مبدعون في حضرة آبائهم 34 : أسماء المرابط : أبي … مثلي الأعلى…

في رسالة كافكا إلى أبيه: « أبي الحبيب.. لقد سألتني مؤخراً: لماذا أزعم أنني أخاف منك؟ وكالعادة لم أدر بماذا أجيبك. تارة بسبب الخوف الذي يعتريني أمامك، وتارة لأن الكثير من التفاصيل متعلقة بحيثيات ذلك الخوف، بحيث لا يكون بوسعي لملمة شتاتها في الحديث معك ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي».
أمام اللجوء أو الهروب إلى الأم الحاضنة والحنونة وملاذ «التواطؤات» الجميلة، كيف يستحضر مبدعونا المغاربة صورة الأب، وهل تختلف نظرتهم إلى هذه السلطة الرمزية التي ارتبطت بالصرامة والتحكم؟ كيف دبروا هذه العلاقة التي تلتبس فيها العواطف بين خوف واحترام، بين حب أو كره، بين تقديس وقتل؟

 

قصتي مع أبي هي قصة حب و اعتراف و اجلال …
قصة حب لأب أضطر ان يكون الأم والأب لأولاده اليتامى لما فقدوا امهم و هي مازالت امرأة في ربيع عمرها…حب اعطاه وهو يمارس الأبوة والامومة في نفس الوقت… حب كان ربما لا يتقن التعبير عنه بسبب تلك الشهامة الابوية الغالبة… ولكن عيناه ونظراته كانت تفيض حبا وحنانا ولو انه لم ادكر أنه نطق بكلمة  أو عبارة حب واحدة…
قصة اعتراف لرجل جاء شابا فقيرا من منطقة ” أملن” بالسوس في الأربعينات الى الرباط حيث اصبح في فترة وجيزة وبقوة الارادة و الفناء في العمل والكسب الشريف , رجل من نبلاء التجار ومن اغنياء نخبة هده المدينة…ثم انخرط في المدرسة الوطنية والتي كان من مؤسسيها الأولين… فضحى بماله وجاهه من أجل الوطن، ضد المستعمر وضد الاستبداد… وآمن بمبادئ الكرامة والعدل لم يبالي لما اضطر الى التخلي عن كل ما يملك لكي يبقى وفيا لمبادئه العليا…عرف المنفى والبعد عن الوطن والاهل و مرارة اللجوء السياسي في بلدان شتى ولكن كان دائما شهما، رافع الرأس ومتشبث بأمنيته ورجاءه الأسمى: ليكون الوطن وطن الكرامة والعدالة…
قصة اجلال لرجل كان مثالي لأقصى الدرجة حتى السذاجة…سذاجة المؤمن … رجل لم ينبهر بالدنيا فكان كالجندي الخفي لا يحب الظهور ولا الصفوف الاولية …يعمل دائما في الخفاء والصمت…
ولهدا كله كان أبي مدرستي الاولى والأخيرة …تعلمت منه أن العدل هو قيمة القيم وان الارادة أكبر رصيد عند الانسان وان الحرية لا تباع بأي ثمن وأن عزة النفس جهاد كل يوم…
نعم أبي ظل في حياته وبعد مماته مثلي الاعلى وقدوتي الكبرى …
أحمد المرابط الدي لم يكاد  يذكره الكثير اليوم… ونساه التاريخ الرسمي ولكن ام تكن في يوم من الايام تلك هي رغبته…بل العكس …
لا زالت تلك المبادئ العليا امانة في قلبي وحياتي احاول ان احترمها و ان امارسها في ظل عالم اصبح في أغلب الاحيان  لا يبالي بها ولا يؤمن بها …
رحمك لله يا أبي ستبقى دائما شامخا  كما كنت في حياتك وبعد وفاتك وتبقى مدرستك.


بتاريخ : 08/08/2019