مصرع مواطنة في انهيار بيت بإيتزر يجدد ملف منكوبي «إغرم» ويسائل المسؤولين حول تعثر مشروع إعادة إسكانهم

استيقظت ساكنة القصر القديم “إغرم” بإيتزر، إقليم ميدلت، صباح الثلاثاء 30 يناير 2018، على وقع حادث انهيار منزل طيني على رؤوس أهله، مما أسفر عن مصرع مواطنة في عقدها الخامس، بينما حالف الحظ ابنها الذي كان غائبا ليلتها، وحسب مصادر محلية، فإن هذا البيت هو من بين المباني المهترئة التي زادت التساقطات المطرية والثلجية من هشاشتها، حيث انهار في مشهد لم يكن مفاجئا على خلفية النداءات المتكررة التي ما فتئ المجتمع المدني والحقوقي والإعلامي يطلقها منذ عام 2005، ويطالب بإعادة إعمار هذا الحي المنكوب، حتى أن الوضع خلق إجماعا لدى الرأي العام بتحميل المسؤولية الكاملة للمتاجرين في مآسي المنكوبين، وفي مقدمتهم الجماعة الغنية بالمداخيل التي تجنيها من الموارد الغابوية، وتعد الوحيدة على مستوى إقليم ميدلت التي تحقق فائضا مهما في ميزانيتها كل سنة، وقد عمدت إلى جعل ملف “القصر القديم إغرم” موضوعا للاستغلال السياسوي المكشوف.
وعلى غرار المسيرة التي نظموها على الأقدام، خلال شهر يوليوز العام الماضي 2017، باتجاه العاصمة الرباط، جاءت فاجعة مصرع المواطنة لتعيد ملف “القصر القديم إغرم” إلى الواجهة، في مسيرة احتجاجية نظمها المنكوبون والمتضررون، صباح الثلاثاء، رغم سوء المناخ والتساقطات الثلجية، كشكل احتجاجي آخر عبر من خلاله المتظاهرون عن شجبهم القوي حيال ما آل إليه وضعهم القاسي تحت أسقف بيوتهم التي تتهدم تباعا، وتعيش فيها الساكنة ما يكفي من الرعب والخوف كلما هبت الرياح أو تساقطت الأمطار والثلوج، ولم تتوقف حناجر المتظاهرين عن ترديد مجموعة من الشعارات والهتافات الغاضبة، كما سجلت بعض حالات الإغماء في صفوفهم.
وفي هذا الصدد، دخلت ثلاث هيئات محلية على الخط، وهي اللجنة المحلية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، حيث اجتمعت وأصدرت بيانا للرأي العام وصفت فيه مصرع المواطنة ب “الحدث الذي هز ضمير الساكنة فخرجت بشكل عفوي على شكل وقفة احتجاجية أمام مقر الجماعة القروية، للتعبير عن سخطها، والتأكيد على أن مصير الضحية هو مصير فئة معينة”، ليتم استقبالهم من طرف رئيس المجلس الجماعي بنواياه الخالدة “ماشي نتوما ليصوتوا عليا”، على حد مضمون البيان الثلاثي المشترك، قبل أن تتحول الوقفة إلى مسيرة سلمية، مشيا على الأقدام، على الطريق الوطنية رقم 13، باتجاه العاصمة الرباط، متحدية قساوة المناخ والمسالك المملوءة بالثلوج، ومشترطة التفاوض المسؤول مع ممثل الإقليم، وبعد مفاوضات مضنية استمدت قوتها من حق الحياة والسلامة الجسدية، عادت المسيرة أدراجها، على مسافة 28 كلم ذهابا وإيابا.
ولم يفت تنسيقية الهيئات الثلاث، في بيانها الذي تسلمت “الاتحاد الاشتراكي” نسخة منه، الإعلان عن “استنكارها الشديد محاولة التملص من المسؤولية، المباشرة وغير المباشرة، وراء وفاة المواطنة”، متسائلة عن «عدم إحصاء عينة من الساكنة كمعنيين بالمشروع في نفس بقعته الجغرافية»، كما نددت ذات الهيئات ب «الطريقة التي تم بها تمرير المشروع من خلال ما تم تسجيله من مظاهر الزبونية والمحسوبية والخلفيات السياسوية»، في حين لم يفت الهيئات المذكورة مطالبة ذوي الاختصاص في التتبع والفحص التدخل الفوري لطي صفحة هذا المشروع الذي طال أمده منذ حوالي 10 سنوات، مع التشديد على « ضرورة وضع حد لأي مسؤول خارج إطار الموضوعية والحياد، من سياسويين وتقنيين غير مؤهلين»، والعمل على فتح تحقيق في ملابسات حادث مصرع المواطنة.
بينما اعتبر أحد المعلقين وفاة المواطنة ب «ضحية القتل العمد» بالنظر للتهاون الذي تعاملت به الجهات المسؤولة مع الحالة القائمة منذ ما سمي ب «الشتاء الأسود» لسنة 2009 الذي شهد انهيارات مرعبة ببيوت الحي المذكور، ومصرع مواطنة وابنها، إلى جانب إصابات متفاوتة الخطورة، ما حمل المئات من المتضررين والقاطنين إلى مغادرة بيوتهم واللجوء إلى سوق مغطاة كان في طور البناء للإقامة فيها تحت وضعية إنسانية مؤلمة، قبل أن يأخذ البعض في العودة إلى بيوتهم رغم بنائها الكارثي، في حين ظل العديد منهم في انتظار تحقيق وعود الجماعة القروية والسلطات المحلية والإقليمية بخصوص مشروع الاستفادة من الإسكان الذي أوكلت اعتماداته لشركة العمران تحت إشراف الداخلية.
وفات للجماعة والسلطات المعنية أن اشترطت على سكان الحي المنكوب دفع مبلغ مالي لأجل اقتناء بقعة أرضية، ولم تتمكن غالبيتهم من توفيره لكونهم من الفئات المعوزة والقابعة تحت عتبة الفقر، ومن بينهم من لا يزال مشردا من ضمن حوالي 200 متضرر، وقالت مصادر متتبعة آنذاك إن البعض ممن قبلوا «الشرط المالي» اصطدموا بدورهم من عدم الوفاء بالعهود التي حثتهم على التعجيل بهدم بيوتهم، عبر ثقتهم في بعض الضمانات الشفوية التي وعدتهم بالإسكان فور عملية الهدم، ليجدوا أنفسهم رهن آمال معلقة على مشارف إفلاس محقق بسبب واجبات الكراء الاضطراري.
وكما سبق متابعته بجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، فمن حين لآخر كان صوت المنكوبين والمتضررين يعلو من أجل إيقاظ المسؤولين، ومن ذلك قيام العشرات منهم، خلال شهر فبراير 2015، باحتلال مبنى الجماعة للمطالبة بحل لمأساتهم، غير أن الجماعة والجهات المسؤولة تعمد في كل مرة إلى المراهنة على ربح الوقت بالمناورات والتسويفات، إذا لم يتم اللجوء إلى بعض الحلول الترقيعية، التي منها مقترح ترميم بعض البيوت المتهالكة، عوض استراتيجية واضحة المعالم أو حلول عملية تنادي بها المواثيق الدولية والقوانين الوطنية والشرائع السماوية، ولايزال الرأي العام يطالب مختلف الجهات والسلطات المعنية بتحديد المسؤوليات والحسم في هذا الملف الذي عمر طويلا.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 02/02/2018