يوميات مجنون

عندما ذهبتُ إلى طبيبيَ النفسيّ , طرقت الباب بأصبع قدمي الكبير .. لم يفتح أحد . دخلتُ . جلستُ في غرفة الانتظار . عليّ أن أنتظر لمدة عشرين شخصا .. إنهم جميعا ينتظرون الدخول إلى طبيب نفسي. مريض نفسي كان يجلس قربي رجل يقرأ الجريدة بالمقلوب و يضحك، يحزن و يشتم الامهات بلا سبب .. و يصفّق و يبصق و يصفّر و يشهق و هكذا . كنت أنوي حزّ رقبته بأظفر أصبعي الخنصر , أظفر . لكن الأمور لا تسير هكذا فنحن لسنا في الغابة و ليس من السهل حزّ رقبة أي شخص بهذه البساطة , على الضفّة الأخرى من غرفة الانتظار يجلس  فتى صاحب جَمال برازيلي  بقميص أزرق بارد . الوضع مؤلم جدا و أنا أتنفّس من أعلى صدري من الضيق . إنه جميل جدا و لحيته كذلك  .. جلسة فيها الكثير من الحياء الممزوج بقلّة الأدب ..غمز لي  بكتفه  . ضحكتُ ضحكة  ملعونة . ثمّ دعاني  بسبّابته إلى الجلوس قربه. ذهبتُ نحوه أمشي كراهبة تهرب من جهنّم و تصرخ باحثة عن قطعة أرض في الجنّة تصل إليها كافة الخدمات من ماء و كهرباء و هواء..  إلى آخره .. عندما جسلتُ قربه. التصقت فخذي بفخذه , ازداد ألمي أضعافا .. إنه دافئ كالشمس الموسميّة . بدأ فمي يرتبك قليلا فعلمتْ أنني أريد التحدّث .. علمتْ أن في فمي شيئا ينتظر الانقضاض من حيز المعنى إلى حيز الواقع .. دعوته لأهمس له , اقتربت من أذنه . و قلتُ له: « أعطيني دورك « .

وعندما دخلت عند الطبيب تأملت ملامح وجهه جيدا ،لا داعي لسردها هنا ،لا تستحق ذلك ،لا علينا  قلت له :أيها الطبيب أنا أعاني، أعاني – دون كذب – من مشكلة في الابتلاع. أرغب دائما بابتلاع الأشياء التي أشعر نحوها بالحب. تعجبني فكرة اصطدام الطعام مثلا باللهاة الموجودة في قاع فمي – إذا افترضنا أن الرأس كان أفقيا – و الفم مثل حفرة في الأرض. هناك أيها الطبيب لذة. لذة اصطدام الأشياء باللهاة. إليك مثلا شعوري عندما أبتلع قطعة من العلكة. عند عبور العلكة نحو اللهاة. في تلك اللحظة تحديدا. أشعر بنمنمة. تعرف ما الذي تعنيه النمنمة سيدي الطبيب. دغدغة دعني أقول لك حتى تستطيع فهمي. هناك في الفم سيدي الطبيب يوجد مكان حساس يدغدغنا. لذلك فإنني أعلن لك الآن أنني لستُ مريضة أبدا بالمرة. لستُ مريضة ،عندما راودتني فكرة ابتلاع ذاك الغريب المجنون. فقط كنت أسعى لجعله يدغدغ لهاتي. كما لو كانت حبة علكة. أليس من الممتع أيها الطبيب أن يضع الإنسان إنسانا آخر داخل بلعومه؟ دعني أخبرك أمرا في منتهى الجدية. لا تخجل. أنت طبيب و ليس عليك أن تخجل. الطب ليس عيبا. تخيّل أنك تضع العلكة في فمك دون أن تمضغها. دعها  تلامس لهاتك. كيف ستشعر؟ ستشعر بمتعة أليس كذلك؟ متعة خفية. بطنك سيحاول تحريضك على التقيّؤ. لكنك لن تتقيأ. أعدك بذلك. فقط ستستمتع بإدخال العلكة إلى حلقِك بكل صدر رحب. و من هنا سيادة الطبيب أحب أن أقول لك أنك عندما تضع العلكة بهذه الطريقة المريعة في فمك. فإنك لا تفعل ذلك من أجل إسعاد العلكة إنما من أجل إسعاد نفسك. كم هو ممتع أن يترنّح الإنسان بين التقيّؤ و عدمه. ممتع أليس كذلك؟ جرب أن تبلع حبيبتك أو حبة علكة، و أرجو أن تتفهم الميول الغامضة عندي لتناولها أيها الطبيب الغبي ،
ثم قال لي هل يمكن إبتلاعك .
أيها الطبيب أنا لست علكة ،،،،،


الكاتب : كريمة هياب

  

بتاريخ : 22/06/2018

أخبار مرتبطة

  رن الهاتف ، كنت في الحمام مستمرئا الدوش الفاتر، تلففت بفوطة، شربت كوبا من محلول عشبة اللويزة، موطئا لنوم

  جلست على شاطئ الحيرة أسكب المعاناة على الورق، وأشكل أمواج الغضب، تطاردها الجروح ويرافقها السؤال واحد يدعي الحضور! على

الحياة التي نحارب من أجلها… الحياة التي نمارسها أمام العلن… والحياة التي نتمنى أن نعيشها… لا علاقة لها بما نعيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *