكناس
كانت الساعة السادسة مساء
جسرا بين جسر آخر وانتماء
هناك حيث بعض مني بقيَ
خلف النسيان لا ينسى
هناك حيث أبواب أغلقت
أخرى فتحت على السؤال
للدروب المتعددة لغة وأغنيات
لها ألبستها المنسوجة من وجع الصمت
من أنين الذكريات
لي ما يعتصر في الرؤيا غامضا كحنين الأرصفة
متجعدا كحيطان المولى إسماعيل
يفصلني عني ظل الزمن
فأصيح كهزار في قفص:
إني هنا أغرد للغد
فلا توجعوا بسمة الصباحات في عيني…

في الراشيدية
كانت السابعة مساء
تقول للولادة:
كيف أولد من جديد
بدون مخاض
بدون كلمة بدء
بدون رؤيا؟
هل لأمشي كالريح أزرع حضوري فيَّ
وفي أغنية الغياب؟
لا زهر لي ألقحه بالنسيم
لا مطر لي أحمله لعصفورة لم تهاجر سمائي
بنتْ عشها على أعتاب أفقي
لتذكرني بصرخة التراب
وبصرختي..

قد أولد كما الغيم
لا أبقى في مكان
أفرح وأبكي
أعلن اشتياقي بالبرق وبالرعد
المسافات تنادي رحيلي
المحطات المتهالكة في الحنين تنتظرني
الطريق وحده يعرف
ما يتساوى فيه
وما ينحدر
ما يستقيم وما يعْوَجّ
أخبرتني نخلة على قارعة الطريق
كانت تفرش ظلالها للمارين
لم تتخل يوما عن عشقها
أخبرتني
أن الطرقات تنتحب إن غادرتها الأمكنة

قد أولد كما اللغة
لي كل يوم متسع من التعابير
ولي النسيان
لي تخاصم الحروف في الكلمات
وفي الجمل
ولي رقة المعنى في بساتين القصيدة

وقد أولد كما ولِدْت
تختلط أمامي الدروب والإشارات
أتيه كزوبعة رمل
أقدم خطوة أُؤخر أخرى
يظل الداخل حلقة مفرغة تبحث عني
في الأسئلة التي دائما تسأل
كي تتذكرني المسافات أكثر
فأجيء إليَّ حين أجيء إليك…


الكاتب : عزيز فهمي

  

بتاريخ : 22/11/2019

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *