مشاهد رحلة لم تكتمل .. الثلوج تعزل سكان إملشيل والنواحي وتحول دون الوصول إليهم

قررت وزارة الصحة تنظيم زيارة إلى المستشفى المدني المتنقل بإملشيل يوم الإثنين 29 يناير 2017، وحرصت على أن تكون هذه الخطوة التي تعذرت في وقت سابق، هي أول خرجة رسمية لوزير الصحة الجديد أناس الدكالي، الذي جرى تعيينه من طرف الملك محمد السادس خلفا للوزير السابق المعفى البروفسور الحسين الوردي.
زيارة استدعت لها وزارة الصحة عددا من الصحافيين الممثلين لمجموعة من المنابر الوطنية، خاصة المتواجدين بالعاصمة الإدارية الرباط، الذين شرعوا في التوافد على نقطة التجمع واللقاء أمام مقر وزارة الصحة انطلاقا من الساعة السابعة و 45 دقيقة، حيث وجدوا في انتظارهم حافلتين خصصتا لنقل الوفد الصحافي الذي رافقه المسؤول عن التواصل رشيد خداري، فوضعوا داخلها أمتعتهم وظلوا ينتظرون بعض الملتحقين إلى أن أشارت عقارب الساعة إلى الثامنة و 20 دقيقة، وهي اللحظة الانطلاق والتوجه صوب الوجهة الثلجية.

 

كانت الأسئلة التي تخصّ وجهتنا، وكيفية الوصول إلى سبيلنا، تُتداول على الألسن منذ انطلاق الرحلة، بالنظر إلى أن نشرة تحذيرية صدرت في الموضوع، ولكون المنطقة تعرف تساقطات ثلجية مهمة، مما كان يثير تساؤلات حول إذا ماكنا سنصل إلى مبتغانا أم ستحول بيننا وبينه عوائق طبيعية أو بشرية. أسئلة كنا نبحث لها عن أجوبة سواء من خلال مرافقنا الرسمي، عبر الاتصال بالمسؤولين المحليين هناك، أو من خلال البحث في الشبكة العنكبوتية وفي المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بحثا عن معلومة تكون مفيدة، فكانت الأخبار والصور التي نجدها تساهم في سيادة جو من القلق وعدم الاطمئنان بخصوص الوضع المناخي بكل من إملشيل والنواحي، والتي كانت تبرز وبكيفية واضحة حضور كميات هامة من الثلوج بها، خاصة وأنه على مستوى ميدلت وصل منسوب الثلوج إلى 40 سنتمتر، حيث اتشحت المدينة بالبياض، وتعذرت حركة السير والجولان، لكن تواجد الفرق المختصة من المصالح المعنية بإزاحة الثلوج كان بمثابة مؤشر إيجابي، ساعدنا على قطع مزيد من الكيلومترات نحو وجهتنا، والتحلي بالأمل في زيارة المنطقة والاطلاع على أحوال ساكنتها، وظروف عيشهم في ظل أجواء الطقس الباردة.
مناخ متغير

الكيلومترات التي قطعناها صوب مكناس كانت سلسة بفضل حنكة سائق السيارة/الحافلة التي كنا نستقلّها، والجو العام كان عاديا إن لم أقل خادعا، فهو لم يكن يحمل أي مؤشر عما سنجده فيما بعد، بالنظر إلى أن معدّلات الحرارة كانت مقبولة، مع تواصل إشراقة الشمس، التي كانت تختفي لبضع لحظات جراء بعض الزخات المطرية البسيطة جدا، ثم تعود للظهور بعد ذلك، واستمر الوضع هكذا إلى غاية وصولنا إلى محطة الأداء بالطريق السيار بمكناس، التي وجدنا أنفسنا مضطرين إلى الوقوف بها لأكثر من 16 دقيقة، بسبب ضغط السيارات والشاحنات، خاصة وان الفترة هي فترة عطلة، وبالتالي فقد حجّ إلى المنطقة الكثير من المواطنين طمعا في الاستمتاع بأجواء الثلج وطقوسه بإفران والنواحي.
عبرنا محطة الأداء وانعطفنا بعد ذلك صوب الحاجب، وهناك تغيّرت الأشياء ومعها تغيّرت نظرتنا للمكان والوضع، فالرياح كانت شديدة يُسمع لها هدير قوي، والأشجار الضاربة جذورها في التربة، كانت تتراقص ذات اليمين وذات الشمال بالرغم عنها، والأكياس البلاستيكية والألواح القصديرية وغيرها كانت تتطاير هنا وهناك، أشجار اجتثت وأخرى قصمت، وسياجات حديدية محيطة بالحقول اقتلعت، وخيام بلاستيكية وتجهيزات أتلفت، وصفير الرياح هادر في السماء.
صورة لوضع مناخي متقلّب اكتملت تفاصيلها بتوصلنا بمعطيات تفيد بأن العديد من الطرقات البرية هي مقطوعة ولم يعد بالإمكان المرور منها، وبالتالي فقد أضحت مسالك مغلقة والمناطق المحيطة بها معزولة، ويتعلّق الأمر بالطريق الرابطة مابين بولمان وميدلت، وهذه الأخيرة مع أزرو، وكذا ما بين ميدلت وخنيفرة، إلى جانب الطريق الرابطة ما بين املشيل والريش، هذا في الوقت الذي تجاوز فيه مستوى الثلوج بإملشيل 60 سنتمتر، حيث فشلت مصالح وزارة التجهيز والنقل عن إزاحة الثلوج بمبرر الرياح التي كانت تأتي بها بعد تجميع أكوامها؟
رياح وحوادث

المعطيات التي توصلنا بها والتي تتبعنا تفاصيلها فرضت علينا التوقف في محطة للاستراحة في الطريق، في انتظار ماقد تحمله الساعات المقبلة من أخبار كنا نريدها سارة، حتى تمكننا من مواصلة مسيرتنا، فما عايناه هو مؤشر على معطيات أخرى، غير ملموسة، أشدّ قساوة تعيشها ساكنة المناطق الجبلية، فغادرنا الحافلتين وما أن فعلنا حتى وجدنا الرياح القوية التي كانت سرعتها تتجاوز 50 كيلومتر في الساعة، تستقبلنا لتطوّح بنا وبغيرنا، تدفعنا دفعا، ونحن نقاوم تهجّمها، حتى لاتطرح أيا منا أرضا.
ولجنا المحطة، اتقاء لقوة الرياح، وجلسنا نتتبع الأخبار التي كانت ترد من مكناس ومن النواحي، التي كانت تفيد بتساقط الأعمدة الكهربائية والأشجار مخلّفة خسائر مادية، إضافة إلى انزلاق سيارة وإصابة سائقتها إصابات خطيرة، فضلا عن وفاة سائق سيارة أجرة بالحاجب بسبب الرياح، وانقلاب شاحنة، وتداعي جدران حائطية وغيرها…
موت .. حاجة ونصائح

خلال فترة انتظارنا التي تجاوزت الساعة من الزمن، وترقبنا للمستجدات، توصلت بمجموعة من المكالمات الهاتفية من عدد من الأصدقاء والصديقات، كنت أتواصل مع أصحابها عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فكان عدد كبير منهم يعتقد أنني أتوجه إلى إفران والنواحي لقضاء العطلة رفقة أسرتي. اتصالات كان الغرض منها تنبيهي ودعوتي للحذر من الطريق والتقلبات المناخية، وتمكيني من عدد من النصائح، خاصة من طرف أصدقاء هم من مهنيي النقل، الذين ألفوا هذه الطرقات وتقلبات أحوال الطقس بها.
مكالمات كانت حبلى بالعديد من المضامين التي تستحق تسليط الضوء عليها، كما هو الشأن بالنسبة لاتصال من صديق، وهو سائق محترف، أكّد لي أنه تواجد قبل أيام قليلة فقط بالراشيدية وميدلت والنواحي، وكيف عاين مشاهد جثث الكلاب والماعز ميتة بسبب البرد والجوع، هذا في الوقت الذي كان عدد من سكان المنطقة خاصة من النساء والأطفال يتوجهون صوب الطرقات بحثا عمن يقدّم لهم مساعدة هم في أمس الحاجة إليها، سواء تعلّق الأمر بالأكل أو اللباس أو غيرهما، مشددا على أن الوضع هو عصيب جدا وبأن المواطنين يعانون بكل ماتحمل الكلمة من معنى، دون الحديث عن أولئك الذين ظلوا لساعات طوال عالقين بسبب الثلوج مما تعذر معه مواصلة سياراتهم أو حافلاتهم السير، مع مايعنيه ذلك من أعباء في مواجهة البرد والجوع …
مكالمة أخرى وجدت مضمونها يستحق بسطه، وهي تلك التي دعاني المتحدث من خلالها إلى التزود بالماء وبالأكل بشكل وفير إن كنت أسعى لمواصلة الطريق، خوفا من الوقوع تحت رحمة الثلوج وانقطاع الطريق، وشدّد على أن أكون مرفوقا كذلك بقطع الخبز اليابس بالنظر إلى حالة الجوع التي توجد عليها الكلاب هناك، والتي تجعل المسافر ومن معه في حالة خطر وجب تفاديه.
إلغاء وعودة

الترقب والانتظار اللذان سادا المكان حسم فيهما بعد مدة ممثل وزارة الصحة بالإعلان عن إلغاء الزيارة الرسمية للمستشفى المدني المتنقل المقام بإملشيل، للمرة الثانية على التوالي في ظرف زمني قصير، وضرورة العودة إلى ديارنا، الأمر الذي كان صادما لعدد من الصحافيين الذين وجدوا في تنقلهم عبئا بدون مردودية، فطلبوا إيصالهم إلى غاية ميدلت على الأقل، وهناك يمكن للجميع تدبر أمرهم، ويمكن لممثل الوزارة ومن معه العودة، لأن الغاية المرجوة من الرحلة لم تتحقق، والمتمثلة في الوقوف على ماتعرفه المنطقة وسكانها والقضايا التي يمكن استطلاعها هناك، ونقلها إلى القراء والمسؤولين في كل القطاعات بتعددها واختلافها.
مطلب خلق حرجا، دفع المسؤول إلى الاستشارة مع مرؤوسيه، ثم عاد لإبلاغ اعتذارهم وعدم قدرته على تلبية هاته الرغبة خوفا من تعريض الوفد الصحافي لأي خطر أو ضرر غير منتظر، مقدّما وعدا بأن تتم برمجة زيارة أخرى في أقرب الآجال، التي قد تشفي غليل الصحافيين وتمكّنهم من الوصول إلى المعطيات التي يسعون ورائها، وهو الاعتذار الذي كان كافيا ليضع حدّا لرحلة لم تكتمل، وليغادر الجميع المحطة صوب حافلة كل مجموعة، التي أدار سائق كل واحدة محركها وغيّر وجهتها منعطفا عبر مدارة إلى اليسار إعلانا بالعودة إلى العاصمة الإدارية على أن أكمل طريقي بوسائلي الخاصة إلى الدارالبيضاء، تاركا الرياح تزمجر وراءنا.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 02/02/2018

أخبار مرتبطة

يعد بعضها شكلا من أشكال الإساءة للملكين العمومي والخاص وللذوق العام   ليس هناك من أحد منا لم يسبق وأن

ونحن نستعد لتوديع شهر الصيام واستقبال عيد الفطر، كان من المفيد أن نقف لقراءة الوضع الرمضاني في الجديدة، وأن نستحضر

على الرغم من أن شهر رمضان قد يوحي بتراجع الجاذبية بالنسبة إلى الأجانب والسياح الوافدين، إلا أن العديد من الزوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *