الدورة الثامنة من المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناظور .. ناقشته الانتاج السينمائي بالمغرب وقضايا حقوق الإنسان

تواصلت أول أمس الأربعاء فعاليات المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بمدينة الناضور من خلال العديد من الأنشطة السينمائية الحقوقية والفكرية المبرمجة في إطار دورته الثامنة المنظمة تحت شعار «ذاكرة المستقبل.. أو كيف يمكن للسينما إعلاء تجارب المصالحة وثقافة السلم»، التي تعرف إقبالا من ساكنة المدينة وزوارها، خاصة فيما يتعلق بعروضها السينمائية التي تحتضنها دار الثقافة بالمدينة، وكذا الندوات التي تسجل حضور تلاميذ وطلبة بعض المدارس والمعاهد..
تتميز الدورة الثامنة من المهرجان بخاصية أخرى عن غيرها من الدورات السابقة، وهي أن اللمسة النسوية حاضرة بشكل لافت في أكثر مجال سواء في لجن تحكيم الدورة، وخاصة في لجنة تحكيم الفيلم القصير، التي تتشكل عناصرها من النساء باستثناء رئيسها الناقد السينمائي والإعلامي المغربي محمد العروسي، وأيضا في المنافسة على جوائز الدورة، حيث تشارك تسع نساء، فرديا أو بالمساهمة مع مخرجين آخرين بأفلام في المسابقات الثلاث للمهرجان.
على هذا المستوى تم أول أمس الأربعاء عرض أفلام تنتمي لمدراس سينمائية مختلفة قدمت فرجة سينمائية رائعة، منها قصيرة، وثائقية و روائية طويلة نالت الكثير من الإعجاب لمقاربتها السينمائية الجيدة ولمعالجتها العديد من القضايا الإنسانية الراهنة بشكل فني مهني راق.. وهي على مستوى الفيلم الفرنسي -البلجيكي القصير « chatouilleuse d oreilles» للمخرجة إميليا نانيل، تستعرض فيه حكاية أم استمعت منذ سنوات خلت إلى قاص صيني فانبهرت به وقررت أن تصبح قاصة. فأطلق الناس عليها: مدغدغة الأسماع/ الآذان.غير أن مرض الأب أفقدها متعة القص و سحر الكلمة. ومن أجل مداعبة الأسماع، من جديد انطلقت في رحلة البحث عن ذلك القاص الصيني. والفيلم القصير» are you volleyball ? « للمخرج محمد بخس يتناول قضية وصول مجموعة من اللاجئين إلى حدود دولة معينة، فقابلهم الجنود و حرس الحدود بفضاضة وقسوة. فلم تجد مجموعة من الأطفال بدا من تهيئة ملعب للكرة تقربا إلى أطفال آخرين ونسج علاقات معهم..، والفيلم الثالث القصير المغربي «ياسمينة» للمخرجين علي الصميلي و كلير كاهين طرحا فية حكاية شابة ذات الخمسة عشر عاما، تعشق كرة القدم وتمارسها في نادي سانت إتيان. وهي فتاة مغربية تعيش في وضعية غير قانونية على التراب الفرنسي مع أبيها وخليلته الفرنسية. وذات مساء حين عودتها من التداريب ستحضر واقعة اعتقال أبيها. ثم الفيلم الوثائقي التونسي-الإسباني» tunisia in transition» للمخرج مارك ألمودوفار وريكارد غونزاليس، تناولا فيه مسار هيئة الإنصاف والعدالة برصد سيرورة العدالة الانتقالية التي عرفتها تونس بعد الثورة.. ويلفت هذا الوثائقي الانتباه إلى أهمية هذا المسار في بناء نظام سياسي جديد وذلك انطلاقا من شهادات الضحايا وكذا من خلال مواقف كبار بعض الفاعلين السياسيين بمن فيهم وزراء سابقون في نظام الرئيس السابق بنعلي. وكذا الفيلم الوثائقي الثاني «a la recherche de l homme a la camera» وهو فيلم فرنسي –تركي – سوري من إخراج بثينة بوسلامة تحكي فيه قصة بحث قامت به خلال ثلاث سنوات وقادها من جنيف إلى الحدود السورية. وهو بحث بلا هوادة عن صديق الطفولة اسامة الناشط الإعلامي السوري المختفي، تتخلله حالات اليأس والامل والخوف والإحباط، «بحثا عن الرجل والكاميرا» رحلة يتسامى فيها البحث عن شخص عزيز، عن الدمار السياسي والعسكري الذي حل بالبلد… ثم الفيلم الروائي الطويل los adioses» للمخرجة المكسيكية ناتاليا بيريسان إيغرولا تروي فيه حكاية الطالبة روزاريو كاستيانوس التي ماتزال منطوية على نفسها حينما اقتحمت عالم الكتابة والتقت بريكاردو غيرا. وما إن بدأت تشق طريقها وتصبح واحدة من مشاهير الأدباء المكسيكيين حتى وجدت في الرجل الذي أحبته أشرس منافس لها وهو ما جعلها تناهض مجتمعا يحكمه الذكور وتكون الصوت المعبر عن نصف المجتمع الآخر. وأخير الفيلم الروائي الطويل الثاني وهو البيروفي « mataindios» للمخرجين أوسكار سانشيز سالدنا وروبير جولكا موتا، يقول مضمونة إن اربعة معمرين تولوا تنظيم حفل احتفاء بولي المدينة وتوسلا إليه لوضع حد لحالات اختفاء أقاربهم. وكانت الغاية من الحفل إرضاء أولياء المدينة الصالحين، اعتقادا من المعمرين أن الولي الصالح سيستجيب لهم ويكشف الغطاء عن سر اختفاء الاقارب، وهو الأمر الذي جعلهم يجدون في تنظيم يليق بمقام الأولياء الصالحين…
وعلى منوال أنشطة اليوم الثاني من المهرجان فقد عرف اليوم الثالث منه تنظيم مائدة مستديرة كان موضوعها ذا راهنية عالية في المجال، وهو»الإنتاج السينمائي بالمغرب وقضايا حقوق الإنسان»، التي ارتكزت على محورين أساسيين الأول ضم عناصر هل حقوق الإنسان موضوع مبدئي أم موضوع الساعة؟ هل قضية حقوق الإنسان في السينما مسألة تسويق للفيلم؟ حقق الإنسان في السينما: الأثر والفاعلية؟ هل حقوق الإنسان في السينما: اختيار إبداعي أم ضرورة أخلاقية؟ السينمائي: مبدع حر أم مناضل اقتضته الضرورة؟ والثاني هو كيف يمكن للسينما أن تتناول القضايا الخلافية: عقوبة الإعدام انضمام المغرب إلى المحكمة الجنائية الدولية..؟
وقد نشط هذه المائدة المستدير الإعلامي محمد العروسي بمشاركة المخرج أحمد بولان والسيناريست نرجس المودن والناقد السينمائي محمد غلاوي والموضب السينمائي علال السهبي، بالإضافة إلى مندوبة عن كتابة الدولة في حقوق الإنسان، التي كشفت في ورقة لها أن المجتمع المدني بالمغرب أصبح قوة اقتراحية، وأن الوزارة المعنية أضحت تواكب الحركية الحقوقية التي تتفاعل هنا و هناك بتلقي المشاريع التي تقدم لها للاشتغال عليها وتفعيلها من الرقي بقضايا حقوق الإنسان بالمغرب، كما قدمت المندوبة بالمناسبة عرضا جد مقتضب عما حققته الوزارة في هذا الصدد وما يتم العمل عليه لأجل تحقيقه، منبهة في ذات السياق إلى أن هناك تيارين في المغرب أبرزا الكثير من القضايا الخلافية، تيار محافظ يبتغي الحفاظ والإبقاء على بعض المساطر والقوانين .. كما هي، وتيار حداثي تقدمي يصبو إلى تغيير الكثير من القوانين التي تضمن حقوق الإنسان و تحافظ على كرامته مثلما هو متعارف عليه عالميا.. مشيرة إلى أن الوزارة اشتغلت على 116 مشروعا تقدمت بها جمعيات وتم قبول 42 منها ..
في هذا الصدد أبرز الناقد السينمائي محمد غلاوي أن دولة لا توجد فيها ديمقراطية لا تتوفر على حقوق للإنسان، موضحا في تدخله في موضوع المائدة أن هناك علاقات تاريخية بين السينما وحقوق الإنسان عامة استلهمت مواضيعها انطلاقا من فترة الثورة الصناعية والثورة إلى الفرنسية إلى اليوم بما فيها حرب الفيتنام و غيرها، مشيرا إلى أن هناك العديد من الأفلام العالمية تناولت تيمة حقوق الإنسان بطريقة مباشرة وأخرى بطريقة غير مباشرمن قبيل الفيلم الأمريكي «جوكر» الذي يشهد متابعة عالية هاته الأيام في مختلف بقاع العالم.
المخرج السينمائي احمد بولان تحدث في هذا الموضوع من خلال تجارب ذاتية، قائلا إنه لم يكن معتقلا سياسيا سابقا، لكن محيطه الطلابي في السنوات الماضية كان له الأثر في التعاطي مع هذا الموضوع بكل جرأة، حيث قام بإخراج فيلم «علي ربيعة والأخرون» بالرغم من العراقيل و المضايقات التي تعرض لها وتتعرض لها مشاريع أفلامه التي تقدم بها للجهات المسؤولة..
السيناريست نرجس النجار، التي تكتب للتلفزيون أكثر من السينما، أوضحت أن جميع سناريوهاتها التي تجدست في أعمال تلفزيونية تحدثت عن حقوق الإنسان منها قضايا الطفولة، الاغتصاب، الخيانة الزوجية، الفساد، زواج القاصرات سواء أكان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر، مطالبة المهنيين بالتعامل بذكاء مع هاته المواضيع ذات الحساسية، حتى لا تتعرض للرفض أو المنع من لدن بعض المشرفين على القطاع
الموضب السينمائي علال السبتي، الذي كانت له تجربة مهنية طويلة مع المخرج المغربي سهيل بنبركة في العديد من الأفلام، قال إنه من الممكن قول كل شيء في السينما؟ وان منع ترويج الأفلام في ما سبق بالمغرب لم يكن أبدا عن طريق قرار كتابي بل شفوي فقط مثلما ما حصل لفيلم «حرب البترول لن تقع» لسهيل بنبركة، مستدركا في هذا الاتجاه إلى أن القضية لا تهم المغرب لوحده، بل الكثير من الدول بما فيها الكبيرة، حيث يتجسد المنع عن طريق خلق عراقيل للتمويل..
وأضاف السهبي أن مواقع التواصل الاجتماعي حاليا تقدم العديد من الإمكانيات للتعبير عن طريق الصورة و الصوت يوازي تأثيرها على الرأي العام ما يقدم على الشاشتين الصغيرة و الكبيرة..


الكاتب : جمال الملحاني

  

بتاريخ : 15/11/2019