بسبب نقص الموارد البشرية في الإدارة التربوية:

أساتذة يشتغلون في الإدارات ويفرغون الاقسام
ضم الاقسام بسبب الرخص المرضية يعيد ظاهرة الاكتظاظ ويخل بالزمن المدرسي

 

 

كل المتتبعين للشأن التعليمي بالمغرب، يدركون إلى حد كبير الاكراهات التي تعرفها منظومتنا التعليمية، ويقدرون في نفس الوقت المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية لضمان سير يومي عادي العملية التعليمية.
هذه الاكراهات هي في الواقع سوء تدبير هذا القطاع الحيوي الكبير، فهي ليست وليدة هذا الموسم أو ما سبقه من مواسم دراسية سابقة. بل هي نتيجة تراكمات متتالية لم تستطع القرارات ولا المخططات ولا حتى الإستراتيجيات التي اقترحت وفرضت في القضاء عليها أو حتى الحد منها، رغم الشعارات الرنانة التي تصاحب كل دخول دراسي، لما يفوق العقدين من الزمن. كان آخرها شعار هذا الموسم ( جميعا من أجل مدرسة مواطنة دامجة ) فكيف لهذا الشعار أن يطبق؟ كيف لسابقيه أن ينجح في ظل خصاص فظيع في آليات تنفيذه.
فقبل الموسم الدراسي 2015/2016 كان الخصاص يصل في جهة الدار البيضاء الكبرى سابقا إلى ما يفوق 2000أستاذ، مما كنا نعيش معه آفة الاكتظاظ والتي بلغت في بعض المناطق إلى 60 تلميذا في القسم. إلا أن التوظيف بالتعاقد الذي انطلق سنة 2016 أزاح هذه المعضلة بعدها توالت أفواج هؤلاء الأساتذة إلى أن اصبحوا أطر موظفي الأكاديمية الجهوية ، تقلصت معه نسب الاكتظاظ إلى حد كبير. لكن مشاكل التعليم لم تنته، حيث مازلنا نعيش على وقع الخصاص الذي انتقل من الأطر التربوية إلى الأطر الإدارية، وهي كارثة عظمى لم تجد معها الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية حلولا، سوى تلك التي جاءت على حساب مصالح المتمدرسين، حين قررت الاستعانة ببعض أطر التدريس في الإدارة التربوية، وذلك بتقليص ساعات استعمالات زمنهم الدراسي، وصلت عنذ البعض منهم إلى النصف أو أكثر. والباقى يخصص للإدارة التربوية( تدقيق وتسجيل غيابات التلاميذ- منح الشواهد المدرسية- الوقوف بالممرات ومراقبة الأبواب- إخلاء فضاء المؤسسة من التلاميذ واخراجهم خارج أسوار المؤسسة .
هذه المهام، هي في حد ذاتها، حق أريد به باطل. علما أن العديد من المؤسسات استعانت بأساتذة من العيار الثقيل ،لها خبرة ميدانية وتجربة رائدة، وفي أقسام ومستويات مهمة، تتطلب الحنكة والتجربة. وفي المواد العلمية مثل. الفيزياء..الرياضيات..العلوم التجريبية. أو اللغات الأجنبية، في عز أزمة اللغات. وبذلك تكون هذه المؤسسات قد حرمت شرائح مهمة من التلاميذ الذين اختاروا المجال العلمي، من هؤلاء الأساتذة، وضربوا في العمق مصداقية تكافؤ الفرص التي جاء بها دستور المملكة بالإضافة إلى الحق في تعليم جيد. ،الذي يضمن الكرامة، بدل الحكرة والتهميش، فكيف تحسب هذه الشريحة المهمة من الأساتذة من العيار الثقيل، من اقسامهم وتلاميذتهم والزج بهم في مكاتب الحراسة العامة للقيام بمهام صغيرة جدا على مقامهم.

الرخص المرضية طويلة الامد وأزمة التعويض

الطامة الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقتها. وهي الشواهد الطبية والتي هي حق لكل موظف سواء كان بالتعليم أو بأي قطاع آخر، إلا ان الرخص المرضية المتوسطة المدى أو الطويلة ،أضحت تشكل خطرا على التلاميذ مادام تعويضهم غير ممكن لغياب فائض في الأساتذة. أمام هذا الوضع غير الطبيعي، تتعامل الوزارة الوصية عبر الأكاديميات والمديريات الإقليمية بطريقتين: الأولى، وتتجلى في ضم الأقسام ،وبهذا الإجراء(التعسفي ) إن صح التعبير. نعود إلى التعامل مع الاكتظاظ. مما يصعب معه الأداء بالنسبة للاساتذة. والتلقي للمتمدرسين. الإجراء الثاني، فيخص خصم الساعات وتقليصها، فإن كانت أربع ساعات، تصبح ثلاثة. وإن كانت ثلاثة تصبح إثنان،
إذن مرة أخرى من المتضرر؟.لا أحد سوى ذاك التلميذ الذي اختارت أسرته التعليم العمومي بتلقائية إيمانا وحبا في المدرسة العمومية المغربية. لكن المسؤولين عليها، أرادوا بهذه القرارات ضربها، والمس مصداقيتها.
والسؤال المطروح حاليا بعد إنطلاق العمليات التحسيسية ضد العنف بالوسط المدرسي للموسم الرابع على التوالي بجميع المديريات الإقليمية عبر التراب الوطني، ماهي آليات ضبط هذه السلوكيات غير المقبولة داخل أسوار المؤسسة التعليمية، في خضم هذا النقص الفظيع لأطر الإدارة التربوية، دون أن ننسى الفوج الجديد الذي سيغادرنا هذا الموسم من المتقاعدين، وأيضا من سيلحقونهم عن طريق التقاعد النسبي.


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 19/12/2019