نعمان لحلو: نحن تطبعنا مع اللهو والتسلية حتى ظننا أن هذا هو الفن، أتمنى أن يكون» زمن كورونا» فرصة لكي يرجع الفنان لدوره الأساسي

يعرف العالم بشكل عام والمغرب بشكل خاص ظروفا صعبة جراء انتشار ما اعتدنا على تسميته بـ «داء كورونا»، والمكوث في البيت» الذي تطلبته ضرورة الوقاية من هذا الوباء والحد منه، إلى أن ترجع الأمور إلى نصابها. كل، تعامل مع هذا الوضع بطريقته، كل حسب مهامه ووظيفته وخلفيته الثقافية ونظرته للحياة، المبدعون أولى هؤلاء، ومن بين المبدعين المغاربة، الفنان والموسيقار نعمان لحلو، الذي بصم هذه الفترة من تاريخ المغرب بإصدارات فنية مرتبطة بالموضوع. عن هاته الأعمال وعن «كورونا» وانطباعاته كإنسان كان هذا الحوار

 

أعلم أن نعمان لحلو له معجبين يشتاقون لمعرفة جديده ككل، لكنني سأكتفي أثناء هذا الحوار بالتركيز على الظروف الحالية التي يعيشها المغرب، وبالتالي سؤالي الأول: كيف تعامل نعمان لحلو معها كإنسان؟

أسعى أن أبقى إيجابيا في ظل هاته الضائقة، أولا لأنه ليس لنا خيار، وثانيا لاعتقادي بأنه امتحان نمر منه، وثالثا لأنني وقفت شاهدا، ووقفنا جميعا، خلال هاته الأزمة، على ولادة «لحمة وطنية»، ملكا وشعبا ومجتمعا مدنيا بكل أطيافه. فهاته الأزمة بينت عن «معدن المغاربة». حقيقة أن الحياة لم تعد طبيعية، ولكنها تستمر.
كما أحاول أن أبقى إيجابيا، من جهة، لأساعد ابنتي التي تتلقى دروسها عن بعد، ومن جهة أخرى، لكي أبعث نظرة أمل في نفوس الناس الذين تعبوا وملوا من هاته الوضعية، ولو أن الملل لا يجب أن يتسرب لنا خاصة إذا ما قارنا حالنا بأحوال الأشخاص المرضى الذين يتواجدون بالمستشفيات أو بوضعية أولئك الذين جعلتهم طبيعة عملهم يضطرون مثل الأطباء ورجال الأمن والصيادلة وغيرهم.. للتواجد الميداني والجسدي بمقرات العمل. فنحن أكثر حظا لكون ما يطلب منا فقط، هو المكوث في منازلنا، وانطلاقا من كل هذا يجب أن نأخذ هذا الموضوع بإيجابية. فهي فقط أزمة عابرة سنتجاوزها بامتياز إن شاء لله. وهذا بالطبع لا ينفي الحزن اليومي الذي نعيشه عندما نطلع على عدد المرضى والوفيات، (لله يتولاهم بعنايته ورحمته)، ولكن الحياة ستستمر لأننا الآن نتحدث عن مصير أمة بأكملها.

 

وكيف يتعامل نعمان لحلو مع الوضع كفنان؟ هناك عدة أعمال تم إنجازها مؤخرا وأغنيتك الأولى التي صدرت هي باسم «كورونا» .

 

أولا أنا من النوع الذي لا يمكن أن يعيش بدون أن يشتغل، قد أموت من جراء ذلك، وبالتالي فكرت مع فريق عملي المتكون من الشاعر سعيد متوكل والموزع الموسيقي يونس خزان، بطريقة للاشتغال عن بعد، وقمنا بإنجاز كبسولات غنائية ورفعنا تحدي أن نخرج أغنية توعوية، بموضوع مختلف يؤديها في كل مرة مطرب (أو مطربة) مختلف وبلحن مختلف، وذلك كل يوم خميس، فكانت النتيجة الأولى هي أغنية أديتها بصوتي تحت عنوان «كورونا» طرحت يوم 19 مارس الماضي، وتحدث فيها عن «معدن المغاربة»، الذي يجب أن يظهر في أوقات المحن «وقت الشدة». والأغنية الثانية من أداء هدى أسعد صدرت الخميس 26 مارس واسمها «الرجا في لله»، ونشكر من خلالها الأشخاص المتواجدين في الواجهة الأمامية من رجال الأمن والطب والنظافة وغيرهم.. والأغنية الثالثة من أداء أدم بلمقدم، تحت عنوان «الأستاذ هو الأوتاد»، وهي عبارة عن تكريم للأستاذ والتي طرحت يوم الخميس 2 أبريل، هناك أغنية رابعة بصوت الفنان الرائد عبد الواحد التطواني، سيتطرق فيها، كرجل حكيم، للأزمات التي سبق ومر منها أجدادنا، وخرجوا منها وهم أكثر قوة مبدئيا، اتفقنا كفريق عمل على إنتاج أربع أغاني ولكن وحسب ما ستسير عليه الأمور في مابعد، قد ننتج أكثر.
الأغاني لحد الساعة خلفت صدى جيدا بالعالم بأكمله، حيث تتصل بي العشرات من الإذاعات والقنوات التلفزية من أجل إجراء لقاءات مباشرة.
أعمالي الفنية كانت دائما لصيقة بالإنسانية وبالمجتمع ولا يمكن أن تمر هاته الفترة دون أن أؤرخ لها، لذلك استعملنا الفعل الماضي عندما قلنا في الأغنية التي أديتها بصوتي:
«كان يا ما كان.. كورونا صبحت عنوان / وقت الشدة فينا معدن فينا معدن لازم يبان «.. لأنني متأكد بأننا نشهد تغييرا جذريا في العالم وسوف يكون هناك عصر ما قبل كورونا وعصر ما بعد كورونا».

 

بالفعل لقد سجل العديد من المتتبعين بأن هذا مشروع قائم بذاته، فلنتحدث عليه أكثر موسيقيا وفنيا؟

 

نحن فريق عمل يتكون من سعيد متوكل وهو شاعر من مدينة سلا، يعمل كأستاذ للرياضيات ويدرس تلامذة قسم باكالوريا، ويونس خزان وأعتبره عبقريا في الميدان الموسيقى وهو موزع موسيقي ومهندس صوت، والتحدي الذي رفعناه يعتبر نوعا ما صعب، لكوننا نشتغل عن بعد. مثلا المطرب نطلب منه أن يشتغل حسب برنامج معين فنبعث له كي يسجل لنا صوته مع احترام السرعة أو ما يسمى بـ «التامبو» حيث يرسل لنا ما سجله، قد يكون بها تفعادي حتى وعندها نقوم نحن بالاشتغال عليه تقنيا ونعمل له Un boost ونرسل أيضا لبعض الموسيقيين يقومون بنفس الشيء، فسواء الموزع الموسيقي أو أنا، نتوفر على برنامج بالحاسوب نقوم بمساعدات بالمرور بعدة مراحل للوصول إلى المنتوج النهائي الذي نطرحه على اليوتوب. وبالنسبة لنا كان تحديا لأننا لأول مرة نشتغل بهاته الطريقة وأعتقد أنها أعطت أكلها.

 

رجوعا لما سبق وتحدث عنه حول تاريخك للمرحلة، في اعتقادك ما هو دور المبدع والمثقف في المجتمع خاصة مع ما يعيشه المغرب من محنة حاليا؟

 

الفنان له دور في كل زمان وفي كل مكان، نحن تطبعنا مع التسلية حتى ظننا أن هذا هو الفن، وأتمنى أن تكون هاته هي الفرصة لكي يرجع الفنان لدوره الأساسي بعيدا عن إحصاء ملايين المشاهدة والاعتماد على مستخلصات اليوتوب، وغير ذلك من المعايير.. ويجب أن ينخرط في دوره الإنساني والمجتمعي لكي يظهر الآن و«يبان المعدن» وهذه دعوة للمجتمع والإعلام لكي ننتهي من عهد التفاهات التي نتشبث بها ونعطيها أسباب مختلفة، مرة نسميها الشباب مرة «الطوندونس» وتارة «الموضة، ففي الأخير لا يصح إلا الصحيح.
من جهة أخرى أنا في جميع خرجاتي الإعلامية أقول بأنني لا ألبي طلبات أي إنسان بمعنى ليس لدي بقالة مفتوحة بعنوان «ما يطلبه المشاهدون» بل لدي رؤيتي الشخصية وفني أنشره عندما أومن بأن ذلك رسالة. إذا ما توافق مع أذواق الناس أو الجمهور أكون سعيدا، وإذا لم يتوافق أحتفظ بنسختي وبرأيي.
وفي هذا الصدد أريد أن أسطر على أنه بالرغم من كون هاته الأغاني خلفت صيتا جميلا ليس فقط بالمغرب ولكن بكل العالم، لكن مع ذلك يطلع علينا بعض الظلاميين ينددون بدعوى أننا لسنا في «فترة الغناء»، ويخرجون «من جحورهم» لكي يشتموا ويسبوا من خلف شاشاتهم وأنا أعتقد، وأعتذر عن قولي هذا، بأن البهائم وحدها هي التي تعيش لكي تأكل وتنام وتتوالد أما الإنسان فيحتاج إلى جرعة من الجمال والفن في كل الأوقات وفي كل الأزمنة، فربما هؤلاء اختلط عليهم الحابل بالنابل وطبعوا مع اللهو والتسلية وبعض التفاهات التي عشناها لمدة عقدين من الزمان أما أنا أعمالي الفنية كانت دائما لصيقة بالإنسانية وبالمجتمع
أما عن قولهم «اذهب لتصلي» أجيب: بأن هذا شأن يخص العلاقة بين العبد وبين لله سبحانه وتعالى، ومن يقم ليصلي، فلا يجب عليه أن يتباهى بصلاته، ومن قدم مساعدة أو مؤونة لجاره مثلا لا يجب أن يتباهى بها ولا أن يلتقط صورة مع الحوالة المالية التي أرسلها، فكلها أعمال خيرية بين الشخص وخالقه، ولكل ضميره.
وعلى ذكر المساعدات، أنا أشكر الفنانة زينب ياسر وزوجها الموسيقار مصطفى الليموني، اللذين يشرفان على صندوق تأسس لمساعدة الموسيقيين والفنانين ونحن جميعا كفريق ساهمنا مع مجموعة من الفنانين في دعمه. ويتعلق الأمر بصندوق لإعالة أسر الموسيقيين وبعض الفنانين الذين يعانون من هاته الوضعية خاصة الذين يعملون بالنوادي الليلية والمطاعم التي تم إقفالها، وليسوا منخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي. ونحن الآن وصلنا حاليا على ما أعتقد لـ 100 عائلة وستزيد بحول لله لأن العديد لايزالون يساهمون كل حسب استطاعته، لكي نكون في مستوى الحدث.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 09/04/2020