انحطاط القيم .. بين المسؤولية وضرورة التصدي للظاهرة

 
أخذ الحديث ، مؤخرا، عن واقع القيم بالمؤسسات التعليمية وبمحيطها يأخذ منحى تصاعديا ، وذلك في ظل ما صارت مجموعة من الظواهر تسم به الجو العام، سواء في المؤسسة التربوية أو في الشارع والأماكن العمومية وحتى داخل الأسر نفسها ، وتفشي ظاهرة العنف اللفظي والجسدي والانحراف السلوكي العلائقي في تعامل الفرد مع أقرانه وزملائه أو مع والديه وإخوته أو مع الغرباء عنه في الحي أو خارج الحي …
وإذا كانت الأسرة هي المؤسسة الشرعية الأولى التي يتشبع فيها الطفل بمجموعة من القيم وضوابطها ، فإن المدرسة تشكل المؤسسة الشرعية الثانية التي يجب أن تلعب دورها الكامل في ترسيخ بعضها وتقويم أخرى وزرع البعض الآخر ، حتى لا تفقد المؤسسة التعليمية دورها التربوي وتنحصر مهمتها في الدور التعليمي فقط …
وتشخيص القيم يقودنا إلى التمييز بين صنفين أساسيين من تجلياتها :
القيم السلبية وتتمثل في العنف اللفظي عبر كلمات وعبارات تخدش الحياء والسب والشتم ، والعنف الفعلي بالاعتداء الجسدي ، والخبث في الكيد والإيقاع بالغير ، والعدوانية التي تجعل من الجميع أعداء مفترضين ، واللامبالاة إزاء الوسط والمحيط ، والأنا المتحكمة في كل ما هو متاح أو غير متاح ، والعناد باعتماد الرأي المتصلب المتشدد ، وعدم الاحترام صغيرا كان أم كبيرا ، والعبثية إزاء قضايا المجتمع في صيغته المصغرة أو الكبيرة ، والاستهتار بالمواضيع أيا كانت جديتها وحساسيتها وغاياتها والفئات المستفيدة منها …
القيم الإيجابية من قبيل التنافسية الشريفة التي تعطي لكل ذي حق حقه ، والانسجام بين مكونات المجموعة مهما كان حجمها وطبيعتها وأهدافها التي تشتغل عليها أو تتواجد ضمنها ، والانصهار في الجماعة لتوحيد الجهد وتقليل الكلفة ، والمسؤولية تجاه ما تقتضيه المواقف والسلوكات الرامية إلى تحسين وضعية أو تجويدها ، والتسامح من منطلق الإقناع والاقتناع ، وحسن المعاملة بغاية حسن التواصل ، والتفاعل الموجب المفضي إلى التناغم والتناسق، وتقدير الآخر المبني على تقبل الرأي والرأي المخالف ، والصبر والتحمل حين التعرض إلى ارتدادات أو مواجهة عراقيل وصعوبات ، والتشبع بعامل التدرج الذي يبعد الفرد عن قفزات حرق المراحل ، وروح التعاون الكفيلة بخلق لحمة التآزر، والنظافة التي تنمي الذوق الرفيع ، والتواضع الذي يعزز أواصر المحبة والألفة ، واحترام الزمن والفضاء بما يقوي حس الانتماء وحسن التصرف…
وهذا التشخيص يضع أمامنا أهمية وأهداف القيم التي يمكن استخلاص بعضها المتمثل في بناء تكوين الفرد ، وبناء الشخصية القوية ، واكتساب القدرة على حسن التصرف ، واكتساب القدرة على ضبط النفس ، والحماية من الوقوع في الخطأ والانحراف ، والإحساس بالطمأنينة والأمان ، وتقوية الشعور بالاستقرار والتوازن ، وكسب ثقة ومحبة الآخرين ، واكتساب القدرة على التكيف والتأقلم….
وجدير بالإقرار أن منظومة القيم في حد ذاتها ليست بمنأى عن جملة من أسباب ضعفها وإضعافها ، إذ يمكن إيجازها في تربية تغييب القدوة والنموذج ، والتربية المهملة والمتجاهلة ، والتربية المبالغة في التذليل ، والتربية السالبة والضاغطة ، والتربية الجاهلة بالخصائص ومميزات المراحل العمرية ، وتربية المحاكاة بالشارع ، والتربية بضوابط التناقضات ، وتربية الاستقواء والتمييز…
كما أن منظومة القيم هاته تحكمها عوامل مؤثرة كالوالدين والشارع والمربي (ة) والمدرس (ة) ورجل الأمن ورجل الدين والفن والإعلام .. وكلها عوامل تساهم بشكل أو بآخر في توجيه دفة القيم إيجابا أو سلبا ..
غير أن عوامل غرس وتثبيت القيم لا بد وأن تشمل التشجيع والتحفيز واستخلاص العبر والاستشهاد والنموذج والمثل الأسمى والتشخيص …


الكاتب : عبد الكريم جبراوي

  

بتاريخ : 25/11/2019