مقتطفات من تاريخ الحركة الوطنية يرويها المقاوم امحمد الظاهر 09

ارتباط امحمد الظاهر بالشهيد محمد الزرقطوني – رمز المقاومة المغربية

 

قبل رحيله إلى دار البقاء ألف حول الحركة الوطنية بالمدينة القديمة، تحت عنوان ثنايا الذاكرة، إنه المناضل الكبير الغيور على وطنه المرحوم ذ. امحمد الظاهر، فمن هي هذه الشخصية البارزة، التي قاومت الاستعمار الفرنسي
مع زمرة من المقاومين الذين نقشوا
تاريخ الحركة الوطنية بمداد من الفخر والعز والكرامة؟
ولد سنة 1931 بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، وفي أول خطوة له، نحو التمدرس التحق بالكتاب القرآني، فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، بعدها التحق بالمدرسة العبدلاوية، حيث نال الشهادة الابتدائية، تم تابع دراسته بجامعة القرويين بمدينة فاس، وبها أدى القسم على يد الشهيد عبد العزيز بن ادريس العمراني الحسني رحمه الله ،بعدها انتقل إلى مؤسسة عبد الكريم لحلو بالدار البيضاء، إلا أن القرار الجائر الذي أصدره المقيم العام الجنرال جوان حال دون حصوله على شهادة البكالوريا، فالتحق بالتعليم الرسمي كمدرس للغة العربية بالدار البيضاء لحزب الاستقلال، ومنها مباشرة إلى صفوف المقاومة المسلحة المغربية .اعتقل يوم 16 يونيو 1963 بمقر الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدار البيضاء، مزج بين النشاط الوطني والسياسي والعمل الجمعوي خلال مسيرة الجهاد الأكبر بعد الاستقلال، فحصل على الوسام الوطني لأطر ومسيري بناء طريق الوحدة من طرف الملك المحرر المغفور له محمد الخامس، وساهم في بناء »الاتحاد الوطني للقوات الشعبية«، حيث انتخب عضوا ضمن الكتابة المحلية لفرع المدينة القديمة، وعضوا في اللجنة المركزية بالدار البيضاء .انتخب نائبا برلمانيا بالدائرة الثانية لعمالة الدار البيضاء في أول برلمان يشهد النور على يد المغفور له الحسن الثاني. أنعم عليه جلالة الملك محمد السادس بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، كما حصل على الدرع الوطني من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وحظي بتكريم من طرف مؤسسة الزرقطوني للثقافة والأبحاث.

 

رغم أن المناضل الفقيد امحمد الظاهر كان يعرف الشهيد محمد الزرقطوني رحمه الله. عن قرب كرياضي متخلق ضمن فريق »المولودية البيضاوية« رئيسا مؤسسا ومسيرا ناجحا. وجناح أيمن متميزا يوم التباري. وسياجا ماهرا أيضا. يعشق البحر ويصارع أمواجه في لهف شديد. وذلك بحكم الجوار والمخالطة ومشاطرته الهواية نفسها. ويؤمن بالمبادئ عينها التي كان متشبعا بها وداعيا مقداما ورائدا سباقا لها.
في ليلة من الليالي كان في ضيافة الأخ محمد خودي الناصري رحمه الله. بمنزله الكائن آنذاك بالنواصر. وأثناء الحديث حول شخصية الشهيد محمد الزرقطوني. حدثه بما يلي. »كنت رفقة الشهيد في مهمة سرية وأثناء عودتنا مررنا في طريقنا بشاطئ البحر. فاشتاق ان يأخذ حمام سباحة. فلم يسعني إلا الاستجابة لرغبته في السياحة التي لا تقاوم. وفجأة خلع ثيابه وارتمى في أحضان أمواج البحر يداعبها في شغف إلى أن أشفى غليله منها. وكأنه يودعها الوداع الأخير. فخرج إلى الشاطئ وارتدى ثيابه. وقبل أن يمتطي السيارة تفقد قرص السم الذي كان لا يفارقه أبدا. فلم يجده. فحرص جيدا حتى لا تتلفه حركة أقدامنا بالرمال. فشاءت الأقدار أن اعثر عليه. وعندما سلمته له لمحت علامة الرضا والاطمئنان بادية على وجهه. وكأن هذا القرص القاتل بمثابة تأشيرة انتقاله إلى دار البقاء والخلد. حدث هذا قبل استشهاده ببضعة أيام، هذا الحدث يؤكد استعداد الشهيد محمد الزرقطوني ملاقاة ربه عندما تدق ساعة الاختبار.
كان أول اتصال مباشر بالشهيد محمد الزرقطوني وامحمد الظاهر عن طريق لجنة الرواد في منتصف سنة 1949 بعد انضمامه اليها بصفة رسمية. وأثار انتباهه اليه حيويته ونشاطه ومرحه ومداخلاته المتميزة التي تنم عن حدة الذكاء وبعد النظر والتي كانت تشد انظار الحاضرين اثناء الاجتماع الاسبوعي للمسيرين الذي كان ينعقد ليلة الجمعة بصفة دائمة. ماعدا عند حدوث طارئ يستوجب التغيير. تميز أيضا بسخاء العطاء ونكران الذات ومكارم الأخلاق وصدق الكلام. لقد أكرمه الله بهذه الخصال الحميدة التي اشتهر بها بين القريب والبعيد حتى عدت بيوت جميع المواطنين دون استثناء مفتوحة في وجهه دون حجاب. حيث كان يعتبر الكبرى اخته والصغرى كريمته بل حتى المشاكل الاجتماعية المستعصية كانت تجد حلا على يده. لم يكن همه في الدنيا متاع. وانما كان سعيا في طلب الحرية دون ان يعبأ بالثمن ويرضى باستقلال الوطن بديلا.
ورغبة من الفقيد المناضل امحمد الظاهر في معاشرته وربط علاقات ودية تجمع بينه وبين الشهيد محمد الزرقطوني والتي أعتز بها على الدوام لكسب بعض المزايا المنفردة التي تحلى بها هذا الشاب المناضل. القدوة المثالية في كل شيء. والاستفادة أيضا من خبرته وتجربته قصد استثمارها في النشاط الوطني وتطويره بالنسبة إلى مسير مبتدئ مثله. يريد أن يعطي أجمل ما عنده ويضحي بكل ما يملك وقد تأتى له ذلك بمشيئة الله تعالى – حيث كان يسكن الشهيد في البداية بمحج بوطويل. المنطقة التي اشتهرت بنشاطها الوطني على جميع المستويات. والتي أشاد بذكرها الفنان الراحل بوشعيب البيضاوي. في إحدى أغانيه الشعبية إكراما للوطنيين والمقاومين الذين تركوا بصماتهم على أرضيتها. وكان امحمد الظاهر قد وظف نشاطه المتنوع بهذا الحي بعيدا عن حومته درب الجباص التي كان يقطنها.
وتعتبر منطقة بوطويل الحيوية إبان الاستعمار احدى القواعد التنظيمية للكفاح الوطني من أجل الاستقلال بالنسبة للمدينة القديمة. وسهل له هذا الجوار في البداية. الحرص من جانبه على مرافقة الشهيد إلى مقر الاجتماع الأسبوعي للرواد. الذي كان لا يعلم به أحد غيرهم. ومن باب الاحتياط كانوا يحضرون إلى مكان الاجتماع بصفة فردية متقطعة اي بين الواحد والآخر فترة زمنية وجيزة حتى لا يثيروا انتباه الاخر. وكذلك عند المغادرة أيضا. مع العلم أن جل السكان من غير الوطنيين. كانوا متعاطفين مع الحركة الوطنية يؤيدون نشاطها ومواقفها البطولة. ويكرهون الاستعمار ويمقتون عملاءه. مما سهل على المقاومة المسلحة منذ انطلاقتها مأموريتها وانتصارها على العدو والخونة. والمرتزقة عملاء الاستعمار هذا الثالوث الخبيث الذي كلف الشعب المغربي ما لا يطيق فتحمل بصبر وجلد دون كلل أو ملل. فنال جزاء الصابرين. ويبقى الجزاء عند الله. فكان هذا الاختيار هو السبيل المؤدي إلى توطيد العلاقات القوية بين امحمد الظاهر والشهيد محمد الزرقطوني. والذي كان يعتبره أكثر من أخ وكان الشهيد يبادله نفس الشعور فاستمرت هذه الاتصالات والروابط المتينة عبر محطات نضالية في اطار الحركة الوطنية.
لم يكن الاجتماع الأسبوعي للرواد سلبيا. و إنما كان ذا أهمية بالغة تناقش فيه بعد القراءة.


الكاتب : إعداد: محمد تامر

  

بتاريخ : 27/07/2017