حوارات مع الكاتب الياباني هاروكي موراكامي 3 .. هاروكي موراكامي: أشعر أحيانا كأني مثل راو لما قبل التاريخ

عداء الماراثون الياباني، الذي أخضع نفسه لنظام يشبه قطعة موسيقية، أصدر رواية جديدة، كرسها لشخصية تعاني من تفاهتها المزمنة. في زيارة لهاواي، حيث يستقر الكاتب غالبا: «إننا نضجر كثيرا هنا»المثال الأعلى بالنسبية إليه، كما يقول.
كي تلتقي موراكامي، لا تفكر أبدا في الوجهة نحو طوكيو؟ بل الذهاب إلى «هونولولو». لقد اختار أن يعيش هناك: وسط فضاء غير قابل للتشكل دائما مثل حكاياته أيضا، الضياء الجبال ثم شاطئ وايكيكي الأسطوري: المسافر الذي يصل هناك ينغمس بين طيات حلم مناخ تقارب حرارته ثمان وعشرين درجة يغمره أريج الورورد الاستوائية. هو الفردوس على الأرض.لا يوجد أي شخص على الشاطئ: فمنذ صدور قرار صارم يمنع التدخين هناك واحتساء الخمر أو تناول الطعام، اكتفى السياح بطلب أصناف الشراب داخل حانة الفندق المكيفة.

p هل مارستم اليوم رياضة الجري؟
n «استثناء، لم أركض. فقد شاركت يوم الأحد الأخير في ماراطون هونولولو،لذلك أستريح هذا الأسبوع. لكن، في المعتاد أركض كل يوم. أستيقظ الرابعة صباحا،ثم أنكب على الاشتغال لمدة خمس ساعات بغير انقطاع، بعد ذلك أخرج للجري.أيضا أسبح وأشارك في رياضة الترياتلون. أخلد كل مساء للنوم على الساعة العاشرة.

p لقد بلغتم سن الخامسة والستين. فلماذا تواصلون القيام بكل هذا؟
n «في الواقع، أنا لست من الذين يتحملون بشكل خاص النشاط البدني.إذا مارست الرياضة، فليس من أجل صحتي بل يتعلق الأمر بنوع من الميكانيزم الميتافيزيقي. أريد التمكن من الانفصال عن جسدي، ولفكري قدرة التخلص عن جسدي عندما أركز. لكن هذا لا يتم إلا إذا راعيت قوى جسدي. ينبغي أن يكون الجسد معبدا، بنية ثابتة يلزمني التحرر منها. حينما أكتب أشعر أحيانا بكوني محاطا بأسوار مرتفعة يقتضي اختراقها مجهودا ضخما. لكن بفضل هذا أنتقل إلى الجانب الآخر.

p يظهر أبطال رواياتكم كثيرا من الحماسة عند تنفيذ مهامهم الأكثر يومية.نراهم ينظفون المنزل،نلحق بهم إلى المطبخ.ابتذال الرتابة تتحول إلى واقعية مفرطة، ثم تظل فقط خطوة صغيرة كي نهتدي نحو العجائبي؟
n «على هذا النحو أعيش بالضبط.فحياتي محكومة بإيقاع التفاصيل اليومية الصغيرة.بحيث أقوم بأعمال التنظيف، والطهي،وكيّ الثياب،لأنه لحظتها لا أفكر مطلقا في أي شيء، ثم أفرغ ذهني تماما كي أتمكن من الإبداع.

p حينما الاستماع إليكم،يحدث الانطباع بأن الأمر يتعلق بشعيرة روحية.يتجه التفكير إلى التأمل البوذي مثلا؟
n «تشيرون هنا إلى مذهب الزازين؟من المحتمل،أني تأثرت من دون وعي، بالتقاليد اليابانية. تبتلع الأرض ماء المطر حيث يسقط ! لكني أظن بأن الأمر يتعلق بشيء جيد أكثر عمومية.

p العازبون المنفردون في رواياتكم، والذين يمارسون حياة حضرية مضجرة تقريبا،يتواجدون في كل العالم …
n «يعد الاستقلال بالنسبة إلي مهما جدا.ربما هي حكمة تتأتى من الثقافة اليابانية.أحب الانضباط لكن فقط عندما يقود إلى استقلال كامل. لذلك لا تنتمي شخصياتي الرئيسة قط إلى جماعة ولا مؤسسة،بل هم بصدد البحث. من وجهة النظر هذه،عندما أكتب، أفكر خاصة في قرائي اليابانيين. لكن هذا لا يمكن أن يكون صدفة إذا لم تعرف مؤلفاتي نجاحا على المستوى الدولي سوى بعد سنة 1990 .مع انهيار المذاهب الكبرى،تجلى اضطراب ضخم. إشكالية تقرير المصير ذاتيا -كيف تختار حياتك بنفسك- صارت ملحة أكثر فأكثر. وأعتقد بأني أطور انموذج حياة حقا مستقلة.

p هل أنت صاحب نزعة أخلاقية؟
n «إن نصا لا يجعل قارئه في حالة أفضل لا يستحق مجهود كتابته.

p اغلب أبطال نصوصكم تقارب أعمارهم ثلاثين سنة. أي العمر نفسه الذي غادرتم فيه ناديكم للجاز كي تكرسون حياتكم كليا للأدب. أيضا العمر الذي توقفتم خلاله عن التدخين وتحولتم إلى ممارسة رياضة الجري.لكن لماذا لا تجعلون شخصياتكم تمسها الشيخوخة؟
n «ليس كوني لا أفكر في الشيخوخة. بل حقا لأنها لا تلمسني قط.ربما لأنه ليس لدي أطفال، بحيث حينما نكون بدون أطفال لا نمتلك أيضا في غالب الأحيان فرصة الإحساس بأننا أصبحنا كهولا. لهذا السبب لا يشيخ أبدا أبطالي. لكني كتبت عملا يتعلق بي،فقد أنهيت للتو من كتابة قصة تتكلم عن رجل بلغ خمسين سنة. إنه تحد كبير بالنسبة لي. أعتقد فقط اليوم أصبحت قادرا كي أكتب عن شخصيات من مختلف الأعمار.

p شخصياتكم النسائية جميلات جدا وفي غاية المثالية، بحيث تشعرنا وكأنك وقعتم في شرك حبهن لحظة الكتابة؟
n «أعشق النساء اللواتي يتمتعن بقوة مزاج كبيرة.مثلا «أوممي»بطلة رواية 1Q84 أشعر بسعادة عارمة وأنا أكتب أكثر عن نساء من هذا النوع قياسا للرجال. أيضا مثل»طونغو» الشخصية الأساسية الأخرى للرواية فهي قريبة جدا مني، أعرفها تماما لأنها تشبهني.أعلم ما تفكر فيه وما تقوم به. الوضع الذي يختلف مع «أوممي». فأن أضع نفسي مكانها شكل مراهنة، تلزمني تحويل خيالي بأقصى سرعة. لكن لا يمكنني الوقوع في حب أي من بطلاتي. لأنه عندما أكتب،فإني الشخصية، الأقل ندّية خلال اللحظة المناسبة. أنا «أوممي» تماما كفلوبير هو مدام بوفاري. لكن، بعد ذلك،أنا «طونغو» أيضا،ما يهم هو المحافظة على هذا التوازن. إنه يذهب عبر التعاقب بين المذكر والمؤنث، بين مكان وآخر، ما أريده، أن لا أكون أبدا مرتبطا بأي شيء مهما يكن. أتوخى دائما إمكانية الذهاب والرجوع.

p هل تعلمون أنه في ألمانيا حظي برنامج ناقش مؤلفاتكم بمتابعة جمهور كبير؟حينما تطرق النقاد الأربعة للبرنامج التلفزي الكبير: le quator allemande، إلى موضوع روايتكم: «جنوبي الحدود، غربي الشمس» حدث تباين كبير بينهم حول القيمة الأدبية لمشاهد الجنس في الرواية. مما أدى إلى صخب حقيقي. في ألمانيا، لا نتكلم إلا عن هذا والجميع يتحدث بهذا الخصوص.
n «نعم، أتذكر، تقريبا. فيما بعد،تعرفت على مارسيل ريش- رانيكي، الناقد الذي دافع عني،أحببته جدا. لقد قرأت مذكراته،وهو عمل في غاية الأهمية. لكن ذلك السجال فاجأني.أتناول الجنس بطريقة برغماتية جدا،أي بلا شك بواقعية غريبة، لكن دون الاستسلام أبدا للبورنوغرافية. كي أتكلم معكم بصراحة،أنا لا أشعر بأي متعة وأنا أكتب مشاهد من هذا النوع. قبل كتابة روايتي « نزهة المستحيل»، لم أتطرق أبدا إلى أشياء من هذا النوع.

p لماذا؟
n «يجب أن أرغم نفسي. أنا خجول جدا.أستحيي التطرق إلى موضوعات من هذا القبيل، لكنها ضرورية، هذا كل مافي الأمر. الجنس هو الطريق الرائع الذي يقودك إلى الجهة الأخرى. هناك معطى روحيا في العلاقة الجنسية، يفتح بابا رمزيا. أحتاج إليه كي أهتدي للجديد بخصوص ما أسرده. لكن الحب أجمل بكثير من الجنس.

يأخذ لديكم دائما الحب صورة مصير؟
*ما أكتبه يعتبر عموما بالنسبة للكبار حكايات خارقة.الجميع يريد الاعتقاد بقوة الحب ووجعه. كل هذا،في إطار الواقع، إنها ليست بأشياء نصادفها بسهولة. لكن حينما تقرؤون حكاية، تشرعون فجأة في الاعتقاد أن هذا قد يحدث لكم. نعم، لكم.

* هامش:
Le Magazine Littéraire numéro: 547 ;2014 ;pp :38 44


الكاتب : ترجمة : سعيد بوخليط

  

بتاريخ : 05/08/2019