وجوه جديدة وخاسرون بارزون في الانتخابات العراقية وإيران في موضع الاختبار

تمكن عدد كبير من المرشحين الجدد من حجز مقعد لهم في البرلمان العراقي المقبل، خصوصا من ضمن ائتلاف “سائرون” المدعوم من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، فيما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء أبرز الخاسرين وعلى رأسهم رئيس البرلمان سليم الجبوري.
لن يعود الجبوري إلى مجلس النواب لا نائبا ولا رئيسا، بل المفارقة أن الجلسة المقبلة سيفتتحها محمد علي صالح الزيني، النائب الأكبر سنا الذي فاز من دون دعاية انتخابية.
الزيني، الذي لم يلعب دورا سياسيا في السابق، سيتيح له كبر سنه إدارة جلسة افتتاح مجلس النواب، بعدما حصل على 7300 صوت عن التحالف المدني الديموقراطي وبأقل التكاليف الممكنة، في مقابل أربعة آلاف صوت فقط حصدها الجبوري المشارك في الحكم منذ العام 2003.
اقتصرت حملة الزيني الدعائية على منشورات بسيطة تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت دفع بعض المرشحين المنتمين إلى كتل مهيمنة على السلطة مئات آلاف الدولارات.
سيرة المرشح الحاصل على شهادة دكتوراه باقتصاد النفط من جامعة كولورادو وبكالوريوس قانون من الجامعة المستنصرية في بغداد وآخر في الهندسة الكهربائية من جامعة برمنغهام في بريطانيا، انتشرت بشكل كبير بين مستخدمي وسائل التواصل.
وكتب الزيني، الذي سبق وترشح في العام 2010 ولم ينجح، عبارة بسيطة في منشوره قائلا إن “الشعب العراقي الآن بأمس الحاجة إلى الوطنيين ذوي النزاهة والكفاءة ليوقفوا مسيرة اللصوصية والخراب، وليعيدوا إعمار البلد ورعاية الشعب”.
وأظهرت النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ليل الجمعة السبت وحل فيها أولا تحالف “سائرون” المدعوم من مقتدى الصدر، فوز تسعة وزراء في الحكومة الحالية بمقعد في البرلمان، فيما خسر أربعة آخرون هم وزراء العدل والإسكان والصحة والتخطيط.
لكن المفاجأة الكبيرة كانت حصول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي اعلى نسبة أصوات على مستوى العراق.
وإذ تراجع عدد مقاعد ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي، من 89 إلى 26 مقعدا، انتخب الأخير أكثر من مئة ألف عراقي.
حصل المالكي، الذي اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية العراق وسيطر على نحو ثلث أراضيه خلال حكمه، على ضعفي أصوات رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي هزم الجهاديين وأعاد فرض الأمن في البلاد.
يشار الى ان العبادي نال اكبر نسبة تصويت في محافظة نينوى بشمال البلاد.
لكن عراق ما بعد صدام حسين شكل نظامه السياسي بطريقة معق دة تفرض قيام تحالفات برلمانية، بدأت المفاوضات حولها منذ بداية الأسبوع الحالي، لمنع عودة الديكتاتورية والتفر د بالحكم.
وعقب كل انتخابات تشريعية تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية، وليس بعيدا أن تخسر الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات التشريعية قدرتها على تشكيل حكومة، بفعل تحالفات بين الكتل البرلمانية.
ومن الصعب أن تسمي أي كتلة رئيس الوزراء ما لم تشكل مجموعة برلمانية يتجاوز عددها نصف أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبا.
بين أكثر من 20 إعلاميا ترشحوا الى الانتخابات، فاز الإعلامي ومقدم البرامج وجيه عباس بمقعد بعدما حصد نحو 16 ألف صوت ضمن تحالف “الفتح” الذي يضم فصائل الحشد الشعبي التي لعبت دورا حاسما في إسناد القوات الأمنية العراقية في معاركها ضد الجهاديين.
ويعرف عباس بأسلوبه الساخر في نقد الأوضاع السياسية، ويضع بين يديه دائما دمية على شكل حمار يستخدمها عادة للإشارة إلى أشخاص متورطين في حالات فساد وغيرها.
وفي نتيجة أخرى غير متوقعة، فاز رجل الأعمال زعيم المؤتمر الوطني العراقي آراس حبيب، الذي طالته العقوبات الأميركية التي فرضت على مؤسسات إيرانية، بمقعد في البرلمان ضمن تحالف “النصر” الذي يتزعمه العبادي المدعوم من المجتمع الدولي.

-إيران في موضع الاختبار بعد فوز الصدر

تواجه إيران، التي تتعرض لضغوط بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، اختبارا كبيرا في التعامل مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر خصمها القوي الذي تغلب على حلفائها القدامى ليحقق نصرا مفاجئا في الانتخابات البرلمانية بالعراق.
إلا أنه إذا أفرطت طهران في الثقة بإبعاد الصدر عن حكومة ائتلافية يهيمن عليها حلفاؤها فهي تخاطر بفقدان النفوذ بإثارة صراع بين الشيعة الذين تدعمهم من جانب والموالين للصدر من جانب آخر.
وخرج الصدر من الانتخابات البرلمانية في الصدارة بالاستفادة من الاستياء الشعبي المتنامي الموجه لإيران وما يقول بعض الناخبين إنه فساد في صفوف النخبة السياسية التي تقاعست عن مساعدة الفقراء.
غير أن من المستبعد أن تتخلى إيران عن نفوذها في العراق أهم حلفائها في الشرق الأوسط وستعمل على تشكيل ائتلاف يحفظ مصالحها.
وقال المحلل العراقي المستقل واثق الهاشمي “إيران ستبذل كل ما في وسعها للحفاظ على قوتها في العراق وممارسة الضغط. الوضع في غاية الحساسية”.
وقبل الانتخابات قالت إيران علانية إنها لن تسمح لكتلة الصدر التي تمثل تحالفا متباينا من الشيعة والشيوعيين وجماعات علمانية أخرى بتولي الحكم.
ومن جانبه أوضح الصدر أنه ليس على استعداد للتوصل إلى ترضية مع إيران بتشكيل ائتلاف مع حليفيها الرئيسيين هادي العامري قائد منظمة بدر المسلحة وربما أقوى رجل في العراق ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وبعد إعلان نتائج الانتخابات قال الصدر إنه لن يتعاون إلا مع رئيس الوزراء حيدر العبادي والأكراد والسنة. * المناخ السياسي في العراق
استغلت إيران المناخ السياسي لصالحها في الماضي ولاسيما في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بعدوها الدكتاتور السني صدام حسين.
وفي انتخابات 2010 فازت كتلة إياد علاوي نائب الرئيس بأكبر عدد من المقاعد بفارق ضئيل لكنه لم يصبح رئيسا للوزراء.
وحمل علاوي مسؤولية عدم توليه السلطة لطهران التي ناورت للدفع بالمالكي إلى مقعد السلطة.
وفي تلك المناسبة كانت طهران مفرطة في التفاؤل.
وقال منتقدون إن المالكي اتبع برنامجا طائفيا همش السنة وخلق أوضاعا مكنت تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على ثلث مساحة البلاد.
كما أن منع الصدر قد يحمل في طياته مخاطر جسيمة. فقد وجدت دعايته الانتخابية صدى لدى ملايين الفقراء العراقيين خاصة في معاقله في بغداد والمناطق التي يتركز فيها الشيعة.
ويستمد الصدر شرعيته من عائلته التي أفرزت مجموعة من كبار العلماء في المذهب الشيعي. وقد اشتهر بقيادته لانتفاضتين عنيفتين ضد القوات الأمريكية في أعقاب اجتياح العراق عام 2003. وفي 2016 حشد عشرات الآلاف من أنصاره لاقتحام المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد.

* لا تدخل أجنبيا

وقال النائب ضياء الأسدي الذي رأس كتلة الصدر في الدورة البرلمانية الأخيرة إن الكتلة ستسعى لإبرام تحالفات للتصدي لأي تدخل إيراني في محاولة لتشكيل حكومة واستبعد إبرام اتفاقات مع العامري أو المالكي.
وقال “نحن لا نخفي تخوفنا من حدوث بعض التدخل من جانب قوى داخلية أو خارجية وإيران إحداها”.
وأبدى أمله أن يكون القادة السياسيون قد تعلموا عدم السماح للتدخل الإيراني بإملاء نتيجة الانتخابات.
وقال الأسدي إن كتلة الصدر ستمارس ضغوطا من خلال القنوات القانونية والديمقراطية بدلا من الاحتجاجات الشعبية إذا ما حاولت طهران التأثير في تشكيل الحكومة.
وهناك ضغينة بالفعل بين الصدر والمالكي الذي شن وهو رئيس للوزراء في 2008 حملة على جيش المهدي التابع للصدر في مدينة البصرة الجنوبية في خلاف شيعي اكتسب أبعادا عنيفة وسقط فيه أكثر من 200 قتيل.
وكان الصدر قد انسحب من حكومة المالكي في العام السابق عندما رفض رئيس الوزراء تحديد موعد لانسحاب القوات الأمريكية.
وقال ريناد منصور الزميل الباحث في تشاتام هاوس إن إيران ستحاول الحفاظ على نفوذها بالعمل وراء الستار من خلال حلفائها من أمثال المالكي والعامري.
وربما تعتمد إيران بدرجة أكبر على العامري الذي أمضى 20 عاما من حياته في إيران معارضا لصدام ويتحدث الفارسية. ومن خلال منظمة بدر التي يرأسها يتحكم في مناصب كبرى في وزارة الداخلية وقوات الأمن.
ومن المرجح أن يحاول الصدر تخفيف قبضة حلفاء إيران على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكم الأخرى ويسعى للحصول على دور رئيسي في الحكومة.
ومنذ فترة طويلة يعارض الصدر، الذي يصور نفسه على أنه وطني عراقي، التدخل الأجنبي في البلاد سواء كان من الغزاة الأمريكيين أو وكلاء يعملون لحساب إيران.
وقال هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق إن من الممكن تحاشي تطور الأمر إلى صراع إذا دخل الصدر تحالفا مع أحزاب تدعمها إيران تتيح له منصبا رئيسيا في الحكومة مثل حقيبة الداخلية أو الخارجية.
لكن يبدو ذلك أمرا غير مرجح وليس من الواضح كيف سيسعى الصدر لاستغلال فوزه في الانتخابات.
ورغم معارضة الصدر، الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته، للنفوذ الإيراني فقد اختار أن يعيش في إيران في منفاه الاختياري. ثم ظهر فجأة في العام 2003 وكون فصيلا مسلحا لمحاربة الأمريكيين.
ووصفه دبلوماسي غربي بأنه شخصية “من الصعب للغاية استشفافها «…


بتاريخ : 22/05/2018