60 ألف حالة طلاق سنويا أمام محاكم المغرب أكثر من 80 في المائة منها طلاق للشقاق

في الندوة العلمية حول دور الوساطة في استقرار الأسرة :

كيف يمكن أن نحافظ على الأسرة المغربية التي غدت اليوم عرضة للتفكك جراء استشراء حالات الطلاق في المجتمع والتي أخذت تتصاعد بوتيرة متسارعة في السنوات الاخيرة ,مخلفة وراءها العديد من المشاكل الاجتماعية ؟
ولماذا لم تنجح جلسات الصلح التي نص عليها قانون الأسرة في الحد من الظاهرة , وايقاف وباء الطلاق الذي اصبح ينذر بكوارث اجتماعية وأخلاقية تخل بتوازن المجتمع ؟ وأي دور يمكن أن تلعبه الوساطة الأسرية في استقرار الأسرة المغربية, تحت هذا المحور نظم المركز المغربي للوساطة والتحكيم بشراكة مع هيئة المحامين بالدار البيضاء والجمعية المغربية لمساندة الأسرة ,المركز المغربي للأستاذة الجامعية للبحث في قضايا النوع والتنمية ومؤسسة «حماية» بإيطاليا, ومقاطعة سيدي عثمان التي احتضنت هذه الندوة العلمية يوم الجمعة 22 ابريل 2017والتي أطرتها الاستاذة الجامعية و منسقة ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات خديجة فريحي,

قاربت الندوة أهم القضايا الشائكة التي تتخبط فيها الاسرة المغربية اليوم ,بالرغم من توفرنا على قانون للأسرة يعتبر نموذجيا وبالرغم من دستور2011 الذي نص على مجموعة من الحقوق لصالح الأسرة, كما أشارت لذلك الاستاذة الجامعة بكلية الحقوق بالمحمدية إيمان لعوينا ,مديرة مركز سما للتدريب والمرافقة ,والتي أشارت في مداخلتها تحت عنوان «قراءة في الفصل 32 من دستور 2011:السياق والمخرجات», إلى الخاصية التي تميز الفصل 32 وهي أنه لأول مرة ينص دستور البلاد على دسترة الأسرة وتحديد التزامات الدولة اتجاهها , الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الاساسية للمجتمع, موضحة الدوافع والمخرجات التي نتجت عنها دسترة هذا الفصل .
بالنسبة للسياق تقول إيمان لعوينا ,نتوقف عند أمرين خارجي وداخلي ,هناك إحالة على منظومة حقوق الإنسان, لأن المغرب منخرط في منظومة الصكوك الدولية وعليه تفعيلها على المستوى التشريعي . وداخليا هو النص لأول مرة على الاسرة التي اعتبرها هي خلية المجتمع ووجوب حمايتها في ظل كل الحالات و كل أنواع الزواج , هناك زواج بعقد وزواج بفاتحة , وهناك ايضا عائلات تعيلها نساء لوحدهن, بل إن الاحصائيات أكدت أن الاسر التي تعيلها النساء في تزايد كبير,و على الدولة توفير الحماية للاطفال في كل هذه الحالات وحماية حقوقهم ,تماشيا مع توقيع المغرب على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الطفولة . المخرج الأساسي في الفصل 32 أيضا هو الاستجابة لمطلب ومقترحات جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن الأسري على إحداث المجلس الأعلى للأسرة والطفولة, الذي يعتبر قوة اقتراحية من اجل تنزيل ما نص عليه الدستور فيما يتعلق بحماية الاسرة وتتبع تفعيله.
الأستاذة الجامعية استعرضت جل فصول قانون الأسرة التي نصت على تماسك العائلة, مثل المادة 81 التي تنص على إجراء محاولة الصلح بحضور حكمين من الاهل لثني الأطراف على الطلاق ,لكن ثبت من التجربة الواقعية ان الحكمين يفشلان في الصلح , لأن الحكم يأتي متبنيا لحكم من يمثله , وغالبا ما تحدث نزاعات بين الحكمين تعيق أكثر عملية الصلح. هناك بون شاسع بين الواقع وبين التشريع ولايمكن أن نعتمد فقط على القوانين, بل يجب تكوين عقلية جديدة والبحث عن آليات حمائية من أجل إصلاح ذات البين وإعادة مسار الأسرة إلى طريقه سليم, ومن بين هذه الآليات الوساطة الاسرية .
ازهور الحر ,الفاعلة الحقوقية والجمعوية ,رئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة (مركز سند للوساطة الاسرية) استعرضت بلغة الخبير «دور المجتمع المدني في تطوير الوساطة الأسرية» ,مؤكدة على أن الأسرة اليوم تواجه تحديات وإشكالات كبيرة تهدد كيان ووحدة وتماسك المجتمع وتحول دون القيام بوظائفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهو ما يجعلنا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة فتح نقاش عمومي واعتماد تدابير وإجراءات تمكن الاسرة من القيام بأدوارها والحفاظ على تماسكها لضمان الاستقرار الأسري والسلم المجتمعي والحد من تنامي وتيرة التفكك الأسري وكل مظاهر السلبية التي تعيق التنمية.
ويعتبر التقنين والتشريع من أهم الآليات لحماية الأسرة عن طريق تحديث القوانين المنظمة للعلاقات الأسرية ومراجعتها فالمغرب عرف قانون الأحوال الشخصية 1957 وأحدث تعديلات عليه سنة1993 وفي سنة 2004 أصبح لنا قانون الأسرة يعتبر نموذجيا, كما تم إصلاح قانون الحالة المدنية وقانون الكفالة 2002وقانون الجنسية 2007, ثم جاء دستور 2011 الذي دستر حماية الأسرة والحفاظ عليها ونص على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة .
الوساطة في القانون المغربي

من المقتضيات الجديدة التي أقرها قانون الأسرة , مسطرة الصلح والوساطة في النزاعات الاسرية ,خاصة فيما يتعلق بالطلاق , إذ نصت المادة 81 و82 من المدونة على ضرورة استدعاء الزوجين أولا لإجراء محاولة للصلح فيما بين الطرفين, و المحكمة تنتدب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين لكي يقوم بعميلة الانصات للطرفين وحل الخلاف في غرفة للمشورة. وفي حالة وجود أطفال, يتوجب القيام بمحاولتين على الاقل تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما و يتم تحرير محضر بهذه العملية يقدم للمحكمة . إلا أن الواقع المعيش ,تقول الاستاذة ازهور الحر,أفرز صعوبات واكراهات في طريق تطبيق وتنزيل هذه المقتضيات . فبالنسبة للحكمين اتضح أنهما غالبا ما يكونان من الاقارب, وبالتالي كل حكم يتبنى موقف من يمثله وأحيانا يكون الخصام أشد بين الحكمين منه بين الزوجين و تنتهي العملية بسرعة إلى الطلاق.ومجلس العائلة الذي نص عليه قانون الأسرة لايشتغل عمليا ولا يمارس مهامه رغم وجود نص تنظيمي له وتركيبته لا تساعد على القيام بعملية الصلح والوساطة وما يتطلبه الأمر من تفاوض وتقنيات الاستماع والتواصل من طرف ذوي الاختصاص.
تضمن القانون أربع مواد ثلاثة منه تتحدث عن الصلح وواحدة فقط عن التطليق, ولكن ألغيت جل الأسباب وبقي الشقاق الذي هو في الأصل مسطرة تصالحية أسهل وسيلة للطلاق اليوم ومعولا يكسر الأسر المغربية ,أكثر من 80 في المائة من حالات الطلاق بواسطة الشقاق ولم يشمل الصلح سوى اقل من 20 في المائة. ارتفعت ظاهرة الطلاق أمام المحاكم بشكل يبعث على القلق 60.000حالة طلاق سنويا .
دور المجتمع المدني في تطوير الوساطة الاسرية

تعمد الجمعيات التي تشتغل على الوساطة إلى اعتماد المقاربة الوقائية عبر تنظيم دورات تكوينية للمقبلين على الزواج والإرشاد, تضم فاعلين حقوقيين وأساتذة جامعيين ومختصين في التربية والاعلام, مع الاشتغال اليومي مع المواطنين عن طريق المساعدات الاجتماعيات واخصائيين في الطب وعلم النفس والاجتماع والعلاقات الزوجية.
توفر هذه الجمعيات تأهيلا معرفيا في المجال القانوني والشرعي والنفسي للتمكين من تقنيات ومهارات الاستماع الجيد وتمتينه لدى الوسيط والمرشد الاسري,لاكتساب تقنيات تدبير النزاع والوساطة.ومن أجل إنجاح هذه التجربة عمدت جمعيات المجتمع المدني إلى التنسيق مع العديد من الوزارات ذات الصلة كوزارة العدل ووزارة التربية والتعليم ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية عن طريق إبرام شراكات للتعاون وتقديم الدعم المادي والمعنوي, وقد ابرمت اتفاقية شراكة مع 15 جمعية من بينها الجمعية المغربية لمساندة الأسرة(مركز سند).
وختمت الاستاذة ازهور الحر مداخلتها بالدعوة إلى اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة للحد من إشكالية الطلاق , وإلى مراجعة القوانين حتى تساير التغيرات المتسارعة التي يعرفها المجتمع , مع ضرورة مأسسة الوساطة الأسرية حتى تواكب مشاكل الأسرة المغربية وتحد من حالات الطلاق المرتفعة التي أضحت تهدد توازن المجتمع.
الإرشاد الأسري من أجل التدبير الوقائي

هل يستطيع الإرشاد الأسري أن يجنبنا مشاكل الطلاق ,سؤال يجيب عنه الأستاذ حسن رقيق ,كاتب ومرشد أسري, والذي يرى أنه لتفادي الوقوع في شراك الطلاق يجب تأهيل المقبلين على الزواج قبل الارتباط من أجل التحسيس بمقاصد وأبعاد الزواج ومساعدة الفرد على فهم نفسه في اطار علاقاته وتفاعلاته وطبيعة علاقاته مع الاسرة والتعرف على مؤثرات الحياة الزوجية السليمة وتقنيات الزواج و عراقيل الحياة الزوجية وتأهيله لمواجهة مشاكل الحياة بعد الزواج. مما يستوجب إحداث مركز يسهر عليه فريق عمل يضم اطباء وعلماء نفس, علماء اقتصاد, مدرسو التنمية الذاتية مع دعم جمعيات القرب والتنسيق والتشارك بين المجتمع المدني و مؤسسات الوساطة.
كما أصبحت الحاجة ملحة أيضا, يقول رقيق’ إلى تكوين وتأهيل أفراد الجالية في بلاد المهجر التي تعيش أنواعا مختلفة من المشاكل التي تؤدي بالأسر إلى التشرذم وإلى مشاكل اجتماعية كثيرة .
فإذا كانت الوساطة مؤشراعلى وجود تصدع ونزاع ,فالأولى هو البحث عن آليات للحد من هذه المشاكل لتفادي هذه النتيجة و من أولى هذه التدابير هي فهم الذات اولا, لأن تحقيق الاستقرار يستوجب تحقيق الاستثمار ليتحقق الاستمرار .
الأستاذ الهادي أبو بكر أبو القاسم,محام لدى محكمة النقض ’فقد استعرض في مداخلته تحت عنوان:»الوساطة الأسرية :قراءة في القانون المقارن»تجارب الدول الغربية في الوساطة الأسرية ,خصوصا فرنسا» وأبرز من خلال هذه المقارنة دور الوساطة في حل إشكالية الطلاق في هذه المجتمعات.
الندوة العلمية التي احتضنها مقر مقاطعة سيدي عثمان ,افتتحها رشيد الخويدر, مدير المركز المغربي للوساطة والتحكيم والذي أشار فيها إلى أنه بالرغم من تأكيد قانون 2011 على أن الأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع, لكن البعد الأسري لم يكن حاضرا في سياستنا ولم نستطع مواكبة التغيرات التي فرضها الواقع ولم نتوفر على حماية اكبر على مواجهة التحديات.
الشعيبية العاطفي رئيسة جمعية «حماية» بإيطاليا والتي استعرضت تجربتها في الوساطة اللغوية والثقافية في إيطاليا ,التي اعتبرتها هي الجسر بين المجتمع المغربي بثقافته الخاصة والبلد المضيف بثقافته المختلفة , وأنها بواسطة هذه الآلية استطاعت أن تتغلب على العديد من الاكراهات والعراقيل التي يمثلها عامل اللغة في طريق الاندماج وتطوير الذات. أشارت الشعيبية إلى المشاكل الكثيرة التي تعيشها الجالية المغربية بايطاليا نتيجة التفكك الأسري و الفقر والأمية والانسياق وراء أفكار دخيلة على ثقافتنا المغربية السمحة باسم الدين التي يروج لها بعض السلفيين من دول عربية أخرى, مما يستدعي من المغرب أن يولي اهتماما بهذه الجالية وذلك بإرسال مرشدين دينيين لحماية المهاجرين من هذا الانسياق وللتشبث بمذهبنا المالكي الذي يحث على التسامح والانفتاح على الحضارات الاخرى.أيضا على المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته في دعم الأسر المغربية في بلاد المهجر بالتحسيس والارشاد .وفي هذا الصدد وقعت رئيسة جمعية حماية الايطالية شراكة مع المركز المغربي للوساطة والتحكيم كما وقعتها أيضا الجمعية المغربية لمساندة الاسرة للعمل معا في جمع شمل الأسرة و العمل على حمايتها وتماسكها, درءا لما يعقب الطلاق من مشاكل وما يخلفه من آثار على نفسية الأطفال وعلى المجتمع .

 


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 02/05/2017