«هواة السينما بالمغرب: استبعاد أم احتضان»

يحتل هواة السينما مكانة هامة في تاريخ السينما العالمية، مما يعني أن لهم دورا متميزا داخل منظومة الصناعة السينمائية، هذه النقطة تشهد إهمالا شبه تام من طرف النقاد والمنتجين والصحافيين السينمائيين في الحقل السينمائي المغربي، سواء على مستوى تقديم الدعم لمشاريعهم الجديدة قبل الإنتاج أو تشجيعهم واحتضانهم بعد الإنتاج، أو العكس تماما، وهذا ما يجعلنا نسلط الضوء على قضية هواة السينما بالمغرب؛ استبعاد عن الميدان أم احتضان، مما أدى إلى طرح مجموعة من التساؤلات :

ماذا يعني مفهوم الهواة؟ ومن هم هواة السينما؟ ومتى ظهروا؟ وهل هم متطفلون فعلا أم هم المؤسسون الفعليون لصناعة السينما؟ وإلى أي مدى يمكن الحديث عنهم؟
في المعجم اللغوي يقصد بالهاوي الشخص الذي يعشق نوعا من الفنون أو العلوم.. ويزاوله على غير احتراف وفي السينما يقصد بالهاوي أو الهواة جماعة من الأشخاص الذين يعشقون السينما ويحبون صناعتها ويمارسونها وكان هذا على سبيل الهواية والعشق و حتى” الأخوان لوميير” لم يكونا مخرجين بل كانا مخترعين لآلات للعرض وعن طريق هؤلاء المخترعين الهواة بدأت صناعة الأفلام إلى يومنا هذا.
ذكر “رونالد برجان” « Roland Bergan » في كتاب « The Film Book »: من هؤلاء الأفذاذ الذين طرقوا هذا الباب السحري وفتحوه لأجيال متعاقبة نحاول فهمها من خلال هذا الشريط الذي يدور، فيعكس لنا عوالم لم نرها من قبل؟
إنه لم يقصد خريجي المعاهد والجامعات و مستهلكي التقنية، بل كان يقصد أولئك الذين صنعوا «الكينتوسكوب» والفونوغراف» وهم أحد الهواة الذين مهدوا الطريق للرواد، كان على رأسهم «توماس أديسون ووليام ديكسون» وذلك في سنوات خلت زهاء (1888-1892 )، إنهم صانعو الصورة بامتياز، فقد جعلوا العالم يشاهد الصورة المتتابعة بشكل متحرك ومتطور تتخطى الصورة الثابتة.
في نفس الفترة في فرنسا تمَّ اختراع جهاز» السينماتوغراف» على يد ليون بولي» ثم باع الفكرة «لأوجست ولويس» فصنعا بها أول فيلم عام 1895 تحت عنوان «العمال يغادرون مصنع لوميير في ليون» ثم بعدها صنع «الأخوان لوميير» فيلمهما القصير» القطار يصل إلى المحطة».
علينا أن نكون ممتنين لهؤلاء الهواة الذين قاموا بهذه الأبحاث التي كانت تهتم بالصورة وصناعتها، فبسبب هؤلاء انتقلنا من 16 صورة في الثانية إلى المستوى العالمي الذي يقاس بـ24صورة في الثانية، فهم بدلوا مجهودا ضخما منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر قبل ظهور أيِّ جهاز للتصوير، فالصورة التي يفتخر بها التقنيون الآن و الألوان التي يتفنن المخرجون في تحديدها داخل إطار الصورة، كانت من صنع الهواة.
منذ سنة 1895 عرفت السينما ظهور تقنيات جديدة في التصوير السينمائي وقد تمَّ اختراع هذه التقنيات على يد الهواة السينمائيين الأوائل، وفي سنة 1903 تمَّ إخراج أول فيلم صامت تحت عنوان «سرقة القطار الكبرى» ذات الحركة الواحدة بالأبيض والأسود، وفي سنة 1903 – 1909 أُنتِج أول فيلمين بالألوان أحدهم للمخترع البريطاني «جورج ألبرت سميث»، والثاني للمصور المخترع «إدوارد ريموند تيرنر» الذي اخترع الكاميرا واستخدم فيها فلاتر بالألوان الأخضر والأزرق والأحمر.
تمَّ اختراع تقنية ثنائية الألوان عام 1907 على يد المصور الضوئي الإنكليزي ج . أ . سميث، وحوالي سنة 1916 تمَّ اختراع تقنية التصوير بالألوان» تكنيكولور» والتي يعنى بها فيلم سينمائي ملون، وقد تأسست شركة أفلام الحركة تيكنيكولور في بوسطن سنة (1914- 1915) على يد «هربرت كالموس» سنة 1917 ثم إخراج فيلم»بين الخليج» باستخدام تقنية التصوير بالألوان ثم بعدها «أفلام الكارتون» وبعض أفلام الحركة كـ»روبن هود» و»بياض الثلج» و»الأقزام السبعة».
في 1922 أنتِج فيلم «قصة البحر»الذي حقق نجاحا آنذاك بسبب تعدد الألوان فيه. وهذا ما شجع صناع السينما على تلوين الأفلام لاحقاً «الأرملة ميري» عام 1925 و»شبح الأوبرا»1925، وفي سنة 1939 تمَّ إنتاج فيلم»ذهب مع الريح»، وقد بلغت هذه التقنية ذروتها في هوليود ما بين (1932-1955)، ومن هنا تجدون أن كل تقنيات دمج الفيديو بالصوت والصورة بالألوان التي يتفاخر بها الطلاب بالكليات والمعاهد الآن،هي في الأصل تعود إلى «تكنيكولور»الذي مهد لها الهواة.
كان هواةالسينما يشكلون احتياطا مستمرا للعاملين بالسينما، فعن طريقهم جاءجميع المشتغلين بالسينما في مختلف عناصرها،هذا إضافةإلى أن الهواة كانوا وراء ظهور العديد من الأفلام القصيرة والطويلة سواء على المستوى المحلي أو العالمي، كانوا أيضا وراء النقاد السينمائيين وكتاب السينما، فقد كان معظمهم من الهواة بدأوا حياتهم شبابا محبين للسينما، يقرأون عنهاويحاولون أن يفهموها ليكتبواعنها.
عندما كانت السينما لا تزال في بدايتها لم يكن الأمر يحتاج إلى متخصصين أو تقنيين أو خريجين من معهد كذا و جامعة كذا، بل كان الأمر لا يحتاج إلى أكثر من عاشق هاوٍ ذي موهبة فذة، يستأجر كاميرا للتصوير ويتجول في الحومة والأزقة والشوارع ويصور الناس وهم في حركة. لم تكن هناك جودة للصورة، بل كان هناك ما يتحرك داخل الصورة، فجمالية الشيء كانت ولا تزال في ذاتها، كمضمون وليس كشكل.
في الآونة الأخيرة نشب جدال حاد وصراع بين مجموعات من خريجي المعاهد وبين الهواة، فينعتونهم بالدخلاء أو المتطفلين، ولم ينته الجدل إلى نتيجة طبعا، فغالبا ما يتم النظر إلى الهواة نظرة ازدراء واستهزاء حتى أن بعض المهرجانات أضحت لا تعترف بهم أصلا، والغريب أن بعض النقاد أنفسهم يعتبرون أن سينما الهواة سينما رديئة ولا يتم التعامل معها بجدية، فتمَّ استبعاد هواة مبتكرين واحتضان تقنيين مستهلكين.
إذن فحسب تاريخ هواة السينما في العالم نخلص إلى القول أن كل التقدم التكنولوجي الذي وصلنا اليه في صناعة الأفلام وفي الحديث عن تقنياتها كالصورة ثلاثية أو رباعية الأبعاد أو جمالياتها التي تكتسح الندوات داخل المهرجانات، هي جزء لا يجزأ من أفكار وتجارب قام بها الهواة السينمائيون الأوائل، يسمي هذا العالم الفيزيائي “اسحاق نيوتن” الوقوف على أكتاف العمالقة” أما خريجو المعاهد والجامعات، فلم يتجاوزا بعد ثقافة الاستهلاك، بشقيه المعرفي والتقني.


الكاتب : عبد الرحيم الشافعي

  

بتاريخ : 19/12/2019

أخبار مرتبطة

  فاز  فيلم ” :من عبدول إلى ليلى” للمخرجة العراقية الفرنسية ليلى البياتي بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان  ضمن فعاليات المهرجان

  اعتبر المخرج الفرنسي من أصل جزائري مهدي بنعلال ، أن المهرجانات ليست نافعة فحسب، بل هي أكثر من ذلك،

  انعقد يوم الثلاثاء 30 أبريل 2024 بدار الثقافة لقاء ثان مخصص لتقديم كتابين وهما: «شذرات من مشاهد…» للمخرج المغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *