مهرجان مكناس في نسخته الثالثة : الفنانة لطيفة رأفت تتحف والكوميدي إيكو يبدع ويضحك ومجموعة آش كاين تلهب جماهير مهرجان مكناس والمطرب العالمي هاني شاكر يختتمه

أسدل الستار نهاية الأسبوع الذي ودعناه عن فعاليات مهرجان مكناس في نسخته الثالثة باحتضان القاعة المغطاة المسيرة سهرة فنية كبرى أحياها المطرب العالمي هاني شاكر وسط حضور مميز من عشاق الفن والغناء من عاصمة المولى إسماعيل ومدن أخرى تجاوب بشكل كبير مع أغانيه التي استهلها بأغنية “ونعْمَ الملوك يا ملكنا التي يمدح فيها الملك محمد السادس واختتمها بأغنية”جانا الهوى جانا” للعندليب الأسمرعبدالحليم حافظ.
وقبل هاني شاكر أطربت الفنانة المكناسية سامية صبري بصوتها العذب جمهور مكناس بطابق متنوع من الأغاني المغربية والعربية المميزة لفنانين كبار من أمثال لطيفة رأفت والراحل إبراهيم العلمي والراحلة أم كلثوم. فيما شهد صباح اليوم الأخير من مهرجان مكناس عرض مسرحية للأطفال تحت عنوان “رضا والحبة السحرية” من تقديم فرقة مسارات لمسرح الدمى.
ونفس التجاوب والتفاعل والاستقبال الحار لعشاق الفن المغربي الأصيل لقيته الفنانة المتميزة لطيفة رأفت التي أتحفت ساكنة مدينة مكناس بأدائها باقة من الأغاني تفاعل معها الجمهور الغفير الذي لم يتسع له فضاء قاعة الفقيه محمد المنوني التابعة للمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة، مساء يوم افتتاح فعاليات مهرجان مكناس في نسخته الثالثة الذي نظمته جماعة مكناس بشراكة مع مجلس جهة فاس مكناس خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 8 دجنبر 2018.
وهكذا استهلت لطيفة رأفت باقة أغانيها التي تفاعل معها الجمهور بأغنية “والو” ثم” توحشتك” وأغاني أخرى من ألبومها المتميز والخالد، ونفس الشيء بالنسبة للكوميدي إيكو الذي أبهر وأبدع واضحك المئات من الذين تمكنوا من ولوج قاعة المنوني التي حرم منها آخرون بالنظر للإقبال المتزايد على السهرات الفنية المتميزة التي برمجها المنظمون، ومحدودية الطاقة الاستيعابية لها ما حذا برئيس جماعة مكناس عبدلله بوانو إلى تقديم اعتذار باسمه وباسم الحاضرين لكل الذين لم يسعفهم الحظ متابعة الأمسية الفنية مباشرة، معلنا في ذات الوقت أن الوقت حان لدفع المجلس إلى الإسراع في بناء مسرح كبير يستجيب لتطلعات ساكنة مكناس التواقة لمتابعة الفن بكل أشكاله، كما كشف في معرض كلمة مقتضبة ألقاها بالمناسبة أن النسخة المقبلة من المهرجان ستتولى تدبيرها وتسييرها مؤسسة مستقلة في إشارة إلى شركة التنمية المحلية.
وقبل ذلك افتتح الوفد الرسمي المشكل من عامل عمالة مكناس والكاتب العام بها ورئيسي جماعة مكناس والمشور الستينية ومنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية وشخصيات مدنية وعسكرية، افتتح معرضا للكتاب ورواق منتدى الجمعيات الثقافية والتربوية والرياضية التي عرضت إنجازاتها وإبداعاتها، ونفس الشيء بالنسبة لتعاونيات الاقتصاد الاجتماعي التضامني التي عرضت إبداعاتها وأبرزت منتوجاتها.
هذا، وتواصلت فعاليات هذه التظاهرة بتنظيم ندوة علمية قدمت فيها المشاريع المستفيدة من دعم جماعة مكناس بالمدرسة العليا للتكنولوجيا وكلية العلوم وعرض ومناقشة شريط “كيليكيس.. دوار البوم” للمخرج عز العرب العلوي وتقديم إبراهيم الزرقاني، فيما احتضن المركب الثقافي للجمعية الإسماعيلية الكبرى سهرة فنية أحياها الفنان إدريس الفنان الحمري وبدر العلوي وتنشيط عادل العلوي. أما رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فشهد يوما دراسي حول موضوع “التراث كمصدر للتنمية المجالية المستدامة” بمشاركة أساتذة وخبراء ومؤسسات رسمية. وعاش المركب الثقافي للجمعية الإسماعيلية حفل تكريم تخللته فقرات فنية تراثية أحيتها الفنانة نعيمة الطاهري والفنان انور برادة.
وإذا كان سعي المنظمين من خلال الدورة الثالثة ل”مهرجان مكناس” هو الترويج للمؤهلات الطبيعية والتاريخية والحضارية التي تزخر بها عاصمة المولى إسماعيل لخلق رواج اقتصادي بها خصوصاً وأنها تتمتع بمقومات سياحية هائلة ومتنوعة تمنحها الأفضلية والتميز، إلا أن توقيته غير مناسب من جهة وتوقيت تنظيم الندوات العلمية لم يرقى بدوره إلى انتظارات ساكنة مكناس لمواكبتها.
من جهة أخرى يمكن القول أن المنظمين بقدر ما استفادوا من الهفوات التي شابت الدورتين السابقتين، فإن مهرجان مكناس لازال يبحث عن “مدير” له ينتمي للعائلة الثقافية والفنية بدل التناوب السياسوي على هذه المهمة النبيلة، كما سجل المتتبعون اختلالات تنظيمية غير مسبوقة تجلت في توزيع شارات “بادجات” خاصة بالصحافة أو التنظيم لمن لا صفة لهم.
وعن المهرجان وتنوع فقراته والإكراهات التنظيمية التي صاحبته والانتقادات التي وجهت للمنظمين قال البشير باباديه رئيس مصلحة الشؤون الثقافية والاجتماعية بجماعة مكناس وأحد مهندسي هذه التظاهرة أن الذكرى العشرين لتصنيف مكناس تراثا عالميا من طرف اليونسكو شكلت انطلاقة لإرساء مهرجان ثقافي متنوع بمقاربة تشاركية مع جميع المؤسسات والفاعلين، لجعل مدينة مكناس على موعد استثنائي كل سنة مع هذا الحدث الثقافي، إذ عرفت الدورة الأولى تنظيم معارض تؤرخ لذاكرة وتاريخ مكناس، وكذا معرضين للصناعة التقليدية وللفنون التشكيلية، وسهرات فنية أحياها فنانون لامعون، من قبيل عبد الوهاب الدكالي، والعالمي سامي يوسف والفنان المتألق نعمان لحلو، بالإضافة إلى سهرات متنوعة لفن الملحون والأندلسي والأمازيغي والسماع الصوفي والتراث العيساوي.  كما عرف تنظيم ندوات علمية متنوعة تتناول التراث التاريخي والمعماري والثقافي لمدينة مكناس بمشاركة باحثين وأساتذة مختصين وأكاديميين.
كما عرفت أمسيات “مهرجان مكناس” تنظيم سهرات خلقت الحدث من خلال مشاركة فنانين مغاربة مرموقين أمثال الشريف عبدو والفنانة الكبيرة سميرة بنسعيد وحضور طاقات ومواهب شبابية محلية واعدة أعطيت لها الفرصة لصقل مواهبها والالتصاق مع الجمهور بشكل مباشر، وأيضا من خلال مجموعات متعددة الألوان من فنون السماع الصوفي والأندلسي والملحون وعيساوة، تجعل المؤهلات التاريخية والثقافية للعاصمة الإسماعيلية في قلب الحدث في هذا المهرجان وهي فرصة للتعريف بهذا التراث اللا مادي الذي تزخر به مكناس.
وأوضح البشير باباديه أن ما ميز الدورتين الثانية والثالثة لمهرجان مكناس  هو إنشاء منتدى الجمعيات يضم أقطابا تتمثل في القطب الثقافي والاجتماعي وقطب ذوي الاحتياجات الخاصة والقطب البيئي والإنساني ومشاركة القطب الرياضي عرف إقبالا غير مسبوق باعتباره فضاء مفتوحا  للتواصل مع عموم المواطنين، من أجل تعريف الجمعيات بنفسها ومجال عملها بالإضافة للأهداف التي تسعى  لتحقيقها والمشاريع التي تروم القيام بها.
وعن السياق الذي يأتي فيه مهرجان مكناس في دورته الثالثة وما الذي يمكن اعتباره مختلفا عن الدورتين سابقتين؟
قال باباديه (الصورة) إن جديد الدورة الثالثة لمهرجان مكناس هو تنظيم جماعة مكناس احتفالية خاصة بذكرى تصنيف مكناس كثراث عالمي الذي صادف يوم 07 دجنبر  بشراكة مع فعاليات  المجتمع المدني.
وهي مناسبة بارزة تطبع الفعل الثقافي للمدينة من أجل التعريف بإرث عاصمة المولى إسماعيل الحضاري الغني الذي استحقت به أن تسجل لدى منظمة اليونسكو في قائمة التراث العالمي سنة 1996، وأيضا باعتبارها إحدى أهم المدن التاريخية بالمملكة، ثم  لتعزيز  مكانة المدينة سياحيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا .
وعلى الرغم من كون المهرجان لا زال في جنينيا فإن المسؤولين وضعوا نصب أعينهم كل الانتقادات البناءة والهادفة خصوصا من وسائل الإعلام الجادة وعلى رأسها “الاتحاد الاشتراكي” خلال تهييئ مهرجان هذه السنة الذي ضم فقرات متنوعة كما هو الشأن للدورتين السابقتين وذلك بتنظيم ندوات فكرية وعلمية، وأنشطة ثقافية وفنية، ومنتديات ومعارض للتعاونيات والجمعيات بالإضافة لأنشطة رياضية وعروض مسرحية للأطفال و التلاميذ. كما عرف”مهرجان مكناس” تنظيم أمسيات و سهرات خلقت الحدث من خلال مشاركة فنانين مغاربة وعرب في مجال الغناء والفكاهة ومواهب شابة محلية، وطبع المهرجان حضور فنون السماع الصوفي والأندلسي والملحون المميز للمدينة كما تفضلتم ونشرتم ذلك عبر جريدتكم.


الكاتب : يوسف بلحوجي

  

بتاريخ : 11/12/2018