المجلس الأعلى للتربية والتكوين يكشف أرقاما صادمة عن الانقطاع الدراسي بالمغرب : آلاف التلاميذ المغاربة يغادرون مقاعد الدراسة كل سنة والعالم القروي الخاسر الأكبر

 

كشف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في إحصائيات رسمية، عن انقطاع 431 ألفا و876 تلميذا وتلميذة من سلكي الثانوي الإعدادي، عن الدراسة، قبل حصولهم على الشهادة، وفق مؤشر ما بين 2014 و 2018، أي بنسبة 4,7 بالمئة من مجموع تلاميذ أسلاك التعليم الإجباري بالمغرب )لابتدائي والثانوي الإعدادي(…
وحسب تقرير “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي” الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وهو يعتبر أول أطلس ينجز حول الانقطاع الدراسي، ويقدم عملا غير مسبوق لحد الآن من الناحية المنهجية، حيث يستخدم مقاربة جديدة لحساب نسب الانقطاع تستند على تتبع حقيقي وشامل لكل تلامذة النظام المدرسي، وتمكن كذلك من احتساب نسب الانقطاع بالنسبة لمستويات مجالية ترابية دقيقة لا تسمح بها المقاربة المستعملة حاليا التي لا تأخذ بعين الاعتبار حركية التلامذة على المستوى المجالي وانتقالهم بين القطاعين العمومي والخصوصي.
كما يعرض هذا الأطلس، لأول مرة، خرائطية دقيقة حول الانقطاع الدراسي بالمغرب، تمتد حتى المستوى المحلي، فمن خلال التحكم الكامل في الحركية بين الجهات، وبين الأوساط، وبين قطاعات التعليم، اعتمد هذا العمل على مقاربة جديدة، تستغل لأول مرة، المعطيات الفردية للتلاميذ الموجودة في قاعدة «مسار(MASSAR)»، وذلك ابتداء من سنة 2014 ، وهي السنة الأولى التي تم فيها إرساء نظام المعطيات «مسار»، ثم حساب مؤشرات جديدة للانقطاع الدراسي بدقة. وقد مكنت دراسة أفواج التلامذة الكاملة والفعلية للنظام، التي أتاحتها قاعدة «مسار «، من احتساب نسب الانقطاع المتراكمة خلال المدة 2018-2014)) مع تقييم حدوث الانقطاع عبر الزمن بالنسبة لفوج معين، وقد خلص هذا التقرير إلى الكشف عن أرقام مهولة لعدد المغادرين للمنظومة التعليمية ببلادنا، حيث أن نسبة « 78 في المئة من المنقطعين عن الدراسة من المفروض أن تحتفظ بهم المنظومة التربوية إلى حدود سن الـ15 عاما، على الأقل، من أجل تأمين هدف السن الإجباري للتمدرس».
كما كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن الانقطاعات تحدث غالبا بالسلك الأساسي بنسبة 78.3 في المئة من مجموع التلاميذ المنقطعين، حيث يغادر الدراسة 338000 تلميذ في السلكين الابتدائي والإعدادي بالرغم من كون هذين السلكين يعتبران إجباريين.
وأضاف التقرير أن الانقطاعات في السلك الإعدادي بلغت خلال 2018 عتبة 212000 تلميذ منقطع، مشيرا إلى أن الانقطاع بالتعليم الثانوي التأهيلي يكون متحكما فيه بالنظر للعملية الانتقائية التي تكون بالإعدادي والتي تدفع عددا كبيرا من التلاميذ إلى التوقف عن الدراسة قبل المرحلة الثانوية التأهيلية حيث بلغ عددهم سنة 2018، حوالي93000 .
وفي ما يتعلق بالنوع فقد أورد التقرير أن الإناث هن الأكثر انقطاعا عن الدراسة، حيث غادرت 11.6 في المئة منهن سلك الثانوي الإعدادي و8.8 في المئة غادرن سلك الثانوي التأهيلي، مقابل 16.6 في المئة و11.9 في المئة عند الذكور. أما في المستوى الابتدائي فقد كشف التقرير أن الإناث ينقطعن أكثر من الذكور، حيث يشكل مستوى السادس ابتدائي حاجزا أمام الإناث ويحول دون انتقالهم إلى سلك الإعدادي، وسجل التقرير نسبة 6.5 في صفوف الإناث مقابل 4 في المئة من الذكور، غير أنه في السلك الاعدادي يسجل العكس، إذ ترتفع نسبة الذكور المنقطعين عن الدراسة في نهاية السلك عن نسبة الإناث.
التقرير لم يغفل التفاوت في نسب الانقطاع بين الوسطين الحضري والقروي على مستوى سلكي التعليم الإجباري، حيث أظهر أن الانقطاع الدراسي في سلكي الابتدائي والثانوي التأهيلي، يمس الوسط القروي أكثر من الوسط الحضري، إذ بلغت نسبة الانقطاع الدراسي خلال 2018بالوسط القروي في التعليم الابتدائي 8,4 في المئة، فيما بلغت 2,2 بالمئة في الوسط الحضري.
بالإضافة إلى أن المعطيات التي توصل إليها البحث أكدت أن الفتيات القرويات يجدن صعوبة في الانتقال من السلك الابتدائي إلى
الإعدادي، فالفرق المسجل في الانقطاع الدراسي بين الإناث والذكور أكثر خطورة في الوسط القروي حيث يمس 5,6% من الإناث في التعليم الابتدائي، مقابل % 4 من الذكور. وعلى العكس من ذلك، فإن الذكور هم الذين يعانون أكثر من الانقطاع الدراسي في الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي، وفي الوسط القروي لوحظ الفرق الأكثر أهمية بين الجنسين في السنة السادسة ابتدائي في الوسط القروي، حيث بلغت نسبة الانقطاع عن الدراسة % 23,4 لدى الإناث، مقابل % 13,6 لدى الذكور. وهذا ما يؤكد، مرة أخرى، الصعوبة التي تجدها الإناث القرويات في الانتقال من الابتدائي إلى الإعدادي، مقارنة مع الذكور. وينقطع الذكور القرويون أساسا في التعليم الإعدادي حيث يغادر الدراسة % 19 منهم مقابل13,8% من الإناث، وخاصة في السنة الثالثة إعدادي، التي يغادر فيها الدراسة % 24,6 من الذكور كل سنة، مقابل % 20,1 من الإناث.
أما في الوسط الحضري فإن الذكور يتعرضون للانقطاع الدراسي أكثر مما تتعرض له الإناث، ويتأكد هذا المعطى في كل الأسلاك ونهايات الأسلاك التعليمية في الوسط الحضري.
هذا ويعتبر الانقطاع الدراسي في السنة السادسة من التعليم الابتدائي في الوسط القروي، الاكثر تفاقما، مسجلا خلال السنة ما قبل الماضية 18.1 بالمئة، مقابل 9.5 بالمئة في الوسط الحضري، كما سجل نفس الارتفاع بالسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي.
وعن ترتيب الأكاديميات التي تعرف أكبر نزيف للتلاميذ المغادرين هناك أكاديمية مراكش- أسفي التي تأتي في صدارة الترتيب بـ 7.86 في المئة ثم جهة طنجة- تطوان بنسبة 7.78 في المئة، فجهة بني ملال- خنيفرة بنسبة 7.53 في المئة، ثم جهة الرباط-سلا-القنيطرة بنسبة 7.46 في المئة، وجهة الشرق بنسبة 7.42، واحتلت جهة فاس- بولمان بنسبة 7.20 في المئة المركز السادس، فيما جاءت جهة الدار البيضاء – سطات بنسبة 6.87 في المئة في الرتبة السابعة، وفي المركز الثامن جهة سوس- ماسة بنسبة 6.39 في المئة، تليها جهة كلميم- واد نون بنسبة 6.38 في المئة، ثم جهة درعة- تافيلالت بنسبة 6.38 في المئة، وفي المركز الحادي عشر جهة الداخلة -وادي الذهب بنسبة 6.13 في المئة، وفي المركز الأخير جهة العيون- الساقية الحمراء بنسبة 5.09 في المئة.
وحسب هذه الأرقام الصادمة فقد سجل انقطاع ما مجموعه 508 آلاف و300 تلميذ في سنة 2015، وهو ما يعادل 8.8 في المئة من تلاميذ قطاع التربية الوطنية، لكن هذا العدد سوف يتراجع إلى 407 آلاف و674، أي ما يعادل 7.1 في المئة من أعداد التلاميذ الممدرسين.
ورغم كل الجهود التي بذلت من أجل الإبقاء على التلاميذ داخل أقسامهم والحيلولة دون مغادرتهم لها، ورغم الميزانيات الضخمة التي ترصد للقطاع للنهوض به ومنها إنشاء المدارس الجماعاتية وتجميع الوحدات المدرسية وتوفير النقل المدرسي والإطعام والمنح وغيرها من التدابير ورغم ارتفاع نفقات الدعم الاجتماعي التي تعادل ما مجموعه 68 في المئة من ميزانية الاستغلال في جل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، إلا أن الهدر المدرسي لايزال بمثابة ثقب أسود يجرف كل الجهود ويحول دون التقليص من هذه الأرقام المقلقة، ولاتزال المدرسة المغربية تعاني من النزيف الحاد في تلاميذها الذين يفضلون دفء منازلهم عوض الذهاب إلى فصولهم بحثا عن العلم والمعرفة، فحسب دراسة المجلس، لايزال الانقطاع الدراسي يشكل مشكلا حقيقيا بالنسبة للأسر التي تعيشه، فهو يوقف أبناءها عن التمدرس بصورة مفاجئة، دون أية آفاق مستقبلية، إن لم يكن السقوط في الانحراف والعنف والأمية، حيث أفضت نتائج البحث حول الأسر الذي أنجزته الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2018، والذي يشمل حوالي 3000 أسرة، أن الانقطاع الدراسي هو المشكلة الثانية الأكثر خطورة التي يواجهها النظام التربوي بالمغرب.
وخلص تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى أنه للقضاء على الانقطاع الدراسي، خصوصا في المرحلة الإجبارية، يستلزم اللجوء إلى آليات وأجهزة مبتكرة ومستهدفة من طرف الدولة ومادام أن الأسباب الرئيسية للانقطاع الدراسي لم يتم القضاء عليها بعد، مثل رسوب الطفل نتيجة تدني مستوى التعليم، وصعوبة ولوج المدرسة في الوسط القروي، وفقرالأسر،  فإننا سنعاين باستمرار، كل سنة، نزيفا حقيقيا لمنظومة التربية والتكوين.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 09/01/2020