جلالة الملك يتباحث مع إمانويل ماكرون بخصوص الأزمة الليبية استغراب مغربي واعتذار تونسي وغياب يوناني قطري.. برلين تبحث حلا لأزمة ليبيا والسراج يدعو لنشر قوة دولية

أعلن بلاغ الديوان الملكي أن جلالة الملك محمد السادس تلقى السبت الماضي، اتصالا هاتفيا من رئيس الجمهورية الفرنسية إمانويل ماكرون.
وأوضح البلاغ أن المباحثات تناولت على الخصوص الأزمة الليبية عشية الاجتماع المقرر عقده ببرلين يوم 19 يناير.
وبهذه المناسبة، تم التأكيد على الدور الهام الذي تضطلع به المملكة المغربية وعلى ما تبذله من جهود مشهود بها، منذ عدة سنوات، لحل الأزمة في هذا البلد المغاربي.
وقد أسفرت هذه الجهود، على الخصوص، عن اتفاق الصخيرات، الذي أقره مجلس الأمن ويحظى بدعم المجتمع الدولي.
وفي سياق متصل، أعربت المملكة المغربية عن استغرابها العميق لإقصائه من المؤتمر المتوقع انعقاده في 19 يناير ببرلين، بألمانيا، حول ليبيا.
وأكد بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن “المملكة المغربية كانت دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية”، مضيفا أن “المغرب اضطلع بدور حاسم في إبرام اتفاقات الصخيرات، والتي تشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد -الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين- من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق”.
وسجل البلاغ أن “المملكة المغربية لا تفهم المعايير ولا الدوافع التي أملت اختيار البلدان المشاركة في هذا الاجتماع”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن للبلد المضيف لهذا المؤتمر، البعيد عن المنطقة وعن تشعبات الأزمة الليبية، تحويله إلى أداة للدفع بمصالحه الوطنية”.
وخلص البلاغ إلى أن “المملكة المغربية ستواصل من جهتها انخراطها إلى جانب الأشقاء الليبيين والبلدان المعنية والمهتمة بصدق، من أجل المساهمة في إيجاد حل للأزمة الليبية”.
وفي الوقت الذي تم فيه تغييب المغرب، من اجتماع، الذي يعتبر الاجتماع الدولي السابع منذ اجتماع الصخيرات، و تونس التي اعتذرت عن المشاركة في أشغال المؤتمر الدولي حول ليبيا، المقرر تنظيمه ببرلين، بسبب دعوتها بصفة متأخرة، تشارك الجزائر ممثلة برئيسها عبد المجيد تبون، كما عرفت الندوة مشاركة رئيسي روسيا وتركيا اللذين يلعبان دورا أساسيا مستفيدين من الفراغ الذي تركه الأوروبيون، إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، مصر والإمارات العربية المتحدة.
و يحضر المؤتمر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وشاركت فيه أيضا أربع منظمات دولية وإقليمية هي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، في وقت لم تُدع فيه كل من اليونان وقطر.
وكان ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية و التعاون الافريقي و المغاربة المقيمين بالخارج قد أعرب عن أمله أن لا يكون مصير اجتماع برلين كالاجتماعات الستة الأخرى، مؤكدا أن ما يتمناه المغرب بالأساس هو أن يتم الاشتغال، ما بعد برلين، بمسؤولية لإيجاد حلول عملية مبنية على اتفاق الصخيرات للأزمة الليبية.
ويروم في هذا المؤتمر وضع حد للتدخلات الأجنبية في هذه الدولة التي تغذي النزاع فيها عوامل عديدة من الشهية لمواردها النفطية إلى الخصومات السياسية الإقليمية وصراع النفوذ.
وكان المغرب استضاف لعدة أشهر مفاوضات عسيرة تحت إشراف الأمم المتحدة أفضت إلى الوثيقة السياسية الوحيدة التي ناقشها مجلس الأمن الدولي، حيث اعتبر اتفاق الصخيرات الإطار الوحيد للحل السياسي في ليبيا، ودعا إلى الإسراع في العملية السياسية حتى تخرج البلاد من أزمتها المستمرة منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وشدد المجلس على أن تطبيق اتفاق الصخيرات الذي تم إبرامه بالمغرب في 17 دجنبر 2015 يبقى المفتاح لتنظيم انتخابات وإنهاء الانتقال السياسي، ورفض البيان تحديد آجال من شأنها أن تعرقل العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
وأكد المجلس أنه لا حل عسكريا للأزمة في ليبيا، وأشاد بالدور الذي يقوم به رئيس حكومة الوفاق فائز السراج من أجل الوصول إلى تسوية سياسية ومصالحة وطنية.
ودعا كل الأطراف الليبية إلى احترام وقف إطلاق النار الذي تضمنه إعلان صدر في ختام لقاء عقد بباريس بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على معظم شرقي ليبيا وأجزاء من وسط البلاد وجنوبها حينها .
و حث مجلس الأمن كل الليبيين على الانخراط في التسوية السياسية والإسراع فيها، محذرا من أن أي تأخير جديد من شأنه إطالة معاناة الشعب الليبي، وطالب الليبيين باستكمال إنجاز الدستور الجديد، مؤكدا في الأثناء أهمية توحيد القوات المسلحة الليبية وتعزيزها تحت إشراف مدني.
ولم تتوصل القوى السياسية الليبية بعدُ إلى الاتفاق على تعديل الاتفاق السياسي بعد عدة جولات من الحوار في تونس ، حيث لا تزال هناك خلافات تتعلق بمسائل مثل تركيبة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وصلاحياته، وهيكلة الجيش.
وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أمس الأحد، إن الأطراف المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا، اتفقت على مسودة البيان الختامي حول المؤتمر.
وأعرب تشاووش أوغلو، عقب لقاء له مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو في العاصمة الألمانية برلين، عن توقعه بأن مؤتمر برلين، الذي انطلق الأحد سيخرج بنتائج إيجابية.
وأضاف “أجرينا ليلة السبت، آخر المباحثات حول البيان المشترك (للمؤتمر)، وهناك مسودة تتفق عليها الأطراف، وستوضع أمام القادة”، مشيرا إلى أن جهود الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، هيأت أرضية تنظيم المؤتمر.
ولفت تشاووش أوغلو، إلى أن توقع حل جميع المشكلات في ليبيا عبر مؤتمر برلين، سيكون تفاؤلا مبالغا فيه، مضيفا أنه “يتعين علينا مواصلة هذه الجهود حتى نتمكن من تحقيق أهدافنا بعد مؤتمر
ودعا رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة فايز السراج إلى نشر “قوة حماية دولية” في ليبيا إذا استأنف خليفة حفتر الأعمال القتالية.
وقال السراج في مقابلة مع صحيفة “دي فيلت الألمانية” قبل قمة برلين، “إذا لم يُنه خليفة حفتر هجومه، فسيتعين على المجتمع الدولي التدخل عبر قوة دولية لحماية السكان المدنيين الليبيين”.
واعتبر السراج أن مثل هذه المهمة المسلحة يجب أن تكون “برعاية الأمم المتحدة”، قائلا إنه يتوجب تحديد ما إذا كان الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية هي الجهة التي ستشارك فيها.
بموازاة مع ذلك، صرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية السبت بأن الصراع في ليبيا بات يشبه الصراع السوري بشكل متزايد، موضحا في حديث للصحفيين المرافقين لوزير الخارجية مايك بومبيو عندما سئل عن فرص نجاح قمة برلين “أعتقد أنها معقدة للغاية وكلٌ متشبث بموقفه، لذا فإن توقعاتي متواضعة”.
من جهته، دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الأوروبيين إلى “تجاوز انقساماتهم” والانخراط على نحو أكبر في إيجاد حل لإنهاء النزاع.
وقال في مقابلة نشرتها الجمعة مجلة دير شبيغل الالمانية “إذا تم الأحد التوصل إلى وقف لإطلاق النار (…) يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعدا للمساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار هذا ومراقبته، ربما من خلال جنود في إطار مهمة للاتحاد الأوروبي”.
ويشعر الاتحاد الأوروبي، خصوصا ألمانيا، بقلق من احتمال تدفق مهاجرين إذا تدهور الوضع في ليبيا.في هذا السياق، انتقد السراج مستوى انخراط الأوروبيين حتى الآن، قائلا “لسوء الحظ، كان دور الاتحاد الأوروبي حتى الآن متواضعا جدا (…) على الرغم من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي لديه علاقة خاصة مع ليبيا، وعلى الرغم من أننا جيران ولدينا مصالح مشتركة كثيرة”.

حسابات كل الأطراف في غياب المغرب

وتجتمع عدة دول بينها أبرز الأطراف المعنية بالملف الليبي الأحد في برلين لترسيخ وقف إطلاق النار ومحاولة وقف التدخلات الأجنبية التي تلقي بثقلها على النزاع في هذه الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا.
وتحمل الدول المجتمعة أهدافا متباينة حيث يتخوف الأوروبيون وخاصة ألمانيا من زحف الهجرة نحو أوروبا، في حين تسعى تركيا إلى وضع يدها على موارد جديدة خاصة النفط ، أما دول الجوار مثل تونس الجزائر ومصر فلها حدود شاسعة مع ليبيا وكذا مصالح اقتصادية وأمنية ، أما المغرب الذي اعتبر في وقت سابق بأنه البلد المغاربي الذي لا أطماع له في ليبيا وتحركه رغبة كبيرة في ضمان أمن واستقرار ليبيا وضمان وحدتها المهددة بالتقسيم ، فقد تم إقصاءه في قمة برلين.
وللإشعار، تتنازع على الحكم سلطتان متنافستان منذ 2015 في هذا البلد الغارق في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 إثر انتفاضة شعبية. والسلطتان هما حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة برئاسة فايز السراج وتتخذ من العاصمة طرابلس (غرب) مقرا لها، وسلطة موازية في الشرق تدعم المشير خليفة حفتر وتحظى بدعم البرلمان المنتخب عام 2014.
في العام 2014، أطلق المشير حفتر هجوما لطرد المجموعات الإسلامية من بنغازي ودرنة (شرق). وبعد سنوات من المعارك الدامية أصبحت المدينتان تحت سيطرة قوات حفتر منذ 2018.
يسيطر حفتر على القسم الأكبر من الأراضي الليبية بينها الهلال النفطي، رئة الاقتصاد والواقع في الشرق. ويقول محللون إنه لا يتقبل أن تذهب كل عائدات النفط إلى حكومة الوفاق رغم أن هذه الحكومة تعيد توزيعها على الجميع. والنفط هو مصدر الواردات الوحيد في البلاد تقريبا.
تسيطر حكومة الوفاق الوطني على طرابلس ومصراته وغالبية المدن الأخرى في الغرب.وبحسب مصدر دبلوماسي غربي، قرر حفتر السيطرة على طرابلس “ووضع كل العالم أمام الأمر الواقع”.
كان يأمل في انتصار خاطف مراهنا على انهيار سريع لقوات حكومة الوفاق الوطني. لكنه لم يأخذ في الحسبان عدة مجموعات مسلحة في الغرب وبينها كتائب مصراتة التي تعارض بقوة حفتر.
ولا تزال القوات الموالية لحفتر على أبواب طرابلس. ودخل اتفاق لوقف إطلاق النار بمبادرة من موسكو وانقرة حيز التنفيذ في 12 يناير ويجري الالتزام به بشكل عام.تدعم مصر والإمارات والسعودية المشير حفتر. وتعتبر مصر والامارات وكذلك فرنسا أن حفتر يتقدم معركة مكافحة الإرهاب وقدمت له في السابق مساعدات عسكرية ولوجستية.وتدعمه روسيا أيضا على الأقل سياسيا. ورغم نفيها، يشتبه في أنها أرسلت مرتزقة للقتال إلى جانب قوات حفتر.
وعبرت الولايات المتحدة عن دعمها للمشير حفتر كاشفة عن اتصال مباشر بينه وبين الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد الهجوم على طرابلس. ثم اعتمدت موقفا أكثر غموضا منذ ذلك الحين.
أما حكومة الوفاق الوطني فهي مدعومة من تركيا وقطر. وقد أعلنت أنقرة عن إرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق.


الكاتب : ي. هناني - م. الطالبي

  

بتاريخ : 20/01/2020