الحاجة إلى إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المدرسة

بعد ان أصبحت أجيال اليوم مدمنة عليها

بعد أن اكتسح التقدم التكنولوجي فضاء الحياة العامة وولج رحاب الحياة المدرسية بقوة , أصبحت أجيال اليوم مدمنة على استعمال تكنولوجيا الإعلام والاتصال, فهي نشأت وترعرعت في حضن وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة وتمارس غواية الكتابة والاتصال الالكترونيين ,وتتنقل عبر الفضاءات الافتراضية والشبكات الإعلامية, باعتبارها وسائل مغرية-لاهية و حيوية ,مما اكسب هذا الجيل مؤهلات ومقومات ثقافية-تواصلية و كفايات تكنولوجية جعلت هذا المتعلم الشغوف بالتكنولوجيا الحديثة يملك قدرة مدهشة على استيعاب المفاهيم المرئية والمسموعة وله رغبة دائمة في البحث والتواصل عبر الشبكات العنكبوتية , مما يشير في العمق إلى وجود بشائر ثورة في الفضاء الإعلامي والتعليمي الوطني .
إن الثورة العلمية والتكنولوجية التي حدثت في مجال المعلوميات والتطور الهائل الذي طرأ على تقنيات الاتصال ووسائل الإعلام وغيرها,ودخول هذه التقنيات والآليات والأجهزة والبرمجيات والأنظمة إلى مؤسساتنا التعليمية هو دخول في العصر واندماج حقيقي في محيطنا الكوني.
إن بمقدور هذه التقنيات والآليات التكنولوجية – التعليمية أن تؤثر على طرائق التدريس , ومناهج التعليم بعد أن أصبحت هذه التكنولوجيا تشكل مركز اهتمام المدرسين و المتعلمين , و صارت تخترق المنظومة التعليمية لتنشيط الفضاءات الدراسية وتفجير طاقات التلاميذ مع المساهمة في بناء شخصيتهم , و ينتظر المستقبل مشاركتهم الفعلية في مواكبة كل مستجدات عصر العولمة بانفجاراته العلمية و المعرفية المتواصلة و اللا محدودة.
وهذا ما سيزيد في الطلب على التعليم والاستمرار فيه أمرا ملحا وضروريا طوال الحياة , لكن شرط أن يكون في مستوى رفيع من الجودة والإتقان ومدمجا لهذه التكنولوجيات لأجل تعزيز التعلم الذاتي . ولقد حرصت الدول النامية على تطوير وتجديد أنظمتها التعليمية للانخراط في مسار هذا التطور والإفادة منه .
ولعل من التدابير التي يجدر بالمنظومة التربوية ببلادنا اتخاذها اختصار الطريق إلى التنمية والحداثة وتحقيق إقلاع علمي وتنمية اقتصادية واجتماعية عبر تجويد و عصرنه مناهج التربية والتكوين لتلبية حاجات المتعلمين من المعارف والمهارات والقيم الكفيلة بصقل شخصيتهم وتنمية فكرهم وتفتح مخيلتهم الإبداعية الخلاقة.
إن تقنيات الإعلام والاتصال تنمي الاستقلال الذاتي للمتعلم وتقوي معارفه في مواد متعددة (تعلم اللغات – الرياضيات – الطبيعيات – الفيزياء – الفنون ….)بالإضافة إلى المهارات المكتسبة باستعمال هذه الأدوات… كما لا ننسى المتعة في استعمال هذه التقنيات في المدرسة بالنسبة للمتعلم ،حيث أن للتلميذ قدرة مدهشة على استيعاب المفاهيم المرئية والمسموعة ورغبة دائمة للهو .(عن تقرير ورشة الإعلام والتواصل في الملتقى الوطني الأول لجمعية آباء وأولياء التلاميذ).
لهذا أصبحت هذه التقنيات الجديدة في الإعلام والاتصال تستقطب جميع الفاعلين في حقل التربية والتعليم في بلادنا لما لهذه التقنيات من دور فعال في العملية التعليمية, فأقر الميثاق الوطني للتربية والتكوين بإدماج فاعل لتكنولوجيا الإعلام والاتصال , لأن هذه (التكنولوجيا التربوية تقوم بدور حاسم ومتنام في أنظمة التعليم ومناهجه), و عليه أكد هذا الميثاق أن وزارة التربية (ستعمل على إدماج هذه التقنيات في الواقع المدرسي على أساس أن يتحقق لكل مؤسسة موقع معلوماتياتي , وخزانة متعددة الوسائط ….) (فقرة : من الميثاق الوطني للتربية والتكوين .)
واستحضرا للأهداف التي وضعتها (إستراتيجية المغرب الرقمي )بالنسبة لدور المدرسة ووظائفها في مجال نشر تكنولوجيا الإعلام والاتصال واعتبارا إلى (أن إدماج هذه التكنولوجيا في المدرسة يمثل اليوم شرطا حاسما في تجديدها والارتقاء بها . كما أن من شان ذلك الارتقاء بجودة التعلمات وتنمية وتطوير التعلم عن بعد باعتباره مكملا للتعلم الحضوري .). (عن وثيقة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030)

الحاجة إلى التكنولوجيا لتطوير طرق التدريس والتدبير الإداري

ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بدور التكنولوجيا في العملية التعليمية, بعدما غزت تكنولوجيا الإعلام والاتصال (من قبيل : الوسائل السمعية البصرية –وشبكة الانترنيت- والموارد الرقمية…..قاعات الدراسة (القاعات المتعددة الوسائط) ومختبرات العلوم, و المكتبات والخزانات المدرسية ), فتبين للمهتم والممارس للشأن التربوي أهمية الاستعانة بهذه التكنولوجيات و جدوائيتها في تعزيز التعلم الذاتي والبحث الشخصي , وتطوير أساليب ومناهج التعليم ,وقدرتها على معالجة كل المشكلات, والرفع من مستوى أداء المدرس ومردودية المدرسة بعدما تبين العجز الواضح للطرق التقليدية والوسائل التعليمية الكلاسيكية وعدم كفايتها في معالجة الصعوبات و الاختلالات المتراكمة، وهو ما فرض اللجوء إلى الوسائل التكنولوجية التربوية ومواردها الرقمية و أنظمتها ومنظوماتها حتى تكون في متناول الجميع وتتيح للجميع إمكانية مواجهة كل المشكلات المستجدة والمختلفة .
لذا أطلق على هذا العصر(عصر التكنولوجيا و المعلوميات داخل الفصول الدراسية ) بعد أن تم تجاوز عصر المطبعة, والآلة الناسخة , والتلفاز والراديو ….لتصبح تكنولوجيا الإعلام والاتصال محركا أساسيا لديناميكيات التطور في كل جانب من جوانب الحياة. وإذا أخذنا في الاعتبار النفوذ الطاغي لهذه التكنولوجيات داخل الفصول الدراسية، فإنها أصبحت تطرح علينا العديد من الأسئلة من قبيل:
أ – ما هو مفهوم تكنولوجيا التعليم ؟ب- ما الفرق بين التكنولوجيا و الوسائل التعليمية؟ج- ما التطور الذي حدث في مفهوم الفصل الدراسي؟د- ما دور المدرس في عصر التكنولوجيا؟
من التعاريف المتداولة في مجال التربية حول التكنولوجيا , أنها عبارة عن «منتجات»،مثلها مثل الأجهزة و المواد التعليمية , وآخرون يقولون أن التكنولوجيا هي «عمليات»، أي أسلوب التفكير والعمل الذي يؤدي إلى الحصول على هذه المنتجات , بينما المتخصصون في الإعلاميات يبينون أن التكنولوجيا هي «نظام» تتفاعل فيه المنتجات مع العمليات ولا يمكن الفصل بينهما , فتكنولوجيا الحاسوب مثلا تجمع بين الأجهزة والمواد (البرمجيات) والمشكلات التي تواجه المتعلم و أسلوب العمل . كل ذلك في إطار أو نظام شامل. (د. حسين حمدي الطوبجي).
وأكد عالم الاقتصاد جالبريث، أن المقصود بالتكنولوجيا هو( الأسلوب المنهجي المنتظم الذي نتبعه عند استخدام تراث المعرفة العلمية و غيرها في المعارف الأخرى الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية أو التربوية بعد ترتيبها وتنظيمها في نظام خاص بهدف الوصول إلى الحلول المناسبة لبعض المهام العملية ). ويؤكد نفس الباحث على أهمية العائد الاقتصادي وغير الاقتصادي من تطبيق التكنولوجيا , إذ يرى انه إذا تم تطبيق هذا الأسلوب في حل مشكلات ومهام تعليمية مثل معالجة الفروق الفردية والتأخر في التحصيل الدراسي فهي تكنولوجيا التعليم ,وإذا تم تطبيقها في حل المشكلات الزراعية مثل زيادة المحصول الزراعي فهي تكنولوجيا الزراعة …ولذا فانه يمكن استعمال هذه التكنولوجيا في كل مجالات الحياة .
وتشمل التكنولوجيات التربوية مجالات عديدة لكل منها وظائف وأساليب خاصة وهي : (مجموع البرامج المعلوماتية والتفاعلية,والموارد الرقمية ,والأدوات التكنولوجية, والأجهزة الالكترونية المختلفة,علاوة على شبكات و أنظمة الاتصال ) .ومن الوظائف التي تسعى لتحقيقها :
* تطوير التدريس
يستدعي التطور المعرفي وانفتاح البيداغوجيا على الوسائل التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال أن يتم تنويع الوسائط والدعامات البيداغوجية و الديداكتيكية , مع عدم الاقتصار على الوسائل التعليمية المعتادة رغم أهميتها حيث أصبح من الحتمي اكتساب القدرات الذاتية للتلميذات والتلاميذ والتي طورها انفتاحهم على عوالم الاتصال والشبكات العنكبوتية لصالح التربية والتكوين في المؤسسة التعليمية , مع تنمية هذه القدرات لتطوير المكتسبات المهارية والوجدانية والمعرفية .
إن التكنولوجيا الحديثة أحدثت ثورة في مجال تطوير وإصلاح التعليم فأصبحت تشكل مركز اهتمام الفاعل التربوي والمستهدفين من العملية التربوية ,بل إنها اخترقت المنظومة التربوية فأصبحت شريكا فاعلا ومتميزا للمواد التعليمية من قبيل تدريس اللغات (مختبرات اللغة ..) والفنون (الانفوغرافيا ….) ومواد العلوم و الآداب , كما أنها توفر للمتعلمين الشغوفين بهذا الصنف من التكنولوجيا من ولوج آليات التعليم عن بعد , والتعليم المستمر.
إن الوسائل الديداكتيكية الحديثة توفر مناخا تفاعليا داخل الفصل الدراسي وتساعد على تطوير طرق وأساليب التدريس عبر:
– التنظيم المعقلن والمبرمج للفعل التربوي قصد إحداث تغيير ايجابي في سلوك المتعلم.
– توظيف البرمجيات الالكترونية التربوية والوسائل التفاعلية والحوامل الرقمية في المواد التعليمية .
– تحديد الأهداف الأدائية , واختيار و تصميم المواد التعليمية .
– تحقيق الأهداف عبر تجريب البرامج أو البرنامج المقترح وتعديله في ضوء نتائج تقويم أداء وتحصيل المتعلم.وهكذا فان (تكنولوجيا التعليم لا تعني مجرد استخدام الآلات و الأجهزة الحديثة, ولكنها تعني في المقام الأول طريقة في التفكير لوضع منظومة تعليمية, أي أنها تأخذ بأسلوب المنظومات )
كما أن هذه الوسائل التكنولوجية التعليمية الحديثة توفر إمكانيات لا محدودة لمعالجة وتخزين و استعادة المعلومات, وإعادة عرضها نصا وصوتا وصورة حسب رغبة المتعلم والمعلم والأهداف المحددة مسبقا.
ب- الإدارة التعليمية :
والمقصود بالإدارة هو تطبيق الأسس العلمية في إدارة التنظيمات وإدارة الأفراد عبر اختيار الأطر التنظيمية اللازمة لإدارة هذه الوظائف وأساليب العمل ونمط الإدارة المتبع.
و إن إدارة الأفراد تتصل باختيار الأفراد العاملين وتحديد مواصفات الوظائف التي يقومون بها وأساليب الإشراف عليهم وتقييم الأداء الوظيفي مع زيادة الإنتاج وتنمية العلاقات الإنسانية.
يرى هوبان أهمية التكنولوجيا على الإدارة التعليمية والتي لا تعني فقط الآلات والأفراد ولكنها( تنظيم متشابك ومتكامل يشمل الأفراد والآلات و الأفكار والعمليات الإدارية وغيرها ).
وعليها فان تكنولوجيا التعليم هي (نظام )أو ( عمليات ) وليست أجهزة وبدونها لا يصبح للأجهزة أهمية تذكر , و يرى هاينك أن المدارس تهتم عادة باقتناء الأجهزة دون الالتزام بالعمليات التكنولوجية أي الالتزام بالخطوات والوظائف التي تتضمنها التكنولوجيا في تحليل مكونات النظام وتركيبها في علاقات جديدة لحل مهام عملية .
* مهتم بالشأن التربوي


الكاتب : محمد بادرة

  

بتاريخ : 12/12/2019