من خنيفرة وبني ملال ضحايا يتساءلون عن مصير ملف «موثق» نصب عليهم في مبلغ 233 مليون سنتيم؟

يواصل ثمانية مواطنين بمدينتي خنيفرة وبني ملال، ومهاجرين بالديار الأوروبية، التحرك في كل الاتجاهات، ومراسلة مختلف الجهات والسلطات المسؤولة، إقليميا ووطنيا، للاستفسار عن مصير “أرزاقهم” التي استولى عليها أحد الموثقين ببني ملال، والبالغة 233 مليون سنتيم، كان قد حصل عليها، بطرق ملتوية، في إطار معاملات تتعلق ببيع وشراء أملاك عقارية، مستغلا ثقة زبنائه في استلام أموالهم كودائع، موهما إياهم بأنه يودعها في الحساب المهني لدى صندوق الإيداع والتدبير وفق القانون المنظم لحسابات الموثقين، غير أنه لم يكن يقم إلا بمراكمتها في حسابه البنكي، ليأخذ في التهرب والمناورة، قبل إغلاق مكتبه واختفائه عن الأنظار، ما أكد لزبنائه أنهم وقعوا ضحية نصب واحتيال، قبل أن يعلموا بهوية الموثق ونصبه على العديد من الضحايا غيرهم.
ويؤكد ضحايا الموثق (م.أ) أن خيوط القضية لاتزال غامضة، سيما بعد علمهم بأن المعني بالأمر ينتسب لأسرة نافذة في دواليب بعض مؤسسات الدولة، وقد تكون لها يد وراء تمكين ذات الموثق، في وقت سابق، من نزع شعرة تورط، في عملية الاستيلاء على مبلغ 80 مليون سنتيم، بعد أن اعتقل في شأنها من مكتبه، مصفد اليدين، على يد شرطة بني ملال التي سلمته لأمن الرباط التي استمعت إليه في المنسوب إليه قبل أن يعود لمكتبه في ظروف أسالت الكثير من الاستفهامات، واكتفت الأجوبة حينها بما يفيد أن أفرادا من أسرته قدموا ضمانات للإفراج عنه وإعادة الأموال لأصحابها، ولم يكن مفاجئا أن يعود لمواصلة اقتناصه لضحايا جدد.
ويقول الضحايا الثمانية، ممن تسلمت “الاتحاد الاشتراكي” نسخا من شكاياتهم، أن قضيتهم بدأت في البروز منذ دجنبر 2016، عندما تأكد جميعهم أنهم ضحية عملية نصب واحتيال، بعد عدة أشهر من التماطل والتسويف التي كان يواجههم بها المتهم تارة، وتارة أخرى تتفنن سكرتيرته في مناورتهم بألوان من المراوغات، إلى أن عمد المعني بالأمر إلى “إخماد” صوت هاتفه النقال، والاختفاء عن الأنظار في ظروف مشبوهة بررتها سكرتيرته تارة بأنه في مهمة خاصة، وتارة أخرى تدعي أنه في إجازة مرضية، وقد سبق لبعض الضحايا أن وقفوا على فراره لحظة إشعاره باقتراب لجنة تفتيش من مكتبه.
وصلة بالموضوع، أخذت شكايات الضحايا تتهاطل على مكتب الوكيل العام للملك لدى استئنافية بني ملال، يطالبون فيها بالتحرك لحماية واسترجاع أموالهم قبل فوات الأوان، وكم كانت صدمتهم قوية في انتشار ما يفيد بتمكن المعني بالأمر من مغادرة التراب الوطني، وموازاة مع ذلك أسرع الوكيل العام، إلى تعيين موثق جديد لتصريف الأعمال، وإتمام الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتحفيظ والتسجيل، في حين ظل أمر مبلغ 233 مليون مجهولا على خلفية عدم إيداعه لدى صندوق الإيداع والتدبير، وفق المنصوص عليه ضمن المرسوم المنظم لحسابات الموثقين، بعد أن اتضح للجميع أن “الموثق النصاب” كان يودعها في حسابه الشخصي بالبنك، ويوهم ضحاياه بوثائق مزورة لطمأنتهم.
وعلى خلفية تحركات خفية، ومتابعة الموثق المعلوم بتهمة خيانة الأمانة والتزوير في محررات رسمية، ظهر هذا الموثق وهو يسلم نفسه للنيابة العامة ببني ملال، بعد مضي 40 يوما عن اختفائه، وصدور مذكرة بحث في حقه، حيث أعترف أمام القضاء بالمنسوب إليه، مدعيا انه لم يتبق من 233 مليونا سوى مليون سنتيم فقط في حسابه بأحد الأبناك و70 درهما فقط ببنك ثان، والباقي صرفه كله في تدبير حياته اليومية، وانه لا يتوفر على أملاك ولا عقارات، ولم تمر أقواله دون حمل الضحايا على التساؤل حول معنى ظهور الرجل ليقول هذا الكلام بدم بارد؟ وما إذا كان وراء الأمر حيلة منظمة للاستمتاع بالمبلغ المسلوب بعد “عطلة سجنية” مريحة.
وكان طبيعيا أن يطرح الضحايا مجموعة من التساؤلات العالقة، ولا أقلها متى وكيف سحب الموثق النصاب أرصدته قبل فراره؟ ولماذا سلم نفسه بعد 40 يوما من فراره؟ وأين قضى فترة اختفائه؟ وكيف حصل على سيارة رباعية الدفع من إحدى شركات التأمين؟ وإذا تمكن فعلا من مغادرة المغرب، فكيف خرج ودخل وهو موضوع مذكرة بحث؟ هل يكون قد هرَّب أموال الضحايا واستثمرها في الخارج؟ إلى غير ذلك من الاستفهامات المشروعة، مع وجود محاولات تسعى إلى إثبات ما يزعم أن المعني بالأمر قد أصيب بخلل عقلي، وذلك بهدف “انتشاله” من مسطرة المحاسبة والمعاقبة، ومنذ أول جلسة تحقيق لدى قاضي التحقيق، في الثامن من فبراير 2016، مازال الضحايا يعيشون حالة نفسية، اجتماعية وعائلية متردية، على أمل إنصافهم باسترداد “أرزاقهم” المسلوبة منهم.
ومن خلال تصريحاتهم ل “الاتحاد الاشتراكي”، لم يتردد عدد من الضحايا في تحميل الدولة مسؤولية استخفافها بتلاعبات الموثق الذي لم يكن يودع مستحقات الزبناء بحساب الودائع والأداءات لدى صندوق الإيداع والتدبير، طبقا للمادة 33 من القانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق، والمرسوم 2.14.289 الصادر في 14 ماي 2014، كما أن المادة 26 من ذات القانون تنص على أن الموثق هو المسؤول عن الأضرار المترتبة عن أخطائه المهنية، في حين أن المادة 2 من المرسوم تؤكد على أن الشيكات الحاملة للقرض العقاري، غير قابلة للتظهير وتكون مسطرة تسطيرا خاصا، وتتضمن بين الخطين المتوازيين كلمة CDG لكي توضع في الحساب المهني لهذا الأخير عكس ما كان يقوم به الموثق المعلوم، دون حسيب ولا رقيب، وفي كل ذلك ما يستدعي تحديد المسؤوليات وتوسيع دائرة التحريات لتشمل باقي الواجب مساءلتهم.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 18/04/2017