وداعا المايسترو .. وداعا عبد المجيد الظلمي

 

كان إلى حدود الرابعة من مساء أول أمس الخميس يحتسي فنجان قهوة بأحد مقاهي الدار البيضاء، رفقة أصدقائه، الذين عاشوا معه لحظاته الأخيرة، إثر نوبة قلبية قبل أن ينزل خبر رحيله كصاعقة هزت أركان الكرة المغربية.
استعصى الخبر على التصديق، و»رفض» الجميع أن يسلم برحيل المدير أو المعلم أو المايسترو أو الفيلسوف، سيما وأنه كان محبا للحياة ومقبلا عليها بصدر مفتوح.
لقد مات أحد صناع ملحمة مكسيكو 86، ورحل وفي قلبه غصة من تجاهل وتهميش من صناع القرار الكروي بالمغرب، وخاصة فريقه الأم، الرجاء البيضاوي، الذي أخلص له وتفانى في حبه، وقاده إلى التتويج بثلاث كؤوس للعرش (1974 و 1977 و 1982).
تحتفظ الذاكرة الكروية للرجل بإبداعاته وفنياته وتقنياته، التي كانت تهتز لها المدرجات، وتتفاعل معها، قنطراته الصغيرة ومراوغاته، التي كان يختار لها التوقيت والمكان بدقة متناهية، تكاد الذاكرة الرجاوية تحتفظ بها جميعها. فمن منا لا يتذكر قنطرته المشهورة لنجم الكرة التونسية طارق ذياب، في إحدى مباريات المنتخب الوطني. لقد كان يختار نجم الفريق الخصم ليقوم بتمرير الكرة بين رجليه، يعقبها انفجار بالمدرجات، في مشاهد قل نظيرها في ملاعبنا هذه الأيام. فرغم أنه اعتزل كرة القدم مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي، إلا أن شعبيته لم تتأثر.
كان حريصا على الحضور في مختلف المناسبات الكروية، وكان مشاركا فعالا ونشيطا في المباريات التكريمية، ملبيا الدعوة متى وأنى وجهت له.
لا يتوفر الرجل على خصوم أو أعداء، لأنه حرص على ربط علاقات متينة مع الجميع. فحين تجالسه تحس بأن للرجل سحرا خاصا، يجعلك تنجذب إليه، وتصر على ربط الأواصر معه. وهذا بشهادة كل من عرفه وتعرف إليه.
رجل محبوب ومتواضع إلى أقصى درجات التواضع، لكنه كان غير محظوظ، فحتى المباريات التكريمية، والتي سعى البعض إلى تنظيمها، لم يحالفها النجاح لأسباب تنظيمية. كان الحديث في أول الأمر عن أي سي ميلانو، بنجومه الكبار، ثم بوكا جنيور قبل سنتين، وبينهما كان الحديث أيضا عن فريق إسباني، بيد أن صعوبات تنظيمية حالت دون تنظيمها.
كان الظلمي رجل نكتة، خفيف الظل، فكانت جلساته ذات طعم خاص. كما طاردته الإشاعة في أكثر من مرة، حيث يحكى أنه راج في فترة ماضية إشاعة وفاته بين أصدقائه، فربط أحدهم الاتصال به. يحكي الظلمي أن الرجل بمجرد أن سمع صوته فوجئ، وأخبره أنه سمع خبر وفاته وبادر إلى الاتصال الهاتفي به، فكان أن أجابه الظلمي، رحمه الله، فعلا لقد مت وأنا الآن أجيبك من مقبرة الرحمة، ثم انفجر الاثنان ضحكا.
لن تنمحي صورة ذلك اللاعب النحيف، وقصير القامة، وذو الشعر الكث، من مخيلتنا، لأنه رجل لا يمكن نسيانه بسهولة، رجل لا يمكن القفز عليه عند الغوص في تاريخ الكرة المغربية، لأنه نقش اسمه فيها بمداد من الفخر والاعتزاز.
نم قرير العين أيها المعلم، أيها الفيلسوف، أيها المايسترو، أيها «القاهر» لأقوى مدافعي العالم. لن ننساك مهما حاول الزمن دفعنا إلى ذلك.


الكاتب : إبراهيم العماري

  

بتاريخ : 29/07/2017