منها التربية على المواطنة، تكوين فكر نقدي والبحث عن المعنى عالم دين يدافع أمام جلالة الملك عن خمسة مبررات لإرساء تعليم ديني جيد بالمدرسة

تساءل أحمد آيت إعزة، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات ابن مسيك بالدار البيضاء، عند القائه الدرس السادس من الدروس الرمضانية، عن ضرورة إرساء تعليم ديني جيد بالمدرسة المغربية، وأبرز، في هذا الصدد، أن هناك خمسة مبررات رئيسة تقدم عادة عند إثارة هذه المسألة، يتعلق الأول منها بالتكوين الثقافي الذي هو مطلب يستدعي تمكين المتعلم من ثقافة دينية صحيحة ومتوازنة، مسجلا أنه كيف يمكن فهم المستقبل المشترك للحضارات الإنسانية في غياب الأسس والدعامات التي أرساها الدين فيها، فمستقبل الإنسان والدين لا ينفصلان، ومن ثم فغياب المرجعية الدينية لدى المتعلم لا يحجبه عن موروثه الخاص فحسب بل إنه يقطعه كذلك عن عالمه المعاصر، مبرزا أن “الجهل بالدين وعدم التنشئة عليه” يجتث الشباب من أصولهم وجذورهم ويجعل اكتساب كثير من المعارف عسيرا، بل يهيئ لتقبل التطرف وعدم التسامح.

ويتعلق المبرر الثاني، يضيف المحاضر، بالتربية على المواطنة، فبتشجيع التعليم الديني يتم ترسيخ ممارسات تستهدف، في إطار احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، تنمية الوعي بالتنوع الثقافي من جهة، وضرورة المحافظة على الانسجام المجتمعي من جهة أخرى، مؤكدا أنه من الحيوي في المجتمع جعل المتعلم يعرف ويكتشف، خلال مساره الدراسي، أن هناك ثقافات ومعتقدات أخرى من غير دينه الذي يراه حقا وعدلا.
أما ثالث المبررات، يضيف الأستاذ أحمد آيت إعزة، فهو التكوين الشامل للمتعلم، حيث بين أن الدراسات الحديثة أثبتت أن المنطق الأداتي والعلمي والتقني لا يكفي لتكوين الإنسان وبناء شخصيته، إذ يتوجب، إضافة إلى ذلك، تهيئته لمنطق أوسع يتضمن البحث عن المعنى والقيم، فالتعليم الديني، يقول المحاضر، يسهم في بلوغ هذا الهدف الجوهري بفتح المتعلم على سؤال المعنى والمسؤولية الأخلاقية، إذ يمثل الدين أهم الموارد المحفزة على التفكير في علاقة مع الحياة.
ويهم المبرر الرابع تكوين فكر نقدي، وفي هذا الصدد سجل المحاضر أنه بخلاف ما يظنه من يرى أن تعليم الدين مجرد حشو للذاكرة، فإذا كان الدين يدعو إلى التدبر والتفكر والاعتبار والمجادلة بالتي هي أحسن، فإن أي إقصاء للدين من المدرسة يعني تشجيع التطرف والعنصرية والعصبية ونشر الفكر الظلامي خارج المدرسة.
ويتعلق المبرر الخامس بالبحث عن المعنى، إذ بين المحاضر أنه منذ غابر الأزمان والإنسان في بحثه الروحي وهو يسعى أن يعطي معنى لحياته، ومنذ بداية الخليقة إلى الآن والأديان تشغل فكر الناس وتؤثر في سلوكهم، ومازالت الإنسانية تطرح الأسئلة الأساسية حول الحياة، معتبرا أن الجواب عن هذه الأسئلة وما في حكمها لا تقدمه الفلسفة التي في طبيعتها أسئلة مفتوحة، ولا يقدمها العلم الذي يتناول المحسوسات ويتغير باستمرار، ولكن الدين يقترح على المتعلم معنى لحياته الخاصة بحسب الدين إن أراد أن ينخرط فيه على أساس الإيمان.
وكان أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، قد ترأس يوم الاثنين بالقصر الملكي بالرباط الدرس السادس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.
وتناول الدرس بالدرس والتحليل موضوع “تعليم الدين في مدارس المملكة المغربية ومقاصده الكونية”، انطلاقا من قول الله تعالى “وما كان المومنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”. وأبرز المحاضر، في البداية، أن الغاية من هذا الدرس التعريف بإصلاح من إصلاحات جلالة الملك محمد السادس الذي أمر بها وأولاها سابغ عنايته، ويتعلق الأمر بإعادة هيكلة مواد التعليم الديني في المدارس العمومية بجميع المستويات، والذي يخص حوالي ستة ملايين من رعايا جلالته المتمدرسين بمختلف أسلاك التعليم الابتدائي والثانوي، وذلك بعد أن أعطى جلالته تعليماته السامية لوزير التربية الوطنية ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للقيام بمراجعة برامج التعليم الديني بالمنظومة التعليمية من أجل ملاءمتها مع الحاجات الدينية الحقيقية للمتعلم مع استحضار الثوابت الدينية والوطنية في ظل الانفتاح على القيم والمتغيرات الدولية، مذكرا بأنه كان من مناقب سديد النظر الشريف لجلالة الملك إشراك المجلس الأعلى في بلورة هذه الخطة وتنفيذها.
وأشار المحاضر إلى أن الله سبحانه وتعالى بين في الآية منطلق الدرس حكم تعليم الدين والتفقيه فيه باعتباره داخلا في الجهاد الأكبر القائم على تبليغ دين الله بالحجة والبرهان، فكان من الضروري لفت أنظار المسلمين للعناية القصوى بهذا الجانب، فأمروا بأن تنفر أي تخرج وتتكرس وتتكلف منهم طائفة بذلك، مبرزا أن الآية تدل على وجوب تعميم العلم بحيث يفهم مضمونه ومقصده وحكمته وهذا تفيده كلمة التفقه.
وبين الأستاذ أحمد آيت إعزة، في هذا الصدد، أن من براعة النظم في هذه الآية أن قابل الله تعالى الحض على طلب العلم في قوله “ليتفقهوا في الدين” بالحث على تعليمه وبثه بين الناس في قوله “ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم” فذكر العلة للنفير وهي التفقه أولا، ثم الإعلام لقومهم بما علموه من أمر الشريعة فصار واجبا على أهل العلم تعليم الناس ما لا يسعهم جهله.
وأوضح المحاضر أن الله تعالى ختم الآية ببيان الغاية والحكمة من العلم في قوله “لعلهم يحذرون” أي يتعظون فيعملون بمقتضى العلم، وبهذا فإن التعلم لا يكتسب معناه عند المتعلم إلا باقترافه بالعمل، بحيث يكون ما تعلمه مجديا ونافعا له في نفسه ولغيره في حركته الاجتماعية.
وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى الحديث عن الاختلالات المرصودة في الممارسة، وقال في هذا السياق إنه وفي مقابل هذه الحاجة الحقيقية هناك ممارسات شاذة صاحبت تعليم الدين بالمدرسة وغيبت مقصده الأسمى وهو التفقه في الدين ليبني الإنسان علاقة متينة بربه وبنفسه وبغيره وببيئته، إذ أن بلوغ هذه الغاية يبطلها تقديم الدين إما بنظرة تشدد أو تناول جامد.
وأجمل الأستاذ أحمد آيت إعزة أسباب هذه الانحرافات في ثلاثة يتعلق الأول منها بالتحريف حيث يتم تحريف معاني الدين وحقائقه حتى إن بعض المتدينين أوالمنتسبين إلى الدين فهموا كثيرا من مفاهيمه على غير ما حرره أهل العلم، من مثل تضييق معنى “العبادة” وحصره في عدد من الشعائر أو توسيع معنى “البدعة” ليشمل مجالات الحياة اليومية، أو التساهل في تداول مفاهيم “التكفير” و”التفسيق” مما أفضى إلى إكساب الناشئة سلوكيات لا تليق بهذا الدين السمح ولا تتفق مع روح الرحمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى العالمين.
بعد ذلك، أشار المحاضر إلى أنه سيتناول موضوع الدرس في مقدمة وثلاثة محاور، حيث تتعلق المقدمة ببيان حيوية وجود تعليم ديني جيد بالمدرسة المغربية، والتعريج فيها على بعض المشكلات المصاحبة لتعليم الدين، ثم عرض مكونات الخطة الإصلاحية وأهم ثمراتها، ابتداء ببيان مقاصد الدين المؤطرة للمنهاج الجديد والتي تضمن إبراز حقيقة الدين وروحه، وتعصم من التطرف والشذوذ، وبعد ذلك الإشارة إلى المنهج التربوي النبوي المعتمد أساسا للتنشئة على مبادئ الدين وقيمه السمحة، ثم الختام بالتذكير بنتائج خطة الإصلاح والتدابير والإجراءات المصاحبة لضمان نجاح عملية تنزيل المنهاج الجديد.
ويتعلق السبب الثاني بالجمود، إذ على الرغم من أن ظاهرة تأخر المدرسة عموما عن مسايرة حركية المجتمع عامة في كل الأنظمة التعليمية، إلا أن جمود طرق تدريس الدين وعقمها صارخ ويكاد يكون مترسخا فيها، حيث أسهمت هذه الطرائق البالية في فصل المعلومات الدينية عن سياقها الفقهي النافع وعزلها عن بيئتها الاجتماعية فتحولت المضامين إلى محفوظات غير مفهومة.
وبين المحاضر أن السبب الثالث يتمثل في الانفصام، وذلك باستعمال المادة الدينية في الترويج لمعلومات منقطعة عن الواقع بل ومتنافرة معه في بعض الأحيان، ولا سيما القوانين والتشريعات والنظم، معتبرا أن هذا الشعور خلق عند بعض الشباب ارتباكا وزج بهم في حالة من الغربة في مجتمعهم بمعاداته أو نبذه أو الانسحاب منه بطرق شتى، مضيفا أن بعض المفاهيم الدينية مجردة يصعب على الصغار فهمها واستيعابها خاصة ما يتعلق منها بالغيبيات واليوم الآخر.


بتاريخ : 06/06/2018