عمر الشهيد المناضل و الإنسان 

الطيب الشكري 

 

هي الصورة نفسها منذ أزيد من أربعين سنة ، صورة لاتزال حاضرة في الوجدان الوطني ،   تختزل قرابة نصف قرن من النضال الحقيقي المرتبط بهموم و انتظارات أبناء الوطن ، ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون تعود مع دجنبر جديد من سنة تأذن بالرحيل لكنها تأبى وترفض النسيان ، نطوي صفحات من سنة مرت بما لها و ما عليها لكننا لم و لن نطوي صفحة ديسمبر التي ستبقى مفتوحة و شاهدة على كل من ساهم بالتنظير و التخطيط و بالاغتيال في جريمة لم يهتز لها الوطن فحسب و إنما كل أحرار العالم ، فمهما حاولوا و مهما عملوا فلن نكل من إدانة جرائمهم في حق الشهيد عمر لأنها صفحات خالدة في قلوب أبناء  الوطن الصادقين ، أبناء الكادحين الذين بنوا المغرب بعرقهم و بسواعدهم و من راحتهم و دمائهم ليجدوا أنفسهم بعد كل هذا الجهد على هامش التاريخ  و أبناء الطبقات الشعبية التي حمل همها الشهيد و دافع عنها و استشهد في سبيل تحررها و انعتاقها ، فديسمبر ليس مجرد شهر في سنة تمر بل هو تاريخ لشخصية رسمت طريقها بالتعذيب و التنكيل و أحكام الإعدام و الطرود المفخخة و بالغدر و القتل  فلم تساوم رغم فظاعة و بشاعة التعذيب على مبادئها و لم تبع نفسها بثمن بخس زهيد حتى و إن كان بملايين السنتيمات لا تساوي يوما واحدا من نضالاتها ، عندما فكر الجبناء من ظلاميي سبعينيات القرن الماضي  و من سار على دربهم المقيت و نهل من فكرهم الغادر  في اغتيال الشهيد عمر كان هدفهم هو قتل الفكر الحر ، قتل مهندس الاختيار الديمقراطي الذي بفضله هو الآن ينعمون بنتائجه و يحصدون ثماره ،  قتل نضال رجل سلاحه القلم و الكلمة و حدة المواقف ظل وفيا لمبادئه ، مناضل لا يعرف الخوف أو النكوص سبيلا لقلبه مؤمن بسلامة اختياراته و رجاحة آرائه  ، فعمر بنجلون لم يكن مناضلا و منظرا  فحسب بل كان أولا و قبل كل شيء إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فكان أبا لأسرة لم يفكر  القتلة المجرمون في مصيرها و هم يقدمون على فعلهم الإجرامي لم يسألوا أنفسهم كيف لأبناء يقبلون على الحياة  العيش دون حضن الأب ، عمر كان أيضا سليل أسرة مناضلة خلق أبناؤها ليكونوا في الصفوف الأمامية دعما و نصرة للقضايا الوطنية و العربية و الإسلامية ، فيكفي أن تذكر إسمي عمر و أحمد لتعرف حجم الألم الذي سكن أسرة بنجلون التي لم يأخذ أبناؤها مقابلا لنضالهم و هم الذين خبروا السجون و المعتقلات السرية و العلنية و الطرود الملغومة و الاغتيال من أجل المواطن المغربي الذي يقف في ديسمبر من كل سنة ليستعيد أحد الوجوه النضالية التي لن يجيد بها زمننا السياسي هذا و لترفع الصوت عاليا و تردد مع آلاف الاتحاديين و الاتحاديات  « نم مطمئنا يا عمر نحن البديل المنتظر « فاستعادة إسم الشهيد عمر بنجلون كل سنة و الترحم على روحه الطاهرة الزكية هو إدانة لتجار الدين ممن اتخذوا من العقيدة الملغمة وسيلة لحشو عقول شباب ذنبهم الوحيد أنهم سقطوا فريسة بين أيديهم و يصبحوا أداة لتنفيذ جريمة مازالت بعض من أركانها غائبة حتى اللحظة ، كما أن إحياءنا  للذكرى 44 لاغتيال الشهيد عمر هي أيضا مناسبة لاستلهام الدروس و العبر من التراث الفكري و النضالي و الصحفي الذي تركه عمر .
ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون تأتي هذه السنة في سياق سنة متميزة من حياتنا السياسية الوطنية،  احتفلنا خلالها بالذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان الشهيد مهندس أحد أهم محطاته التاريخية في مؤتمر استثنائي كبير ، سنة أطلقنا معها مبادرة الانفتاح و المصالحة بين أبناء المدرسة الاتحادية التي لم تنسلخ رغم ما حدث عن ماضيها و ظلت وفية للاتحاد الذي و مهما اختلفنا سيبقى البيت الذي يتسع لكل أبنائه و بناته من نساء و رجال الاتحاد.
فرحم الله الشهيد عمر وكل شهداء التحرير و الاستقلال.
و على عهدك و دربك يا عمر سائرون .

الكاتب : الطيب الشكري  - بتاريخ : 19/12/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *