مبدعون في حضرة آبائهم 45 : المصطفى غزلاني : وجه أبي..

في رسالة كافكا إلى أبيه: « أبي الحبيب.. لقد سألتني مؤخراً: لماذا أزعم أنني أخاف منك؟ وكالعادة لم أدر بماذا أجيبك. تارة بسبب الخوف الذي يعتريني أمامك، وتارة لأن الكثير من التفاصيل متعلقة بحيثيات ذلك الخوف، بحيث لا يكون بوسعي لملمة شتاتها في الحديث معك ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي».
أمام اللجوء أو الهروب إلى الأم الحاضنة والحنونة وملاذ «التواطؤات» الجميلة، كيف يستحضر مبدعونا المغاربة صورة الأب، وهل تختلف نظرتهم إلى هذه السلطة الرمزية التي ارتبطت بالصرامة والتحكم؟ كيف دبروا هذه العلاقة التي تلتبس فيها العواطف بين خوف واحترام، بين حب أو كره، بين تقديس وقتل؟

 

ماذا لو قدمتك للعالم باسمك ونسبك: محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج!؟ دون شك ستضيع الصورة نتفة، نتفة عند كل «بن» وعند تجميع ما يتبقى لن يتعرف عليك أحد.. ثبا للأنساب.
ماذا لو قدمتك للناس بما ناداك قومك: ابن أحمد!؟ ثبا، سيضيع معنى هذا النسب كما تضيع وشيجة الإضافة بابتعاد الشعاع..
إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من آثار قراراته. طبعا تكثر قرارات الرجل في حياته لكن الذي يدوم قليل ولا تكف الأيام البعدية تتغذى عليه حتى لا يبقى إلا حجر القبر…
لهذا سأجرّب استعادتك شعرا لربما تسعفني الاستعارة في دفع وحشة النسيان..

(1)
تعودتَ أن ترتدي جوربَ الفجر
وأنت تطحن السؤالَ:
كيف أعيش وكل ما فوق الأرض
وما تحت الأرض
وما في الماء… فقيرا؟؟
(2)
تعودت وأنت تنزع خوذة الغسق
ترد سواطير القبيلة
تردها لئلا تقتلع تينة الدار.
(3)
تعودت متى يستوي غيظك
تلوح بيسراك خلفك و تأمل:
(… وسآخذ رفاقي العتالين لنقلب المواقع الإسماعيلية عن كنز خصنا به القدر.
وإذا جاءني الموت بأصابع ناعمة وعينين حجليتين سأحييه بجأش طالما ادخرته…)
(4)
أما أنتم أيها الحصّادون ، أيها الرعاة ، أيها الزطاطون …
سأترككم خلفي تطلون من شق نعشي
لتروا كيف أصحبُ الموتَ إلى مأدبة القرار.
سأطلب منه أن يعرّج بي على قائد الوكر لأرد عليه لسع سياطه.
وأن يمر بي عليكم ، خلسة، وأرى كيف يزدري بعضُكم بعضَكم..
(5)
سأسأله أن يؤوب بي عبر مهوى صلواتكم
المترفة – ربنا قِنا.. ربنا اعطنا.. ربنا ارحمنا- كأنكم جواميس هرمة
رُبطت الأبصار إلى الأظلاف،
لا تمسون الأرض!!!
(6)
الآن أدرك أن الموت سيكون صديقا بلا شرط
مارِسُه وعدُ الأرض والخريفُ رياقة السماء.
ها صديقي يرافقني كل فجر،
خلسة إلى حقلي لأتمم تقليم الأشجار كما كانت تشتهي.
(7)
أما أنا، أيها الأب، فأراك وافدا، أبدا، كأيل لم تخسر جأش السؤال:
كيف أموت و… و… و…. فقيرا.؟


الكاتب : إعداد: مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 26/08/2019