ليلى بدون قبيلة !

عبد السلام المساوي 

 
الحرية الفردية قناعة ومكابدة، وهي خط متواصل في التفكير، وليست سوقا انتقائية نختار منها ما يلائمنا وقت الشدة فقط، في هذه الحالة تصبح الحرية استنجادا بالعدل القيمي لتبرير انتهازية مفضوحة…
والسؤال الجوهري الآن، والذي تطرحه قضية ليلى هو: أين ذهب أولئك الذين خرجوا لكي يدافعوا عن رفع التجريم عن العلاقات الرضائية أيام قضية هاجر ؟ أين ذهب من اكتشفوا الحريات الفردية فجأة وشرعوا في الدفاع عنها خلال المحاكمة وبعد الحكم بالسجن؟ أين ذهب المتحررون الجدد؟ أينهم يا ترى ؟
الجواب سهل للغاية، لقد نفضوا أيديهم عن الحكاية، لأن ما يقع للمغربيات الأخريات، العاديات، غير المعروفات، أو غير المحسوبات على ” آل البيت “، وعلى القبيلة، لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. هم لا يهتمون لوفاة شابة مغربية خلال إجهاض سري، ولا يعنيهم من قريب أو بعيد أن تنهار أسرة مغربية بسبب علاقة رضائية تصل بطرفيها إلى السجن ولا يهتم بهما أحد. هم يبحثون فقط عن القضايا التي تعني لهم المزايدة بها ربحا، أو تترك لهم هامش ” هوتة ” يصغر ويكبر حسب الحالات .
لذلك نسي المناضلون المتعددة مهامهم ليلى، والمغربيات اللائي يعانين في هذا المجال، وعادوا إلى ما يتقنونه أكثر وإلى هوايتهم المجزية التي تعود عليهم بالخير العميم …
إن المقتاتين الأساسيين والدائمين من مائدة التضامن مع كل شيء وأحيانا مع اللاشيء لم يبدوا حماسا في قضية ليلى ..
فليلى التي تعرضت لما تعرضت له من اعتقال لا تعني لهم شيئا لأنها مجرد امرأة مغربية عادية. وكان يلزمها بعض الانتماء السياسي لكي تستطيع توابل القضية أن تثير شهيتهم النضالية لممارسة روتينهم اليومي. وكان يلزمها لقبا عائليا أو شيئا من هذا القبيل يذكرهم أنها تستحق قليلا من التضامن معها هي الأخرى .
إن الرأي العام ليس غبيا على الإطلاق. هو التقط حكاية الكيل بالمكاييل المتعددة هاته، وفهم أن بعض متعهدي النضال الكاذب ممن نرى سحناتهم دوما في الوقفات إياها أمام البرلمان لا يتحركون إلا إذا ما مس الأمر شخصا ينتمي لقبيلتهم هم …في نهاية المطاف قضاؤنا منح ليلى سراحها المؤقت هي التي لم يكن لها أن تعتقل منذ البدء، وأعاد إلينا الأمل في أن بعضا من التعامل العاقل مع الأشياء هو ما سينفع هذا البلد لكي يقطع الطريق على جوقة روتيني اليومي السياسية.
إن المناضلين المتعددة مهامهم، المتاجرين بآلام الناس وأحوالهم، والذين يتقنون هوايتهم المجزية التي تعود عليهم بالخير العميم، يركبون على قضايا المجتمع، للنفخ فيها وإلباسها لبوسات سياسوية، ويتخذونها مطية للنيل مما تحقق من منجزات على الأصعدة الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولايستسيغون إنهاء مأساة المتهمين، لأنها ستنهي ركوبهم على الأحداث لتحقيق الأجندة المستعدة للتخريب، سواء منها الداخلية أو الخارجية …
إن هؤلاء ” الفرناتشية ” ما زالوا عاجزين عن استيعاب كل المتغيرات التي عرفها هذا البلد، وما زالوا غير قادرين على الاقتناع أنه قرر لنفسه مسارا خاصا واستثنائيا ومتفردا، وأنه لن يضيع فرصة واحدة لإثبات هذا التفرد وسط عديد النماذج المتهالكة التي تحيط بنا والتي تحاول تقديم نفسها لنا باعتبارها ضرورية الاحتذاء …

الكاتب : عبد السلام المساوي  - بتاريخ : 24/01/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *