يحددها القانون 33.17 الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا .. اختصاصات رئاسة النيابة العامة دعامة إضافية لقيام سلطة قضائية مستقلة

بناء على تعليمات جلالة الملك الموجهة للحكومة ، أثناء انعقاد المجلس الوزاري بمدينة الدار البيضاء بتاريخ 25 يونيو 2017، تم الإسراع بعرض مشروع القانون رقم 33.17 المتعلق بـ”اختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها”، على البرلمان، قصد المصادقة عليه ، وذلك في سياق تعزيز استقلال السلطة القضائية، وبعد 5 أيام تمت برمجة مشروع القانون   في جدول إعمال المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 29 يونيو 2017 ، والذي صادق عليه، لتتم إحالته بعد ذلك على مجلس النواب يوم الثلاثاء 4 يوليوز 2017 من أجل المناقشة والمصادقة ، حيث تم تقديمه وعرض محتوياته من قبل وزير العدل والحريات أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب يوم الخميس 6 يوليوز 2017.
وقد نص القانون 33.17 على أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، سيحل محل «وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة لهذا الأخير المتعلقة بسلطته، وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضاتها، بما في ذلك إصدار الأوامر والتعليمات الموجهة إليهم طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل»، وكذا “الإشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صلاحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها، والسهر على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصها، وممارسة الطعون المتعلقة بالدعاوى العمومية، وتتبع القضايا المعروضة على المحاكم”.
كما نص القانون على إحداث البنيات الإدارية والمالية والفنية والبشرية الضرورية لتمكين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض من ممارسة مهامه.
وأسند القانون مهمة تعيين قضاة النيابة العامة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك إما باقتراح من رئيس النيابة العامة أو باقتراح من المجلس بعد استطلاع رأي هذا الأخير.

يأتي نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى رئاسة النيابة العامة، يوم الجمعة 6 أكتوبر 2017، في سياق تنزيل الأوراش الكبرى لإصلاح منظومة العدالة بغية تعزيز استقلالية السلطة القضائية، وفق ما جاء به دستور 2011.
ويشكل تأسيس رئاسة النيابة العامة حلقة إضافية في إرساء دعائم دولة الحق والقانون تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، الذي حدد خريطة عمل قضاة النيابة العامة ورسمها جلالته في ظهير تعيين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، والمتمثلة «في الدفاع عن الحق العام والذود عنه وحماية النظام العام والعمل على صيانته والتمسك بسيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها جلالته نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون».
ويعد القانون رقم 33.17 المتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها، الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا، دعامة إضافية لقيام سلطة قضائية مستقلة وفق أحكام الدستور والتوجيهات الملكية السامية، ولاسيما من خلال التنزيل السليم لمؤسسة رئاسة النيابة العامة، بما يضمن انخراط كافة مكوناتها في الجهود الرامية إلى محاربة الجريمة والحفاظ على النظام العام وصون الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
ويتضمن هذا القانون، الذي يكمل الترسانة التي صدرت في فترة الحكومة السابقة وتهم القانونين التنظيميين المتعلقين بـ»النظام الأساسي للقضاة»و»المجلس الأعلى للسلطة القضائية»، مقتضيات تخص تحديد اختصاصات رئاسة النيابة العامة، في ما يتعلق بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضائها ومراقبة عملها وممارسة الدعوى العمومية والسهر على حسن سير الدعاوى وممارسة الطعون المتعلقة بها.
كما يحدد كيفيات تعيين قضاة النيابة العامة، وكذلك تحديد كيفيات تنظيم رئاسة النيابة العامة، وينص كذلك على نقل ملكية الأرشيف والوثائق والملفات المتعلقة باختصاصات النيابة العامة والموجودة حاليا لدى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى رئاسة النيابة العامة.
وتكمن أهمية هذا القانون في أنه يتعلق بالنظام التسلسلي للنيابة العامة التي يخول لها القانون مهمة السهر، باسم المجتمع والصالح العام، على صيانة وتطبيق القانون كلما تم خرقه، مع مراعاة حقوق الأفراد وحرياتهم وفي ذات الوقت مستلزمات الفعالية الضرورية للعدالة الجنائية.
ووفق رأي استشاري أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بناء على طلب إبداء الرأي موجه من لدن رئيس مجلس النواب يوم 18 يوليوز المنصرم بهذا الخصوص، فإن القانون متلائم على العموم مع آراء المجلس الاستشاري لقضاة النيابة العامة الأوربيين، التابع لمجلس أوربا، وخاصة الآراء المتعلقة بالرأي الصادر تحت عنوان «جودة وفعالية قضاة النيابة العامة بما في ذلك مجال محاربة الإرهاب والجريمة الخطيرة والمنظمة»، والرأي الصادر تحت عنوان «القواعد والمبادئ الأوربية المتعلقة بقضاة النيابة العامة»، والرأي الصادر تحت عنوان «تدبير وسائل النيابة العامة».
ومن حيث محتوياته، لاحظ المجلس أنه يتضمن عشر مواد، وأنه يخصص للأحكام العامة المادة الأولى المتكونة من فقرتين، ولاختصاصات رئاسة النيابة العامة المادتين الثانية والثالثة، ولتنظيم رئاسة النيابة العامة أربع مواد هي المواد من 4 إلى 7 وللأحكام الختامية ثلاث مواد هي المواد من 8 إلى 10، دون وضع عناوين أو تبويب لهذه المحتويات، معتبرا أن ذلك يدل على نوع من التوازن بين الجوانب التي تغطيها المحتويات.
غير أن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لا يعني، وفق الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض محمد عبد النباوي، استقلالها عن الدولة والسباحة خارج تياراتها الأساسية المتمثلة في حماية أمن ومقدسات البلاد ومؤسساتها الدستورية وحقوق وحريات المواطنين، بل يعني تمكين القضاة من الاضطلاع بمهامهم السامية دون تأثير أو تدخل من شأنه الانحراف بأحكامهم عن مبادئ العدالة والإنصاف وأحكام القانون.
ودعا خلال اللقاء التواصلي الأول الذي نظمته محكمة النقض مع المسؤولين القضائيين بالمملكة في ماي الماضي، كافة المسؤولين القضائيين خاصة المسؤولين عن النيابات العامة، إلى أن يجعلوا مسؤوليتهم عينا لمبادئ العدالة والإنصاف، وأن يكونوا رقيبا على حسن تطبيق القانون وسلامة الإجراءات، وأن يتصدوا لكل مظاهر الإخلال والانحراف، وأن يكونوا حماة للأمن والنظام العام، ورعاة للحقوق والواجبات، وحريصين على التوازن بينها بما يخدم الحق العام وصالح الوطن والمواطنين.
وشدد على أن إقامة علاقة تعاون مع مصالح وزارة العدل يعد أمرا حتميا من أجل تحقيق غايات مشتركة تفرضها شروط إقامة العدل والسعي لخدمة المواطنين وإحقاق العدالة، داعيا المسؤولين القضائيين، ولاسيما منهم الوكلاء العامين للملك، إلى التحلي بالحكمة والتبصر لتدبير المرحلة بغاية إقامة علاقات مستقرة بين مختلف مكونات العدالة.
يمثل نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، حدثا محوريا في ترسيخ بناء استقلال هذه السلطة، مما يضع نساء ورجال القضاء أمام تحد تاريخي، يتطلب منهم جميعا حشد الهمم لكسب هذا الرهان.


بتاريخ : 10/10/2017