نجاة بلقاسم، ريفية تحكم في باريس 25 / السلطة الباردة الأحادية اللون

هذه الحكاية، حكايتي، أصبحت أيضا حكاية جماعية، عامة ديموقراطية، جمهورية وسياسية، حكاية فرنسية لأنني وزيرة في الجمهورية، وأنني حملت كلمة بلادي، وفي بعض الأحيان تتمثل هذه البلاد في وجهي، لا هي حكاية جميلة ولا سيئة، فقط هي حكاية حقيقية.
بالنسبة لي قبل 39 سنة، الحياة رحلة بدأت في بني شيكر بالمغرب، ولا أعرف تماما كيف هو مسارها، أو بالأحرى أحاول ألا أعرف … بالمقابل، أعرف جيدا لصالح من أعمل كل صباح، كل مساء، في كل مرة أركب الطائرة، أغيب عن عائلتي، أعتذر عن حضور احتفال بنهاية السنة، أو عندما تتصل بي والدتي لتقول لي إنها لم تعد تراني، مؤاخذات حنونة، إنه شيء فظيع.
واليوم لا أعتقد أنه بإمكاني أن أتوقف هنا، أن أقول بأنني كنت ناطقة باسم الحكومة، وزيرة لحقوق النساء، وزيرة للمدينة، للشباب والرياضة، ووزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، بأنني وضعت قوانين ووقعت مراسيم، تلقيت ضربات، تكلمت في البرلمان.. ضحكت من صوري من هفواتي، وبالأخص استمتعت وسط هذا الصخب، وأيضا كوني كنت محبوبة، ولي أصدقاء في كل الظروف، كل هذا صحيح ومثير وقاس، لكن هذه ليست فكرة هذا الكتاب. الفكرة هي أن أتحدث عن فرنسا، عن فرنسا بلدي، فرنسا بلدنا…

 

ازدواجية لغوية اجتماعية؟ نعم، بمعنى قدرة كل من ليسوا من النخبة، ولكنهم يشكلونها، بفضل جهدهم وعملهم، من أجل الصعود درجا درجا سلم التراتبية الاجتماعية والثقافية، وفهم لغة الأعلى ولغة الأسفل، فالمزدوج اللغوي اجتماعيا ليس سوى ذلك الرجل أو المرأة القادر على الحديث بلغة فرنسا المزدوجة ولكن، وخصوصا، التفكير باللغتين، فعندما تتعلم لغة أجنبية يقال لك دائما »”ستكون مزدوج اللغة عندما ستتمكن من الحلم مباشرة في تلك اللغة” فالمبدأ هو نفسه.
تعتبر لغة أجنبية بالنسبة للكثيرين،عندما تسمع في التلفزة من أفواه رجال ونساء سياسة كلمات مثل “المعالجة الاجتماعية للبطالة” أو “التحويل المعياري للعمال” لوصف أوضاع حياتية يومية وحقيقية، يسميها أغلبنا بكل بساطة التعويض عن البطالة أو” ASSEDIE ” أو”ميترو -عمل -نوم”، نعم إنها لغة أجنبية وفي بعض الأحيان هي لغة عنيفة عندما تصبح المعالجة الاجتماعية للعطالة تعني التكفل والإعانة، فهذا أمر يجرح عندما نتحدث عن مجالات ترابية نازلة بمعنى غير مؤهلة كما لو أننا نتحدث عن ترتيب في بطولة كرة القدم، أو أن مدنا وقرى هذه المجالات الترابية فقدت أي أمل في التأهل، فهذا يفقد الثقة في النفس.
بالمقابل، هل من يمسكون بالسلطة (رجالا ونساء) وخاصة الرجال، يفهمون لغة فرنسا هاته؟ فرنسا التي لا ينحدرون منها والتي لا يعرفونها جيدا، هل هم قادرون على تجاوز عمومية وضبابية الإحصائيات والبرودة التقنية لأوراق المعلومات التي تصلهم لفهم واقع حياة الناس المتحدرين من الضواحي من الطبقة الوسطى الصغيرة في المدن أو من فرنسا الهامشية، فرنسا البوادي..… هل بإمكانهم أن يفهموا؟ عندما يتوفر لك كل شيء وبسهولة دون حاجة لحساب، هل يمكن أن تفهم بأن هناك رجالا ونساء مستعدون للسفر عشر كيلومترات إضافية للذهاب إلى محطة بنزين تبيع بثمن أقل بهامش 10 سنتيمات في اللتر؟ هل نستطيع أن نفهم أن يتبضع المرء حاجيات بيته من المتاجر الكبرى أو متاجر التخفيضات الكبرى، وآلة الحساب في يده لأنه ومع منتصف الشهر يدخل منطقة الخطر الحمراء وأن ميزانية العائلة أصبحت محسوبة وقريبة من الصفر؟ هل يمكن فهم ما معنى بطاقة بنكية في يدك ولا تستجيب؟ هل يمكن فهم ما معنى أن تقطع 50 إلى 500 كلم في الحافلة من أجل الحصول على عمل في بلد حدودي لأنه لم يجد عملا في بلده وقرب ذويه؟ وباستثناءات نادرة، الجواب عن كل هذه الأسئلة هو النفي، لذلك لابد من أن يكون في مراكز قيادة الدولة والمقاولات كما وسائل الإعلام. أناس كثر يعرفون جيدا أمراض الأسفل، وكلمات ولغة الأعلى والذين ينتقلون بسهولة من لغة إلى أخرى يجتازون في كل الاتجاهات الحدود غير المرئية التي تفصل في ما بيننا والتي تشكل جدرانا لعدم الفهم، والذين يجرون معهم من هذا الجانب أو من الجانب الآخر أناسا آخرين للمساهمة في كسر أسقف كما جدران الزجاج، من أجل الفعل المشترك، مختلطين كما هو المجتمع الفرنسي، مثلما أصبحت أمور أكثر فأكثر كالبحث والثقافة والجامعة، وسيكون من المؤسف أن تبقى الدولة والإدارة العليا والصحافة والمقاولة في قمة تراتبيتها منسجمة باردة أحادية اللون.


الكاتب : ترجمة وإعداد محمد خيرات

  

بتاريخ : 24/06/2017

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *