ما أجْملك وأنتَ تمُوتُ يا بيلوان..

 

آهْ يا بيلوان كل شيء يتغير…
فهذه الأهراماتُ أمامكَ فانية …
وهذَا الفَضاءُ مُجرد حفْنة نورٍ
أفاضَ عن حُلم ربَّاني  لترحَل النّجُوم …
وما انبساطُ الأرضِ….
وانتصَاب الجبال حولهَا  إلا لُعبة حظٍ لبقَائها
وهذا البعدُ الذي يُدميكَ
تُقرِّبُهُ العاصفة من جهة البحر
وهذه الظِّلالُ سيغرقها وجعُ المستنقعات
في حُمرة الليالي
وهذه الغابات التِّي تعرفُ وطأتنا
المجبُولة بالحلمِ
ستحترقُ بحُرقتنا وسيرحلُ رمادُها إلى كونٍ أخر
سيعْترفُ بقدرِكَ….
وستغسلُ الغَيماتُ وجهك من بلاءِ الحاضرِ…
لتُصلي آخر صَلواتك
وهذا الرأُسُ الذي يطبعكَ بالصَّلابةِ
سينتهي قَريبًا من القداسة
وهذه المخلوقات التي تنعتُكَ بالكلب
ستاخُد عنك معنى انَّك الصامت للابدِ
وستُعيدَ حدْسك لآلافَ السنين خلت
ببهلوانيتك
في اللغة ….
في العِشق …..
في الرقصِ …..
آه يا بيلوان قطعنا الحبال بأسناننا ….
وهشَّمنا الصخُور بأقدامنا
وثقبنا السَّماء بأعيننا
وسِرنا الليل كله في صمتٍ حزِين
أحْيانًا أداعبُك بالاختِفاء
فيطفُو غضَبكَ شَجر الصفْصافِ
فترمِي بجلدك للحرٍّ
وأحيانًا تهربُ منِّي المسافات
وتتجاهلنُي
وتتجاهل اسمك الملعُون…
تنسَى المِلحْ….
و العِشرة….
كمْ مرّة أنمتُكَ تحتَ دفء كفِي
تنسى أنّي وحيدٌ بدونكَ
وأملِي حين لا يبقَى الأمل
وانّك  معارضي في المواقفِ التِّي أحس بها بنزعتي الإنسانية
وانَّك الحقود
حين تداعبنِي بنات الحارة ويرمونني بالورْد..
فيضيعُ صَوتك بينَ أنيِن المرضى والفقراء…
وترخِي أذنيك إلى الأرض ..
وتعُود موَلولًا خيبتكَ وانهيارِكَ
تغفلُ أنكَ مُجبرٌ بإمدادِي حقيقة النَّهارِ
حتّى لا أستَفيق على ذُعر المدينة
وتعلونِي نعرة الهياج
فأبدأ برشقِ لعنتي على الجميع…
وأنهيها بشتمِي المُخزِي للأصول
من أدم ونعمان وسلمان وحمدان
حتَّى أخر إنسان
في وهران وقحطان وعمان
وأم درمان وأصوان ولبنان وأفران..
آه يا بيلوان…..
أتذكُرُ يومَ جُعنا وتُهنَا بكل الألوان  ….
وأطعمتكَ أصَابعي فأبيتَ وتهتُ بلا عنوان…
فتربّصت حيّة صفراء تنوي الغدر
فمنحتك سمها القاتل.
قاومت…
ترنَّحت كالمسعُور أنت …
أسمعتني أنينك وأنت تنهشُ الأرض
بأظافرك
بأسنانكَ…
تجرُ مخلوقة بتمام الاصفرارِ
أمام عُيون الأشرارِ…
وطوابيرِ الانتظارِ…
. وخفايا الأسرار …
فلولى تلك العجوزُ التِّي سقَتك بُولها لكنْت ألانْ في خبر كان
وبقيَّ لِي خيالكَ صُورة للتذكارِ…
وقبرُك مَحجَّة للعميانْ …
وتمرُّدك لأية للنفُورِ والعِصْيان…
وفي محافلِ الجُبناء انأ الشَّاهدُ العيانْ
تحت رَجفتِي تسقط الدِّنَان …
وعُيوني أبعد َمن حُلمِهم تشْعلُ نارهم للنِّسيان
آه بيلوان تريدُ أن تُطعمني حية لاحيا وإياكَ …
ونخْلُدَ معاً في غمٍ أضناكَ…
ونُعَرِّي للمتاهة حقيقة من سَمَّاك…
بالله من سَمَّاك …
قلْ لي من أعْماكْ…
أتُهدي نفسكَ للموتِ من أجلِي؟
آه يَا بيلوانْ
أتذكرُ يومَ أتَتنا فاجِعة صُدورِ الأحْكام….
بالنَّفي ..
بالحبسِ ….
ولا حَصرَ للأعْوامِ…
وبكتِ الأمَّهات….
وَولْولَت ….
وأوْمأتِ بأشْلائهَا طيورَ السلاَمِ….
وأنت ترْكضُ كالمَجنُون
وحْدِي كنتُ أعلَمُ حَيرتكَ
وحدِي كنتُ أعِي أنَّكَ تحملُ خبرًا
سيُبكينِي وحْدي …
كنتُ أعرِفُ أن الرَّصَاصَة المُتَّجهَة صوْبَ قلبِي
أسْقطتك جُثة لا تتَحرَك …
ما أجْملك وأنتَ تمُوتُ يا بيلوان
كفنك ابتسامة….
قبرك جسدي وحتَّى العراء .
ليتنا تقاسمنا تلك الرصاصة الغادرة ….
لمن تركني …؟
لمن أشي بدواخلي..؟
لمن سأحيا بعدك يا بيلوان…؟
ما أجْملك وأنتَ تمُوتُ يا بيلوان..
أمَدَّك الرَّبُ بالغفران….


الكاتب :  عبد اللطيف رعري  

  

بتاريخ : 17/01/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *