3 متاريس مختبرية في سباق ضد الساعة لمحاصرة الفيروس القاتل بالمغرب

سجلت وزارة الصحة، في الثاني من مارس 2020، أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، وهي لمهاجر مغربي يقيم في إيطاليا. وقالت الوزارة في بيان لها «تم تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، تم تأكيدها مخبريا بمعهد باستور المغرب».
ومنذ ذلك الحين، بدأت «الجائحة» تحصد رئات المغاربة بالعشرات إلى أن وصل العدد الإجمالي لغاية يوم أمس الأربعاء (170 إصابة مؤكدة)، وبدأ المغاربة يولون اهتماما بالغا بالسلاح الذي تم إعداده لمواجهة هذا الدمار المتنقل والسريع الانتشار. ومن أهم وسائل المواجهة التي أكد الفاعلون في مجال الصحة ضرورتها، إلى جانب التدابير الاحترازية، سلاح كشف الفيروس، لمراقبة تنقل العدوى ومحاصرة بؤر الإصابة على مستوى التراب الوطني؛ ويتعلق الأمر بثلاثة مختبرات مرخصة ومجهزة تجهيزا عاليا: (المعهد الوطني للوقاية بالرباط، معهد باستور بالبيضاء، مختبر المستشفى العسكري بالرباط).
فما إن ظهرت أول حالة للوباء، وبدأ الخط التصاعدي للإصابات يتسارع على نحو مضطرد، حتى دقّ فاعلون في الشأن الصحي، وتحديدا في المجال التقني على مستوى المختبرات، ناقوس الخطر بشأن مدى استعداد المغرب وجاهزيته للتعامل مع الأوبئة الجديدة.
وأكد  أحد الفاعلين في المجال، أن المختبرات المتوفرة تقوم بعملية تحليل «شارج فيرال»، ويتعلق الأمر بصنف P3  الذي يمكنه أن يتعامل مع أمراض من قبيل داء فقدان المناعة والحمى الصفراء، في حين أن الصنفP4 ، المؤهل للتعامل مع فيروسات كـ»إيبولا» وغيرها، ليس متوفرا في بلادنا، ولا يوجد إلا في دولة إفريقية واحدة، وأيضا بالدول الأوروبية.
«الاتحاد الاشتراكي»، وتفاعلا مع هذا الموضوع، اتصلت في حينه بمجموعة من الخبراء في مجال الأوبئة، للتأكد من حقيقة هذا التخوف من عدمه، وأكدوا لها أن المغرب يتوفر على مختبرات من صنف P3 في كل من الدارالبيضاء على مستوى معهد باستور، وبالمستشفى العسكري في كلميم، وأيضا على مستوى مختبر الدرك الملكي والمستشفى العسكري في الرباط ثم مختبر بيوفارما، مشددين على أن هذا النوع من المختبرات كاف للتعامل مع الأمراض الوبائية والفيروسات، وأثبت نجاعته خلال كل المراحل الفارطة التي عرفت ظهور إيبولا وزيكا والكورونا، وبالتالي فهذه المختبرات قادرة على التعامل مع الفيروسات وكل الجراثيم عالية العدوى.

متاريس الدفاع الصحي

وقد أكدت المصادر نفسها لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن المغرب يعتبر من الرواد في جهة شرق المتوسط من حيث المختبرات، مستدلة بمختبر المستشفى العسكري بالرباط الذي دشنه الملك محمد السادس سنة 2016، والذي يعتبر من خيرة المختبرات، ومن المتاريس الصحية الكبرى في البلاد.
ويقوم تشخيص الفيروس في هذه المختبرات على التعامل مع كل عينة مشكوك فيها، إذ يتم الاعتماد على المفاعلات المخبرية لشلّ حركية الفيروس فيها، حيث يتم التعامل مع «وراثته»، لتحديد إن كان صاحب العيّنة مريضا أو العكس، وبالتالي فمجال الأبحاث المتعلقة بالفيروسات يبقى حكرا على المختبرات العالمية في الدول المتقدمة، في حين أن مجال تحديد الإصابة من عدمه هو أمر يتأتى بالاستعانة بالمختبرات المتوفرة حاليا التي هي من صنف  P3.
ويتكلف معهد باستور بالدار البيضاء بالتشخيص المخبري الجيني لفيروس «كورونا» بالمنطقة الترابية لجهة البيضاء سطات، امتدادا إلى جنوب المغرب، بينما يتكلف المعهد الوطني للوقاية بالرباط بالمنطقة الترابية من الرباط صعودا إلى مدن الشمال والشرق، فضلا عن دخول المختبر العسكري بالرباط للمساعدة على التخفيف من أي ضغط محتمل على المختبرين. ذلك أن تقدم الوباء في البلاد ما زال في بداياته، وما زال عدد العمليات المخبرية قليل جدا مقارنة مع دول أخرى، مثل إيطاليا،  أو ألمانيا، أو إسبانيا. إذ من المنتظر أن تتضاعف الطلبات  في الأيام المقبلة، علما أن تشخيص حالة واحدة يتطلب وقتا طويلا (ساعتان على الأقل) من أجل تأكيد الإصابة، أو نفيها.

80 بالمئة من الحالات

ويتوفر معهد باستور على مختبرات من صنف P3، مجهزة بأحدث التقنيات ومختبر مرجعي معتمد من المنظمة العالمية للصحة ووزارة الصحة في تخصص الفيروسات، ناهيك عن نوعية التكوينات الدقيقة المتخصصة التي تتوفر عليها كوادره التقنية والعلمية، وأيضا لشراكاته العلمية المتخصصة والمهنية مع شبكة معاهد باستور في العالم، والتي تتكون من أكثر من 35 معهدا، إذ تعتمد الشراكة تبادل الخبرات والتجارب والأبحاث العلمية والتكوين المستمر.
وقام المعهد، الذي يضم 8 تقنيين متخصصين يشرفون على التحاليل المخبرية، حتى الآن، بإجراء 80 بالمائة من التحاليل التي تهم فيروس كورونا بالمغرب، حسب ما أوضح مصدر من المعهد.
وبيدأ مسار الكشف عن حالات الإصابة بعد الإعلان عن الحالة المشكوك فيها، إذ يتم التأكد من مدى تطابق الأعراض التي تحملها مع أعراض الفيروس، قبل عزل الشخص المعني لأخذ العينات ونقلها بسيارة إسعاف تحترم معايير نقل العينات البيولوجية إلى المختبر.  وبعد معرفة النتيجة، يتم إخبار خلية اليقظة التي أرسلت العينة  بالنتيجة. وتمكن هذه التحاليل من معرفة ما إذا كانت العينة تحمل جينات الفيروس أم لا، والتقنية المستعملة تسمى (PCR)، وهي من أجود تقنيات الكشف عن الفيروسات، وقد تطورت منذ بداية الفيروس، وبالتالي عناصرها جديدة وتستغرق من أربع إلى خمس ساعات للتأكد من النتائج.
وحسب أخصائيين في مجال التحاليل المخبرية، فإنه إذا كان كل مختبر من هذه المختبرات يتوفر على آلة اختبارية واحدة من صنف P3، يمكنه إجراء 480 تحليلا في ساعتين، وهذا معناه أن المغرب قادر على إجراء 1440 تحليلة في ساعتين فقط، وهذا عدد كاف للكشف عن الحالات بشكل يومي، مما يعني أن الوضع في المغرب يقع تحت السيطرة، حسب ما أدلى به مسؤول بمركز علم الفيروسات والأمراض التعفنية والاستوائية بالمستشفى العسكرى بالرباط.

المختبر العسكري والتجهيزات المتطورة

ويتوفر مركز علم الفيروسات بالرباط على بنيتين للعزل متخصصتين فى الأمراض الشديدة العدوى، كما أن المغرب حصل بسرعة كبيرة على مستلزمات التشخيص، وله دراية تامة ببروتوكول منظمة الصحة العالمية المتعلق بتشخيص المرض.
وللإشارة، فإن الملك محمد السادس دشن هذا المركز سنة 2016، ويتوفر على وحدة متخصصة فى تشخيص وعلاج الأمراض التعفنية، بالإضافة إلى مصلحتين للعزل من المستويين الثانى والثالث متخصصتين فى الأمراض الشديدة العدوى، وكذا مصلحة مختبر علم الفيروسات، ومصلحة بيوطبية وتقنية.  كما يتوفر على تجهيزات متطورة تمكنه من الاضطلاع بالمهام المنوطة به، والمتمثلة في تشخيص ومعالجة الأمراض التعفنية الفيروسية والبكتيرية والطفيلية والفطرية، وكذا التكفل بالأمراض شديدة العدوى التي تتطلب العزل، لاسيما الأمراض الاستوائية وأمراض السفر.  كما يضم وحدتين للعزل من المستوى الثالث (الأنفلونزا الوبائية، الحمى النزفية الفيروسية، أمراض ضعاف المناعة)، والمستوى الثاني (الأمراض المتنقلة بواسطة حامل، أمراض الجهاز الهضمي، الأمراض المرتبطة بالعلاجات، الأمراض الجماعية)، والتي تحتوي على تجهيزات بيوطبية وتقنية ووسائل للوقاية تستجيب للمعايير الدولية. إضافة إلى ذلك، يشتمل على مختبر يعمل على مراقبة الأمراض الخطيرة على الإنسان والبيئة، وتطوير تقنيات واختبارات جديدة بغرض التصدي للفيروسات الناشئة أو المتغيرات الجديدة، واليقظة الوبائية، والأنشطة المتعلقة بالأمن البيولوجي.
ويتوفر المركز أيضا على مستشفى نهاري يمكن من التكفل التشخيصي والعلاجي بأمراض داء فقدان المناعة المكتسبة/ السيدا والأمراض المنقولة جنسيا والتهاب الكبد الفيروسي، وتدبير ومراقبة الأنماط العلاجية المبرمجة أو المحددة في إطار مستعجل، فضلا عن فحوصات طب السفر .

خبرة مختبر
المعهد الوطني

يقوم مختبر الفيروسات للمعهد الوطني للصحة كمركز وطني معني بالأنفلونزا في المغرب، بالمهام الموكولة إليه من أجل فحص الحالات المشتبه فيها الواردة عليه.
وقد تم إنشاء المركز الوطني المرجعي للأنفلونزا في سنة 1993 بالمعهد الوطني للصحة. كما أن الأطر الطبية والتقنية التي تعمل فيه اكتسبت، منذ ذلك الوقت، خبرة كبيرة في تشخيص الفيروسات التنفسية. ويقدم المركز خدمات متنوعة تضم بالأساس الزراعة الخلوية والعزل الفيروسي، تحليلات بيوطبية باستعمال تقنيات علم الأمصال وعلم الأحياء الجزيئي والتسلسلي وتقييم مقاومة الفيروسات للمضادات الحيوية.
وقد أنشأ المركز الوطني المرجعي، انطلاقا من سنة 1996، نظاما للترصد الفيروسي للأنفلونزا الموسمية يضم عددا من أطباء القطاعين الخاص والعام ينتمون إلى جل المدن المغربية الكبرى.

مسارات تحليل الإصابات

ولا تختلف العملية المتبعة للكشف عن وجود الفيروس عن تلك التي يتم اتباعها قبل الإعلان عن تماثل المريض للشفاء؛ إذ يمكن التأكد من ذلك أو نفيه بعد إجراء تحاليل مخبرية مرتين للتأكد من أن المريض شفي مائة بالمائة.
وعن الخطوات التي يستغرقها التحليل، فهي تجري في المختبرات كالتالي:
أولا: يتم أخذ مسحة من المريض لجمع الخلايا ومن ثم يتم إرسال العينة إلى المختبر.
ثانيا: يقوم المختبر أولاً بمزج العينة مع مواد كاشفة للفيروس في أنبوب ثم تُوضع في جهاز تشخيص لفحص المادة الوراثية للفيروس في خلية المريض.
ثالثا: تستخدم المجسات لاستهداف أجزاء معينة من الحمض النووي.
رابعا:  إذا وجدت المجسات هذه الأجزاء من الحمض النووي، تتضاعف هذه الأجزاء ملايين المرات وتخلق وميض ضوء.
خامسا: تسجل آلة التشخيص مستوى الضوء وتقارنه بالعينات الإيجابية والسلبية.
سادسا: إذا كان لدى شخص ما الكثير من الضوء المنبعث من عيناته فهذا يعني أنه مُصاب بفيروس كورونا.

الحالات المؤكدة والسلبية

يمكن تأكيد وجود الحمض النووي الفيروسي بالحصول على نتائج إيجابية لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل ذي التنسخ العكسي عند إجراء الاختبار على اثنتين على الأقل من العينات الجينومات المحددة المستهدفة أو على جينوم مستهدف إيجابي وحيد مع تحديد التسلسل الخاص بجينوم مستهدف ثاني. ويتطلب تأكيد الحالة بواسطة الاختبار المصلي إثبات إنتاج الأجسام المضادة في المصل في عينتين اثنتين يفضل أن يفصل بين تاريخي أخذهما 14 يوماً، بواسطة الفحص (اختبار الامتصاص المناعي المرتبط بالإنزيمات (ELISA) أو طريقة الجسم المضاد المتألق غير المباشر (IFA) ومقايسة التحييد.
وتتضمن الصلة الوبائية المباشرة مع حالة مؤكدة للعدوى بفيروس كورونا ما يلي:
-التعرض للعدوى المرتبط بالرعاية الصحية، بما في ذلك تقديم الرعاية المباشرة إلى المرضى المصابين بفيروس كورونا، والعمل مع العاملين في مجال الرعاية الصحية المصابين بعدوى الفيروس، وزيارة المرضى أو الإقامة في محيط الأفراد المصابين بفيروس كورونا.
-العمل عن كثب مع الأفراد المصابين بعدوى فيروس كورونا أو مشاركتهم في بيئة الفصول المدرسية نفسها.
-السفر مع الأفراد المصابين بعدوى فيروس كورونا على متن أي وسيلة من وسائل النقل.
-الإقامة في المنزل نفسه الذي يعيش فيه الأفراد المصابون بفيروس كورونا.
-قد تكون الصلة الوبائية قد وقعت في غضون فترة 14 يوماً قبل أو بعد بدء المرض في الحالة موضع النظر.
في السياق نفسه، تتضمن الاختبارات غير الحاسمة، ما يلي:
-فحص إيجابي أُجري على العينة الجينية المحددة لتفاعل البوليميراز المتسلسل ذي التنسخ العكسي في الوقت الفعلي دون تأكيد آخر.
-الكشف عن بيانات تدل على تفاعلية المصل في عينة وحيدة من مصل المريض الناقه، يُفضل أن تكون قد أُخذت بعد 14 يوماً على الأقل من التعرض، بإجراء مقايسة التحري (اختبار الامتصاص المناعي المرتبط بالإنزيمات (ELISA) أو طريقة الجسم المضاد المتألق غير المباشر (IFA) ومقايسة التحييد، في غياب التأكيد عن طريق الفحص الجزيئي لعينات مأخوذة من المسالك التنفسية.
وينبغي للمرضى الذين تسفر اختباراتهم الأولية عن نتائج غير حاسمة، أن يخضعوا لاختبارات فيروسية ومصلية أخرى لتحديد إمكانية تصنيف المريض كحالة مؤكدة للعدوى بفيروس كورونا. ويُنصح بشدة بأخذ عينات متعددة من المسالك التنفسية السُفلى، مثل البلغم أو الشفطة من داخل الرغام أو سوائل غسل القصبات والأسناخ واختبارها إن أمكن. وفي حال عدم ظهور علامات أو أعراض مرض المسالك التنفسية السُفلى على المرضى، وعدم توافر عينات من المسالك التنفسية السُفلى أو في حال التوصية السريرية بعدم أخذ مثل هذه العينات، ينبغي أخذ عينات من المسحات المأخوذة من البلعوم والأنف ومن البلعوم والفم.
وإذا كانت الاختبارات الأولية للمسحة المأخوذة من البلعوم والأنف سلبية لدى مريض يُشتبه بشدة في إصابته بعدوى فيروس كورونا، ينبغي إخضاع المريض للاختبار مرة أخرى باستخدام عينة من المسالك التنفسية السُفلى أو عينة أخرى مأخوذة من البلعوم والأنف إلى جانب عينة إضافية مأخوذة من البلعوم والفم إن لم يتسن أخذ عينات من المسالك التنفسية السُفلى، فضلاً عن العينات المزدوجة الملائمة التوقيت من أمصال المرحلة الحادة والنقاهة.
ويمكن النظر أيضاً في أخذ أنواع أخرى من العينات السريرية لإجراء الاختبار الجزيئي عند الضرورة، بما في ذلك عينات الدم/ المصل والبول والبراز. وعادة ما تحتوي هذه العينات على عيارات فيروس منخفضة مقارنة بالعينات المأخوذة من السبيل التنفسي ولكنها تُستخدم من أجل تأكيد الحالات عندما تكون العينات الأخرى غير كافية أو يتعذر الحصول عليها. وينبغي للمختبرات التي تحصل على نتائج متضاربة لاختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل والتي تفتقر إلى الخبرة في مجال الكشف عن فيروس كورونا أن تنظر في إحالة العينات إلى مختبرات تتمتع بخبرة أوسع كي تتولى تأكيد النتائج.


الكاتب : إعداد: سعيد منتسب

  

بتاريخ : 26/03/2020