ولي العهد السعودي يعد بمملكة معتدلة متحررة من التطرف

 

تعهد ولي العهد السعودي الامير الشاب محمد بن سلمان الثلاثاء بقيادة مملكة معتدلة ومتحررة من الافكار المتشددة، في تصريحات جريئة تتماشى مع تطلعات مجتمع سعودي شاب، وتلبي طموحات مئات المستثمرين المجتمعين في الرياض.
وجاءت تصريحات ولي العهد (32 عاما) خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن اليوم الاول من منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي تستضيفه الرياض حتى الخميس.
وتمثل تصريحات الامير هجوما عنيفا ونادرا من قبل مسؤول سعودي رفيع المستوى على أصحاب الافكار المتشددة في المملكة المحافظة التي بدأت تشهد في الاشهر الاخيرة بوادر انفتاح اجتماعي في مقدمتها السماح للمرأة بقيادة السيارة.
وقال الامير محمد “نحن فقط نعود الى ما كنا عليه، الاسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الاديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”، مضيفا “70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا”.
واضاف “نريد ان نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة (…) وهذا امر اعتقد انه اتخذت (في اطاره) خطوات واضحة في الفترة الماضية، واننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.
وتابع “نحن نمثل القيم المعتدلة (…) والحق الى جانبنا في كل ما نواجهه، ولذا فلا اعتقد ان هذا الامر سيكون مصدر قلق”.
وأشار الامير محمد الى ان “الأفكار المدمرة” بدأت تدخل السعودية في العام 1979 في اطار مشروع “صحوة” دينية تزامن مع قيام الثورة الاسلامية في ايران.
وأوضح “السعودية لم تكن كذلك قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة (…) فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق”.
وشهدت المملكة السعودية الصيف الماضي توقيف رجال دين بينهم الداعيان البارزان سلمان العودة وعوض القرني، من دون ان توضح اسباب اعتقالهم. ولدى عودة والقرني ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال مستشار سياسي سعودي شاب (27 عاما) لوكالة فرانس برس في القاعة، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، بعيد انتهاء الجلسة الحوارية مع ولي العهد، ان تصريحات الامير محمد تؤكد انه “يدفع بالتغيير الى اقصى حدوده، ويضع السعودية من جديد على الخريطة”.
من جهته، رأى ستيفان بوتر وهو صاحب شركة استشارات مالية اميركية ان التصريحات “تظهر شجاعة الامير ورؤيته، وتوجه رسالة قوية ليس الى السعوديين فقط بل الى العالم كله بان المملكة تستعد للتغيير”.
منذ تعيينه في منصبه في يونيو الماضي، اتخذ الامير محمد اجراءات سياسية وامنية عديدة بهدف توسيع نفوذه في المملكة قبل ان يتوج في المستقبل ملكا خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز (81 عاما).
وفي مملكة أكثر من نصف سكانها دون سن الخامسة والعشرين، بات ينظر الى الامير محمد على انه الحاكم الفعلي، ولو من خلف الستار، للدولة الغنية. وهو يتولى مناصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والامنية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وتسارعت بوادر الانفتاح الاجتماعي في المملكة منذ بروز دور الامير محمد في العام 2015 حين كان وليا لولي العهد. وفي 2016، اعلن الامير عن خطة اقتصادية شاملة تحت مسمى “رؤية 2030” تقوم على تنويع الاقتصاد المرتهن للنفط.
وتركز الخطة هذه على قطاعي السياحة والترفيه، وعلى تفعيل دور المرأة في الاقتصاد.
وقررت السعودية في خطوة تاريخية مؤخرا السماح للمرأة بقيادة السيارة اعتبارا من يونيو المقبل، وألمحت الى امكانية السماح باعادة فتح دور السينما قريبا، كما أعادت بعض الحفلات الغنائية الى دور الموسيقى في الرياض وعلى شاشة القناة الرسمية الثقافية.
كما أعلنت السعودية عن مشاريع استثمارية عملاقة، آخرها مشروع لبناء منطقة اقتصادية ضخمة في شمال غرب البلاد تشمل اراضي في الاردن ومصر واستثمارات تبلغ اكثر من 500 مليار دولار، على ان تستكمل المرحلة الاولى من المشروع في 2025.
وأعلن عن المنطقة التي تبلغ مساحتها 26 الفا و500 كلم مربع، خلال أعمال اليوم الاول من منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار”. ويشرف على المشروع “صندوق الاستثمارات العامة” الذي يترأسه ولي العهد.
وتقع المنطقة شمال غرب المملكة على مساحة 26,500 كلم مربع، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كلم، على بعد كيلومترات من اسرائيل، على ان تشمل أراضي داخل الحدود المصرية والأردنية.
ولم يصدر اي اعلان رسمي عن مصر والاردن حيال هذا المشروع.
وقال الامير محمد في الجلسة الحوارية ان “كل عناصر النجاح متوفرة”، مشيرا الى ان المملكة تملك “فرص استثمار خيالية”.
لكن الاعلان عن المشاريع الاستثمارية هذه يأتي في وقت يعاني اقتصاد المملكة من صعوبات في ظل تراجع اسعار النفط منذ العام 2014.
وفي السنوات الثلاث الاخيرة، شهدت الميزانية المالية السعودية عجزا كبيرا بلغ مجموعه نحو 200 مليار دولار.
وتتجه شركة “ارامكو” السعودية، عملاقة النفط في المملكة، الى بيع جزء من أسهمها في 2018. وتشكل خطوة بيع 5 بالمئة من الاسهم حجر الاساس في خطة “رؤية 2030”.
ورغم تراجع اسعار النفط، واتجاه السعودية ودول خليجية اخرى نحو زيادة استثماراتها في الطاقة البديلة، عبر الامير محمد عن ثقته بان الطلب على النفط سيزداد في المستقبل ولن يتراجع.
وقال ولي عهد أمير اكبر دولة مصدرة للخام في العالم “الطلب على النفط سيزداد بشكل كبير بين 2030 و2040″، مضيفا ان “التوجه نحو الطاقة الشمسية لن يؤثر على (قطاع) النفط”.


بتاريخ : 03/11/2017