وثيقة تاريخية للوالي مصطفى السيد مؤسس وزعيم جبهة البوليزاريو يكشفها كتاب «بوح الذاكرة» لمبارك بودرقة

الصحراء كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى

 

«(…) وكما أن تعاقب الدول والتنازع على السلطات وتناحر القبائل، أدت إلى ازدياد الهجرة لهذه المنطقة المحايدة الأمنة واللجوء إليها من كل مغلوب (يقصد الصحراء). بل وفي كثير من الأحيان الإعتصام بها من طرف الثائرين الذين يحضرون للإنقضاض على أعدائهم. ونتيجة لهذه الهجرة المتعاقبة صوب الصحراء والمعاكسة أحيانا منها إلى المغرب، فقد كانت المنطقة مرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الأحيان بالسلطة القائمة في المغرب، وكثيرا ما كانت تمارس سلطات مركزية من قبل هذه الحكومات على سكان المنطقة، خصوصا في حالات الحروب. فكانت كثير منها تجند سكان المنطقة لنصرتها. ويمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى»
هذا الكلام، الذي يجزم في أمر علاقة الصحراء بالمغرب، والذي يؤكدعلى أنها كانت (وظلت) إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية، وأن موجات السعي بين الشمال والجنوب قد ظلت لقرون موجات تواصل واحتماء وتفاعل وتأثير سياسي وتجاري وأمني، هو للوالي مصطفى السيد مؤسس جبهة البوليزاريو وزعيمها التاريخي، الذي يقوم مقام الحكمة الأصيلة النافذة التي تقول «وشهد شاهد من أهلها». وواضح أن الخلفية التي تحكمت في تصفيته واغتياله عند أعتاب العاصمة الموريتانية نواكشوط، إنما تجد أساسها في امتلاك الرجل لهذه القناعة الأصيلة، وأنه سيبوح للمناضل الإتحادي والحقوقي المغربي مبارك بودرقة (عباس) بالجزائر، أياما قليلة قبل اغتياله عن شكوك لديه حول سيناريو للتخلص منه. والحقيقة لا بد أن تظهر للعلن حول تلك العملية ذات يوم.
إن كلام الوالي مصطفى السيد (الفصل هذا)، لم يكن تصريحا مناسباتيا في دردشة عابرة، أو في تصريح صحفي قد تحكمه سياقات آنية، بل هو أمر حرص على تدوينه بخط يده، في وثيقة مكتوبة مطولة. أي أنه كلام مفكر فيه بروية، وأنه ترجمان لرؤية شمولية للرجل في سنة 1973، حتى بعد التعذيب الذي طاله ورفاقه من الطلبة المغاربة الصحراويين (بعضهم لا يزال على قيد الحياة هنا وهناك)، الذي نفذته السلطات الأمنية المغربية بأمر من الجنرال الراحل محمد أوفقير بمدينة طانطان. بمعنى أن الرجل، من موقعه كزعيم شبابي مسؤول، قد صدر في كتابته هذه عن رؤية مسؤولة وليس عن أهواء ردود الفعل.
إن هذه الوثيقة التاريخية الحاسمة والنادرة، أعتبرها أهم وثيقة جاءت في الكتاب الجريئ الصادر منذ أسبوعين للأخ مبارك بودرقة (عباس)، تحت عنوان «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة»، الذي جاء على شكل محاورة بين فاعل وشاهد على مرحلة حاسمة من تاريخ المغرب، مكثفة بأحدادتها ودقيقة بتفاصيلها، هي سنة 1973 (وأساسا أحداث 3 مارس منها المسلحة الشهيرة)، وبين باحث مؤرخ ينتصر للوثيقة التاريخية وللمنطق الذي يفرضه علم التاريخ، هو الأستاذ الصديق الطيب بياض، أستاذ التاريخ بكلية الآداب عين الشق بالدار البيضاء. فهو كتاب مبهر بكل المعاني، يلزمك أن تتفرغ له كليا حتى تنهي قصة التفاصيل الدقيقة الواردة فيه في جلسة واحدة حتى وإن طالت إلى الساعات الأولى من الصباح (أعترف أنني كنت أنوي فقط قراءة فصله الأول وإتمامه في ما بعد، ووجدتني مسمرا في مكاني من الثامنة مساء حتى الثالثة صباحا، لأن أسلوب الوصف وتوالي المعلومات تأسرك بمنطق الإكتشاف والتأويل والتفسير).
إن شهادة الوالي مصطفى السيد المنشورة بخط يده في كتاب «بوح الذاكرة» قد سلمها ذلك الشاب المغربي الصحراوي الثائر، المسكون بهم تحرير الصحراء من الإستعمار الإسباني، هو الذي درس بتارودانت ثم بكلية الحقوق بالرباط ومنها حاز الإجازة في الحقوق، إلى الأخ مبارك بودرقة بالعاصمة الجزائر في ربيع سنة 1973، هو الذي كان يلتقيه باستمرار.
لننصت لتفسير بودرقة للسياق الذي جاء فيه لقاؤه بمصطفى الوالي والشباب المغربي الصحراوي، المتضمن في الصفحات ما بين 321 و 330 من كتابه:
«عندما انتهينا من إيقاف النزيف وتضميد الجراح (يقصد بودرقة هنا نزيف وجراح فشل العملية المسلحة الكبيرة لمجموعة محمود بنونة في 3 مارس 1973 بالأطلس المتوسط)، أردنا ترسيخ هذا النهج بإيجاد بديل ثوري معقول وأكثر مصداقية. قلنا نحن أبناء الإتحاد ممن ارتضوا الكفاح المسلح خيارا، لم لا نفعل هذا الخيار في صحرائنا المحتلة من طرف الإسبان عوض تفعيله في خنيفرة أو تنغير أو الراشيدية؟.
حصلت هذه الإنعطافة الثورية ذات النفس التحرري من الإستعمار الإسباني لإيجاد مساحة محررة مكانه تمتد تدريجيا وتنتشر مثل بقعة زيت لتطال المغرب كله. جرى البدء في الإعداد لها خلال صيف 1973، ولهذا الغرض تم القيام بثلاث زيارات إلى تيندوف. ذهب آيت قدور (محمد) ثم الوالي مصطفى السيد (بعده) وأخيرا محمد بنيحى ومحمد بوزاليم. تزامنت هذه الزيارات الثلاثة مع الموسم السنوي لتيندوف وتمت كل زيارة بمعزل عن الأخرى للإستطلاع وجس النبض.
كان بوزاليم عضوا في جيش التحرير يتوفر على شبكة علاقات كبيرة ومتداخلة مع أهل الصحراء ممن يقصدون المسوم السنوي لتيندوف من مختلف ربوع الجنوب المغربي. عند عودته ضمن تقريره استعداد تجار أهل الصحراء ممن التقاهم في تيندوف لدعم هذه الحركة الثورية التحررية ومساعدتها ماديا. جاءت باقي التقارير لتؤكد نفس الأمر دعم تجار أهل الصحراء وحماس شبابها للإنخراط في هذا العمل، وإدراك جيد للمجال وقدرة هائلة للتحرك فيه بيسر في اتجاه الساقية الحمراء وواد الذهب.
بدورنا كنا نتوفر على السلاح اللازم لبدء العمل، بدا أن كل شئ بات جاهزا. لكن هناك ملاحظة مهمة أجمعت عليها تقارير الزيارات الثلاث لتيندوف جعلت قرار الإنطلاقة عالقا ومعلقا لأنها ببساطة أكدت استحالة أي حركة أو سكون في تيندوف بدون علم وإذن السلطات الجزائرية. عندما أوقفنا النزيف سابقا وطوينا الصفحة في تلك الفترة، قصدنا دوائر صنع القرار هناك وعرضنا عليهم نهجنا الجديد ومطالبنا الملحة. أكدنا لهم أننا قطعنا مع مرحلة العمل المسلح انطلاقا من أراضيهم، تفاديا لأي إحراج قد نسببه لهم في علاقتهم مع المغرب. انتقلنا بعد ذلك إلى المطالبة بأمور تروم تسوية أوضاع إخواننا الذين اختاروا المنفى على أراضيهم (…).
طلبنا لقاء لدى الرئاسة الجزائرية لشرح المشروع التحرري ضد الإستعمار الإسباني انطلاقا من أراضي تنيدوف. والأهم تقديم طلب للسلطات الجزائرية لغض الطرف عن تحركات المقاومين المغاربة فوق تلك الأراضي، باعتبارها لا تستهدف زعزعة استقرار الجزائر، بل تروم تحرير الصحراء المغربية من الإحتلال الإسباني.
تشكل الوفد المغربي الذي اتجه للقاء المسؤولين بالرئاسة الجزائرية من كل من عبد الغني بوستة والوالي مصطفى السيد (هذا يعني أنهم تحركوا بصفتهم مغاربة ومن الحركة الإتحادية). تم اللقاء مع ضابط جزائري بمؤسسة الرئاسة، استمع للعرض طويلا ووعد بالرد. انتظرنا الجواب، طال الإنتظار، وفمهنا الرسالة.
في ظل ذلك الصمت الجزائري الحامل لمعنى، انعقد مؤتمر أكادير في صيف 1973، حضره إلى جانب الملك الحسن الثاني كل من الرئيسين الجزائري هواري بومدين والموريتاني المختار ولد دادة. تزامن هذا اللقاء على مستوى القادة مع تأسيس جبهة البوليزاريو وتنفيذها لأول عملية ضد مركز إسباني.
بعد عودة الوالي مصطفى السيد من هذه العملية أخبرني، منتشيا بإطلاقهم للكفاح المسلح ضد الوجود الإسباني على التراب الجنوبي للمغرب. لم يكن لديه البتة أي نزوع انفصالي في البداية ولا كانت للجزائريين عليهم دالة ولا وصاية. ذلك أنني كنت حاضرا ومنسقا رفقة إبراهيم أوشلح لأول لقاء جمع الوالي مصطفى السيد مع جلول ملائكة المسؤول عن ملف الحركات التحررية بحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري.
كانت الأرضية المشتركة بيننا في البدء قائمة على هذا الأساس. تعاون بين التنظيم السري وبين مجموعة الشباب الصحراوي بقيادة مصطفى الوالي السيد لدحر الإستعمار الإسباني من الصحراء المغربية. يليه إيجاد مساحة تحررية يمكن تعميم تجربتها لتمتد شمالا. كل هذا تم ضمن إطار مشروع وحدوي، خال من أي نزعة انفصالية ودون تدخل الحسابات الإقليمية على الخط، ليبية أو جزائرية. (..)
في خطوتنا تلك، كانت أكثر من رسالة، وأكثر من رهان. كنا شركاء في المشروع بأفكارنا وأطرنا وسلاحنا، لكن شاءت الإرادة الجزائرية لاحقا أن تفصلنا عن بعضنا لتنفرد بجبهة البوليزاريو وتوجهها وفق بوصلتها» (انتهى كلام بودرقة).
هنا توضيح تاريخي مفصلي جد هام. فالحركة التحررية التي تزعمها مصطفى الوالي في بداياتها انطلقت مغربية وضمن أفق وطني مغربي وبغاية تحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني وخلق بؤرة ثورية (بمنطق القاموس السياسي للمرحلة) لإصلاح الأوضاع بباقي المغرب. بل إن بودرقة سيقدم تفاصيل أخرى أكثر دقة عن كيف التقى مصطفى الوالي بالزعيم الإتحادي عبد الرحيم بوعبيد والزعيم الإستقلالي علال الفاسي وزعيم الحزب الشيوعي المغربي علي يعتة (التحرر والإشتراكية حينها). فقد تحقق ذلك بعد القمع الذي طالهم بطانطان سنة 1972، إثر المظاهرة التي طالبوا فيها بعودة جيش التحرير المغربي بالجنوب لاستكمال ما بدأه في الخمسينات. هنا يقول بودرقة: «رتب لهم عبد الرحيم بوعبيد لقاء مع محمد اليازغي (بعد لقاء أول معه، لم يشر إلى تفاصيله الأخ مبارك بودرقة في كتابه، كان الواسطة فيه كما أكد لي في لقاء خاص معه الدكتور فتح لله ولعلو بسبب أنه كان أستاذا لمصطفى الوالي وأن هذا الأخير هو الذي اتصل به يطلب منه ترتيب لقاء له مع سي عبد الرحيم). واليازغي هو الذي نسق لهم تواصلا مع محمد الخصاصي. عمل هذا الأخير بدوره على مد جسور تفاعل أمامهم مع الخارج عبر باريس من خلال أخ الفقيه البصري، الذي نسج لهم خيوط الإتصال بالتنظيم في الجزائر من خلال محمود بنونة وإبراهيم التزنيتي.
أثناء لقاء الوالي مصطفى السيد، الذي قدم إلى الجزائر ممثلا للشباب الصحراوي، مع كل من محمود بنونة وإبراهيم التزنيتيفي مدينة وهران اندهش الوالي لعبقرية محمود التحليلية والمعرفية، ولإلمام إبراهيم بتفاصيل الصحراء مجالا وبشرا، هو الذي خبرها منذ مشاركته في جيش تحرير الجنوب المغربي في عدة عمليات في هذا المجال الصحراوي الفسيح. بعد ذلك توجه الوالي مصطفى إلى ليبيا، استقبله إبراهيم أوشلح هناك واقترح عليه إعداد برامج باللغة الحسانية، تقدم في إذاعة ليبيا فوعده بإرسال شخص يتكلم الحسانية. طلب أن يرتب له لقاء مع المسؤولين الليبيين، تمت الإستجابة لطلبه فطرح عليهم إمكانية تزويده بالسلاح، وكان جوابهم واضحا: «ثقتنا كبيرة في الإخوة الإتحاديين وأي قطعة سلاح لا بد أن تمر عبرهم». (انتهى كلام بودرقة).
كيف التقى بودرقة بمصطفى الوالي، بعد أن وصل إلى الجزائر عبر قناة اتحادية، من الرباط إلى باريس إلى وهران ثم العاصمة الجزائر، وما الذي باح له به قبيل اغتياله بأسبوع واحد؟ يجيب بودرقة في الصفحة 325 من كتاب «بوح الذاكرة»:
«عندما تحملت مسؤولية التنظيم بالجزائر، التقيت مصطفى الوالي السيد مع شاب آخر كان يرافقه، دار بيننا حديق عميق ومنتج، أبان فيه عن حس وطني وحدوي عال، وعن طموحه للتنسيق والتعاون معنا، وسلمني في هذا الشأن تقريرا مفصلا عن الأوضاع في الصحراء» (ذلك التقرير الطويل بخط يد مصطفى الوالي السيد يعتبر أطروحة تحليلية حول قصة تطور التفاعل مع الصحراء المغربية ضمن المخططات الإمبريالية الإستعمارية الأروبية منذ القرن 19، وفيه ذلك التوصيف الواضح أن الصحراء مغربية دوما وأنها إقليم من أقاليم المملكة المغربية كما أشرت إلى ذلك فوق).
هنا يضيف بودرقة في تقديم تفاصيل مدققة قائلا:
«تولينا أمور سفرهم وإقاماتهم. لو يكونوا على اتصال بعد بالمسؤولين الجزائريين بل كل التواصل والتنسيق كان معنا خلال هذه الفترة (يقصد سنة 1973). سأل عن إمكانية توفير السلاح، طمأناه أن الإمكانية متاحة ويجب التمهيد لها بجولة استطلاعية في تيندوف وهو ما ما قاد إلى الزيارات الثلاث التي أشرت إليها سابقا. صرنا نلتقي بين الفينة والأخرى يضعنا في صورة تحركاتهم الميدانية ويخبرنا بنوعية وعدد مقاتليهم وعتادهم وبعملياتهم دون أن يبدي أي رغبة في فك الإرتباط بيننا أو روح انفصالية اتجاه الوطن».
كيف وقع التحول؟ هنا يقدم بودرقة معطيات ضافية حول الدور الذي لعبه العقيد معمر القذافي الذي كان قد أرسل أحد أقاربه إلى الصحراء المغربية للإستطلاع وعاد منها ليهمس إليه أن تمة أصولا عائلية للقذافي بها، فكان أن احتضن مصطفى الوالي وأغدق عليه وجعله في مكانة زعماء التحرير العالميين وينظم له لقاءات مع رؤساء دول ومع زعماء تحرير من مختلف بقاع العالم، مما غير من رؤية ووضعية مصطفى الوالي هنا يخلص بودرقة بعد تفاصيل عدة في الصفحة 328 من كتاب «بوح الذاكرة» قائلا: «أمسك المجد من أطرافه، حاز رأسمالا ماديا في شكل إغراءات ومساعدات مالية كبيرة ونال رأسمالا رمزيا كفلته له الزعامة التي صار يقدم بها في مختلف المناسبات. وجد العرض مغريا فانقلب، والنفس البشرية متمايزة بطبيعتها عن بعضها البعض. ما كل الرجال مثل محمد باهي الذي رفض نفس العرض عندما صار جديا ورسميا، إذ باغت هواري بومدين برد صاعق، حين بادر إلى عرض هذه الإغراءات واقترح عليه رئاسة الجبهة، فأجابه بمقال صحفي تحت عنوان «لا تجعلوا لينين موظفا عند فرانكو» نشرته يومية «المحرر» المغربية يوم 13 غشت 1975. ورغم أن مصطفى الوالي السيد غير خياراته إلا أن ذلك لم يدفعنا لمقاطعته أو إعلان الخصومة معه. هو النهج ذاته الذي نصحنا به عمر بنجلون حين زار الجزائر في أبريل 1975 إذ ألح على استمرار جسور التواصل مع الجبهة» (انتهى كلام بودرقة).
كيف انتهى مصطفى الوالي تلك النهاية الدرامية مقتولا في عملية عسكرية فوق الأراضي الموريتانية؟ وما الذي باح به لبودرقة وكيف كان آخر لقاء بينهما؟ هنا يؤكد مبارك بودرقة قائلا في شهادة تاريخية هامة، يعززها منطوق الوثيقة التي حررها مصطفى الوالي بخط يده المشار إليها أعلاه:
«أثناء آخر لقاء بيننا، جمعنا غداء بفندق جنيف في الجزائر العاصمة. جددت استغرابي للتغيير الذي طرأ في موقفه وكيف صارت الأمور عكس منطلقاتها، فحاول أن يقنعني أن الظروف كانت أقوى منه. ويبدو أن حدسه كان ينبئه بأمر ما، إثر قرارات جزائرية أثارت امتعاضه. بثني شكواه وتذمره مما آلت إليه الأمور حيث قال لي: «إنني في ورطة، لقد أخرجوا آلاف الصحراويين للجوء في مخيمات تيندوف فيهم رجال ونساء وأطفال وشيوخ. شخصية الإنسان الصحراوي الذي ألف الخيمة وأجواءها وطقوسها تأبى العيش مكدسة بالمخيمات. شخصية لها علاقة خاصة بالمجال ماؤها الحرية والآفاق الفسيحة لن تكون مرتاحة ولا سعيدة إن حشرتها في خيام مزدحمة». وأضاف ممتعضا: «جميع هجرات اللجوء عبر العالم التي تكون كثيفة يستحيل أن تعود إلى منطلقاتها، محكوم على أهلها بالتشرد والتيه والشتات، لأنها ببساطة تفقد مع الزمن بطاقة عودتها. أنتم عكسنا تماما بضع عشرات من المناضلين في وهران، أما النواة الصلبة والحضور الوازن ففي الداخل، حزبا وإطارات جماهيرية تدور في فلكه. هذا هو الفعل الحقيقي، أما نحن فلا. لذلك لن أسمح بأن أصير رئيسا للاجئين إلى أبد الآبدين، يقتات على دعم المنظمات الدولية ويتوسل المعونات ويغمض عينيه على إعادة أنتاج البؤس والشقاء في هذه المخيمات». أنهى الوالي بوحه بعد أن أفصح عن وجعه بالقول: «سأحسم هذا الأمر في أقل من سنة ولو كلفني حياتي» (انتهى كلام بودرقة).
أسبوعا واحدا بعد ذلك جاء خبر مقتل مصطفى الوالي، الذي واضح أنه فعلا قدم حياته ثمنا لمحاولة استعادة المبادرة وتغيير مسار الجبهة.
فقط للإشارة، فإن الأستاذ محمد اليازغي أكد لي في اتصال هاتفي معه مشكورا، أن اللقاء الذي تم مع مصطفى الوالي ورفاقه من الشباب المغاربة الصحراويين بتوجيه من سي عبد الرحيم بوعبيد قد انتهى بتسليم الشيخ بيد الله (الذي كان ضمن ذلك الوفد إلى جانب عمر الحضرمي) وثيقة مكتوبة طلبها منهم سي عبد الرحيم عبارة عن تقرير مفصل حول الأوضاع بالصحراء حينها. مما يعني أن الوثائق المحررة من قبل مصطفى الوالي ورفاقه أكثر من وثيقة واحدة، فالأولى كانت بالرباط والثانية كانت بالجزائر العاصمة وكلتاهما سلمت لمسؤولين ومناضلين اتحاديين، فقط بقيت وثيقة الجزائر قائمة إلى اليوم لأنها حفضت في باريس ضمن أرشيف الأخ بودرقة فيما وثيقة الرباط ضاعت إلى اليوم بعد وضعت عليها الجهات الأمنية المغربية اليد بعد اعتقالها للأخ محمد اليازغي.


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 15/02/2020