دور المثقف والإعلامي في التوعية

في كثير من الأحيان يصعب التمييز بين المثقف والإعلامي فقد يكون المثقف إعلاميا والعكس صحيح، وفي هذا الصدد نستحضر بعض رموز الثقافة والإعلام في الشقيقة مصر والذين لعبوا أدوارا طلائعية في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من المجالات في طليعتهم محمد حسنين هيكل المحلل السياسي، والكاتب الكبير عباس محمود العقاد والروائي يوسف السباعي والإعلامي محمد قنديل صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير “قلم الرصاص” وغيرهم من الإعلاميين والمثقفين وما أكثرهم في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج .
وبالمناسبة نستحضر أيضا رموز الثقافة والإعلام بالمغرب في طليعتهم المفكر والمنظر الألمعي الراحل محمد عابد الجابري، الذي اشتغل في بداية حياته صحافيا بجريدة “العلم”، وبعد ذلك تحمل مسؤولية رئيس التحرير بجريدتي “التحرير” ثم “المحرر”، بالإضافة الى صاحب “حديث الأربعاء” و”دفنا الماضي” الروائي الراحل عبد الكريم غلاب مدير جريدة “العلم” سابقا والقاص الراحل عبد الجبار السحيمي الذي شغل مدير جريدة “العلم” سابقا وغيرهم من الرواد.
ومن البديهي أن كلا من المثقف والإعلامي يلعبان أدورا طلائعية في ترسيخ مفاهيم الوطن والمواطنة والقيم الاجتماعية والمكتسبات السياسية والاقتصادية، وزيادة على ذلك يعتبر المثقف المصلح الاجتماعي الحقيقي الذي يحتاجه الوطن لأنه يتعاطي مع الواقع بالفكر والتحليل وليس بالتوجيه والأحكام الجاهزة كما يقوم غيره من المؤثرين في المجتمع.
أما الإعلامي هو من ينقل الإخبار ويحرر الافتتاحيات والمقالات عبر وسائل الإعلام المختلفة بصدق ويتناول موضوعاته بعمق بعيدا عن الإثارة والقذف، والكتابة تحت الطلب، في طليعتهم الروائي محمد الأشعري صاحب ركن “عين العقل” والشاعر الرقيق محمد الجوهري الذي اشتغل في بداية حياته بالقناة الأولى المغربية محرر ركن “بوقرفادة” ذلك الركن الرائع الذي كان القراء يتابعونه باستمرار بجريدة “الاتحاد الاشتراكي” بالإضافة إلى الروائي حسن نجمي، وبالمناسبة أيضا نستحضر روح الإعلامية الراحلة مليكة ملاك صاحبة البرنامج التلفزيوني الشهير “في الواجهة” الذي استضافت فيه شخصيات وازنة سياسية واقتصادية واجتماعية بحنكة كبرى تعكس عمق تفكيرها وإلمامها بآراء وانتاجات ضيوفها، كما نستحضر أيضا الصحافي المحنك الراحل خالد مشبال صاحب البرنامج التلفزيوني “المفاتيح السبعة” ومحمد البوعناني معد البرنامج التلفزيوني “مع البحار”، بالإضافة إلى عدد من الزميلات الإعلاميات باذاعة طنجة من بينهن أمينة السوسي وازهور الغزاوي وفاطمة عيسى أيام تألق هذه المحطة التي كانت تستقطب ملايين المستمعين في منتصف الليل، نظرا لما تقدمه من برامج هادفة وتوعوية. كما لاننسى الأديب الروائي الشاعر المهدي حاضي الذي كان مراسلا متميزا لجريدة “العلم” والفيلسوف ادريس كثير الذي أغني الساحة الثقافية بكتبه الفلسفية زيادة على نشره لمقالات رزينة في الصحف الحزبية الملتزمة منها جريدتي “الاتحاد الاشتراكي” و”العلم” وعالم علم الاجتماع احمد شراك وغيرهم من المثقفين الإعلاميين المخضرمين الذين لازالوا يؤمنون برسالتهم التنويرية والتوجيهية.
ومما لاشك فيه أن المثقف والإعلامي الملتزمان بقضايا شعوبهم في المشهد المغربي والعربي أيضا ينتسبان إلى الأجيال السابقة، والواقع انه يوجد بينهم وبين الجيل الجديد من المثقفين والإعلاميين مسافة شاسعة لكون اهتمامات الجيل الجديد من المثقفين والإعلاميين تغاير اهتمامات السابقين، لأن الرفاهية والترف ومتطلبات الحياة أصبحت من المميزات التي يسعي إليها أغلب المثقفين والإعلاميين في الوقت الراهن، وذلك ما أدركه الحاكمون في الوطن العربي بصفة عامة، حيث استقطبوا الكثير من الجيل الجديد من المثقفين وأدمجوهم في منظومة الحاكمين بعد آن وظفوهم في مناصب سامية ليتحولوا الى أبواق للسلطات يأتمرون بأوامرهم ويطبقون ما يملى عليهم، مبتعدين عن مشاكل الشعوب العربية ومعاناتها في مختلف المجالات، وقد تزاحم هؤلاء على انتهاز الفرص ومنهم من زال ينتظر التسلق على غرار زملائه.
وحتى نعيد للثقافة مكانتها أصبح من الواجب إبداع جوائز للتفوق للشباب وذلك بالاهتمام بهم ورعايتهم بدل تركهم تحت رحمة المنظومة الإعلامية الواردة عبر الأقمار الصناعية والتي تبث أفكارا بعيدا عن اهتماماتنا، لأن تششجيعهم يدفعهم للإبداع وعدم هدر طاقاتهم في ما لايفيد .
ومن حقنا إن نتساءل أين يتجه الجيل الجديد من المثقفين والإعلاميين؟ فهل سلوكهم هذا يعكس اتجاههم أم أنهم ابتعدوا عن المنهج التوعوي الذي نهجه السابقون، اذ الملاحظ ان هناك فرقا شاسعا بين ماكتبه السابقون من أمثال العروي والجابري وغيرهما، وما يكتبه الشباب الذي ابتعد عن الاجتهاد والتنظير وركن لخدمة مصالحه الخاصة، ومن هنا يبرز السؤال حول لغة التواصل بين افرد المجتمع؟
ولعل ما يعرفه العالم من ثورة إعلامية وتكنولوجية فاق كل التصورات وأثر بشكل سلبي على الجيل الجديد من المثقفين والإعلاميين وحتى الأسر والمدارس والمعاهد والشارع..، نظرا لما ينشرعبر الانترنيت، إذ أضحت الأغلبية العظمي من كل الفئات مستلبة ولا تتعاطي لقراءة الكتب والمجلات والصحف..، وطغت أخبار الجريمة والجنس على الحياة العامة، ومع الأسف الشديد فقد طغت لغة المال وهمش المثقف ولم يعد يحظى بالاهتمام الذي كان يحظي به سابقا من كل الفئات الاجتماعية، ووضع بينه وبين الوصول الى البرلمان لتشريع القوانين الطموحة في كل المجالات سواء منها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفسح المجال لأصحاب الشكارة لشراء أصوات الضعفاء لحماية مأربهم وأموالهم وممتلكاتهم الخاصة والتهرب من أداء الضرائب.
وحتي نتغلب على التفاهة أصبح من الواجب على المثقف والإعلامي العودة إلى التأطير والتنظير والتعامل مع التفاوتات الفكرية بلغة تتكيف مع المجتمع خدمة للإنسان والوطن، لأن الوطن لايقبل الرهان..
ومع الأسف لم نكن نتوقع أن يصل الانحطاط الفكري إلى ما أل إليه الآن، حيث أصبح العقل الفعال غير قادر على القيام بدوره عن المعقولات التي هي مصدر العدل والحكمة، فما أحوجنا إلى ثورة فكرية ونهضة ثقافية وصولا الى مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ويتمتع فيه المواطنون بكامل حقوقهم.
ولن يتأتي ذلك إلا بعودة المثقفين للمساهمة في التوعية والتأطير عبر وسائل التواصل المختلفة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وعلى المثقف أن يدرك أن العالم بات مغايرا لما كان عليه، وأن الوطن في حاجة الى إصلاح وتطوير اقتصادي وليس بحاجة إلى فوضي سياسية، وعلى المثقف أن يتخلص من عقدة السياسي الإصلاحي و ألا يسمح لنفسه بالعزلة ولا يجب أن يكون مقايضا للسياسة، لأن ما يحدث في عالمنا يتطلب أن يلعب كل فرد دوره الايجابي نحو وطنه الذي ينتظر منه الكثير من الأدوار الإيجابية لأن مسؤولية الأجيال القادمة وضمان مستقبلها ينطلق من اليوم وليس الغد.
وبدون شك أن عودة الوعي الثقافي ستمكن الإعلامي الملتزم القيام بتبليغ رسالته على الوجه الأكمل لكافة المواطنين وبذلك يمكننا التخلص من شرنقة التخلف والالتحاق بركب الدول النامية.
ملاحظة هذا العرض ألقي بمناسبة المائدة المستديرة التي نظمتها جمعية ملتقى الشباب والتنمية مؤخرا والتي شارك فيها عدد من الدكاترة والفلاسفة الباحثين.


الكاتب : فاس: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 27/01/2020

أخبار مرتبطة

صدر بالجريدة الرسمية، في عدد يوم 29 أبريل 2024، قرارات تتعلق بتعيينات جديدة وتجديد مهام في الهيأة العليا للاتصال السمعي

بعد أن ظلت مهجورة لسنوات عادت الحياة لدار النيابة، تحولت إلى متحف لصيانة ذاكرة مدينة طنجة ومنفتح على الإبداع التشكيلي

تحتفي الدورة الثانية من “ربيع المسرح” التي ستقام في مدينة تارودانت ما بين 6 و11 ماي 2024، بالفنان عبد الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *