محمد اللوز ودعدوع بوجميع

آخر فنان سيعزف على «دعدوع» بوجميع بعد وفاته هو فارس الإيقاع الفنان المرحوم اللوز.. الحكاية تعود إلى سنة 1974، يحكي الفنان القدير سيدي محمد الباهري، وهو بالمناسبة أحد مؤسسي الفرقة الرائدة لمشاهب إلى جانب لمراني الشريف والبختي وسعيدة بيروك واحميدة الباهري، وهو أيضا من أسس إلى جانب أخيه احميدة مجموعة لجواد وبنات الغيوان وقبل هذا كله مجموعة طيور الغربة..، أن موهبة اللوز سواء الصوتية أو الإيقاعية ستعلن عن روعتها في البدء داخل مجموعة لجواد، لأنه كان أحد أعمدتها الأساسية منذ التأسيس، وكانت تضم أيضا عنصرا نسويا ويتعلق الأمر بالفنانة المرحومة حليمة حجاجي، التي كانت ثالث فتاة تدخل بحر الغيوان بعد سكينة الصفدي نجمة جيلالة، وسعيدة بيروك نجمة لمشاهب، وكانت حليمة قبل التحاقها بمجموعة لجواد قد اشتغلت إلى جانب الفنانين محمد سوسدي وامبارك الشادلي وصالح نور وسعيد سعد وعبد الرحيم الكناوي بمجموعة أهل الجودة …
يقول الباهري، الذي كان أول من أقنع محمد باطما بالالتحاق بمجموعة لمشاهب إلى جانب سعيد الصديقي الملقب»عزيزي»، كنت وأخي احميدة نبيت بنادي لمشاهب بحي بيلفيدير لما قدمنا إلى الدار البيضاء قاصدين منزل خالتي بحي للامريم، ولأن التداريب كانت تأخذ منا وقتا طويلا، كنا نخجل من العودة إلى منزلها في وقت متأخر من الليل، خاصة وأن المسافة بعيدة وأنه كان علينا قطع هذه المسافة مشيا على الأقدام، وقد كان هذا النادي على بعد خطوات من نادي ناس الغيوان، وكان يبيت فيه في أحايين كثيرة المرحوم بوجميع..، ولأن بوجميع كان طيبا، نسج معنا علاقة، فقد كان يتعاطف معنا لأننا غرباء عن المدينة، لذا كان يسمح لنا بالجلوس معه في نادي الغيوان أو يأتي إلينا بنادي لمشاهب ليطمئن على أحوالنا، وبالمرة يمدنا بالمال..، فقد كان سخيا معنا لأنه يعرف ظروفنا، كما يعلم أني أدخن وأحيانا لا أجد ثمن سيجارة..، خلاصة القول أنه أصبح أخانا الأكبر وسندنا، وقد دافع عنا كثيرا في ظروف مختلفة، علاقتنا مع بوجميع فتحت أمامنا سبلا عديدة، فبفضله عرفنا المسرح البلدي ومقهى لاكوميدي، التي كانت مجمعا للمثقفين والفنانين، وفيها نسجت علاقات مع زملاء في الفن وعالم الثقافة وعلى رأسهم عزيزي سعيد الصديقي أخ الأستاذ الطيب الصديقي، الذي تعلمت منه أشياء كثيرة.. لما وقع خلاف بيني وبين المرحوم البختي وقررت مغادرة لمشاهب، قرر احميدة أيضا المغادرة رغم أنه لم يكن له خلاف مع البختي، خرجنا بدون بوصلة لا ندري أين نذهب أو أين نحل لولا بعض الأصدقاء، وهنا أذكر انني كنت على أعصابي وأردت رفع دعوى ضد المرحوم البختي، لأنني كنت أنا رئيس الفرقة والماركة المسجلة لاسم لمشاهب بإسمي، لكن بوجميع تدخل ونهاني عن القيام بذلك، موضحا لي بأن فن المجموعات هو مكسب للساحة الفنية ولا يعقل أن يتم خدش هذا المسار بمثل هذه الإجراءات، ثم « إنكم زملاء فنانون ولا يصح أن تذهبوا للمحاكم»، عملت بنصيحته، فهو شيخ الظاهرة ومِؤسسها حتى أن كلامه هدأ من روعي، بعد مدة قررت أنا واحميدة تأسيس فرقة جديدة، وهنا سيلتحق بنا اللوز وحليمة، فقصدت مقهى «با محمد» بحثا عن بوجميع لأطلعه على هذا المستجد، وكانت هذه المقهى المتواجد بالقرب من ساحة ماريشال مجمعا هي الأخرى للفنانين يقصدونها لتناول الوجبات الشعبية كاللحم المفرمل والبيصارة والحريرة …كان بوجميع دائم التردد على هذه المقهى بمعية فنان مجموعة جيل جيلالة مولاي الطاهر الأصبهاني، الذي كانت تجمعه به علاقة صداقة وطيدة، إلى جانب أحمد باري وعبد الله الكير وفتاح وإخوة آخرين من المقربين من بوجميع، أخبرته أني أسست مجموعة جديدة ونريد لها اسما وجئت لتقترح علي الاسم، بعدما أطلعته على مقترحات التسميات التي اخترناها كمجموعة ولم نحسم فيها بعد، والتي من بينها الإسم القديم «طيور الغربة» و»البلابل» وغيرها، لم تعجبه التسميات المقترحة، أتذكر أن جيلالة في تلك الفترة كانت قد أصدرت الألبوم الذي يضم الأغنية الرائعة «لجواد آ لجواد»، وكانت قد لقيت نجاحا وانتشارا كبيرا، نظر إلي بوجميع وبجانبه مولاي الطاهر وقال لي «أنتم عانيتم وغادرتم مجموعتكم دون أن تخدشوها وتسيؤوا إليها، وهذا أمر يحسب لكم، إذن أنتم ناس جواد، لهذا أقترح إسم الجواد كعنوان لفرقتكم المستقبلية»، التفت إليه مولاي الطاهر وعقب بالتساؤل «واخا هاد الإسم هو عنوان الأغنية التي غنينا» ؟ ، فرد بوجميع «وهذا أمر محفز لأن أغنية لجواد نجحت ما سيجعل تسمية الفرقة بهذاالاسم مستساغا في أذن المتلقي ويعلن بالتالي عن هوية المجموعة كفرقة قادمة من بحر أغاني المجموعات».
لقيت فرقتنا نجاحا لا بأس به..، بدأت مواهب اللوز تبرز للعموم، أصبحنا مطلوبين في الحفلات والسهرات، حتى أننا أصبحنا نغني حتى في المطاعم..، الأمر الذي عابه علينا بعض الفنانين، لكن بوجميع دافع عنا وخاطب من ينتقدوننا بالقول «ماذا تريدون ان يخرجوا للشارع ويتوسلوا هؤلاء لم يكن لهم حتى المأوى فكيف سيعيشون، ثم لا تنسوا أنهم يقومون بعمل مهم، لأنهم يروجون أغاني المجموعات في مثل هذه الأماكن التي تقتصر على الغناء الشرقي أو الخليجي وغيره، وبذلك يكون صوت المجموعات واصلا إلى كل الفئات والطبقات..» ، أكثر من هذا فإن بوجميع أصبح يتردد علينا ليتفرج ويشجعنا وكان يعجبه اللوز كثيرا ويمده بالنصائح، بعده أصبح كل الفنانين يأتون إلينا..
ونحن بمقهى»با محمد» قدم لي بوجميع الدعدوع الذي يعزف عليه بعدما أخبرته أني سأسافر إلى مراكش لزيارة العائلة، إذ كلما كنت أريد التوجه إلى مراكش أخبره بذلك، فطلب مني أن أحمل معي الدعدوع وأعيد تجليده بمراكش بجلد الماعز، لأن هناك من يجيدون هذه العملية كما أن الجو جاف سيساعد على ضبط الجلد بالشكل المقبول، أخذت الدعدوع وقصدت مراكش وزرت أحد الصنايعية وأخبرته أن الدعدوع لبوجميع وبأن عليه أن يعيد تجليده، فرح الصنايعي وقال لي سوف يتذكرني بوجميع لأني سأجيد عملية التجليد.. بعد يومين عدت للدار البيضاء من اجل أمر طارئ، فالتقيت المرحوم مصطفى سلمات فأخبرني أنه يبحث عني منذ أيام لأن هناك أحد المتعهدين يريد فرقة الجواد، للقيام بجولة فنية في هولندا..، اتصلت بأعضاء الفرقة وسافرنا إلى هناك، حيث أخذت منا الجولة مدة شهر كامل، بعد عودتنا إلى مطار الدارالبيضاء أخبرنا رجال الأمن والجمارك بأن بوجميع قد مات، دخلت واللوز وحميدة وحليمة في هيستيريا من البكاء، لأن سندنا ضاع منا، قصدت مراكش من جديد وعدت بآلة المرحوم، ركنتها في المنزل، مرة وأثناء تداريبنا قال لنا المرحوم اللوز «أعطوني دعدوع بوجميع « لما أخذه وقف وأخذ يقلد بوجميع في النقر وحتى الرقصة التي كان يقوم بها .. تذكرنا الرجل وساد جو من الحزن قبل أن يباغتنا اللوز بالقول « آشنوا ماغانكرموش الراجل للي ساندنا ودافع علينا؟ وماغانتبركوش بالآلة للي كان كيعزها؟» ، فاعلمنا بأنه في الحفل الذي كنا نتمرن إعدادا له سيعزف على آلة بوجميع تكريما له، وبالفعل نقر عليها في الحفل، وكان التعاطف كبيرا من طرف الحاضرين، إذ أن اللوز كان بين الفينة والأخرى يقلد فعلا طريقة عزف بوجميع ورقصته وهو الأمر الذي كان يقابل بتصفيق منقطع النظير…


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 04/11/2019