البومة إيميلي

 

أيتها البومةُ القدريَّة الناسكة،
حاضنةُ أطرافِ الليل
وريشِ النهار المتناثر
في الغسق الدائم،
عازفةُ الضياع الضاحك
في الخرائب،
المبشرةُ بالثلوج السوداء التي
تتساقط، كسلى، على هامة الزمن
المنتوف الشعر، المنكمش في سربال
الأبدية الباردة
وبيض السماء الخامج.
يا صديقة هيغل، وصديقة كل
الفلاسفة الذين قالوا
كلمة كالبرق لمعت بكرة
وراحت ثم راحوا،
دخلوا ليلات الآلهة، وانتصبوا
أنجما بين النجوم.
أيتها البومة الهامدة كمثل
حجر ملموم،
العاشقة المعشوقة حكيمة
العهود القديمة والعهود الآتية،
سَمَّيْتكِ إيميلي،
تأبيدا لذكرى حبيبة ماتت،
إيميلي التي تأكل الحلوى في الزاوية الداكنة
خلف باب الحظيرة
ثم تلعب الحَجَلةَ وترقص مُهْتاجة
كما رقص زورْبا ذات جنون.
الحدائق في أعطافها، وفي ذيلها
شجراتٌ وزهراتٌ وكراسي انتظار
إيميلي التي تَعَضُّ بأسنان الثلج
على كَاطُو المشيئة،
لا مباليةً، في تنورتها تنخطف أعينٌ
وتصدح أنغام ومواويل
نايات في كعبها تَطِقُّ
فرحة بها،
شكلها مقبض الوجود المنحوت
معتكفة على جمرها.
تهتف بعد أن ينام الكون،
بالعناصر تعوم في السديم
متلاشية مثل فضة الرؤيا
في خَلْطَة الصبر.
نُدوبٌ في ممرات الثلج الفسيحة
التي تَعْبُرُ نومها،
ملفعة بالظلال القرمزية بينما
صمتها يذرع الأودية المنتهكة،
أخْمَصَ ناحلا
إذ لا نأمة ولا حركة في السهوب
تنذر بحياة آتية
يُمَشِّطُها دبيب أرْجُلٍ لا مرئية.
سأتبعك إلى آخر النار والضباب،
إلى عشك الأزرق
المقطور بعربة عرجاء
تَتَمَرْجَحُ كطائر البطريق،
تقودها فهود الأدغال
وقصب السِّنوراتِ المطلة على
دم شِدْنٍ مخطوف
ثغا طويلا وتاه عند رؤية
أعناق أعشاب يشتعل
أخْضَرُها كمزلاج الحقيقة !.
إيميلي،
يا زرقاء،
أيتها البومة العمياء الرائية
بومتي
وبومة «صادقْ هِدايتْ»
المستمسكة بفرع الخرنوب العتيق
وسط الثلج والإعصار،
عَرِّجي، في مسراك، على هيغل،
وأنت تستشرفين زحف المقابر
على التجاويف والأخاديد،
ونشيد الموتى في
الكهف المنير.
قدِّمي لي بِشارةً
وارْشقيني بوردة،
يا آخر الحكيمات اللاتي يسهرن
على صبيب الخراب في الخرائب:
-ماذا تقول حروف الكف
تجاعيد الزمن
في ليل الخفافيش،
أين الملتقى،
وأين السبيل؟
-إيميلي الحبيبة،
وأنت بعيدةٌ،
سَأفْترِسُ الوقتَ بالغناء.
سَأفْترِشُ اللاَّمكان
وأجلس كسلطعون حجري
على
قارعة الندم.


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 20/12/2019